أزمة أرز عالمية تهدد الدول العربية
فرضت الهند حظرا فوريا على صادرات الأرز الأبيض غير البسمتي وغير المسلوق في شهر يوليو/تموز الماضي، ما تسبب بأزمة عالمية في سوق الأرز باعتبارها أكبر مصدر للأرز في العالم.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فاو، إن أسعار الأرز العالمية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 15 عاماً خلال أغسطس/آب الماضي، في استثناء صارخ، بنسبة 9.8% مقارنة بالشهر السابق، جراء أزمة في تجارة الأرز والتي ظهرت غداة قرار الحظر الهندي، رغم انخفاض مؤشر الأسعار الدولية للسلع الغذائية الأساسية، والذي يتتبع شهريا التغيرات في الأسعار الدولية للسلع الغذائية المتداولة على الصعيد العالمي بنسبة 2.1% عما كان عليه في يوليو/تموز، وبانخفاض 24% عن الذروة التي كان قد بلغها في مارس/آذار 2022.
تحتفظ الهند بمكانة رائدة في سوق الأرز الدولية، وتستأثر منذ فترة طويلة على لقب أكبر مصدر للأرز على مستوى العالم، حيث توفر أكثر من 40% من طلب السوق العالمي على الأرز الأبيض والبسمتي، وتصل صادراتها لأكثر من 150 دولة، بما في ذلك معظم الدول العربية والبلدان الفقيرة في أفريقيا وآسيا.
وصدّرت كمية قياسية تخطت 22 مليون طن من الأرز في عام 2022. ما يفاقم أزمة الأرز بعد قرار الحظر، أن الهند فرضت في شهر أغسطس ضريبة بنسبة 20% على شحنات الأرز المسلوق، وفرضت حدًا أدنى لسعر تصدير شحنات الأرز البسمتي قدره 1200 دولار للطن، كجزء من جهود حكومة ناريندرا مودي الرامية إلى السيطرة على الأسعار المحلية قبل الانتخابات العامة هناك.
قرار الحظر يشمل 9.94 ملايين طن، من إجمالي 22 مليون طن من صادرات الأرز والتي تم شحنها من الهند خلال العام الماضي ما يعادل 45% من صادرات الهند المعتادة من الأرز. حاليًا، يُسمح فقط بتصدير الأرز البسمتي والذي شكل 4.56 ملايين طن من صادرات العام الماضي، والأرز غير البسمتي المسلوق والذي شكل 7.85 ملايين طن من صادرات العام الماضي.
تداعيات حظر الصادرات
كرد فعل للإجراءات الهندية والشراء السريع من قبل العديد من المستوردين في مواجهة انخفاض الإمدادات من الهند القابلة للتصدير، قفزت أسعار الأرز الأبيض التايلاندي العادي، غير المسلوق أو البسمتي، إلى 657 دولاراً للطن، بزيادة 165 دولارا 25%، عن يوليو/تموز، وهو أعلى سعر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية. وبذلك يصل ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من 50% في العام الماضي. ويتوقع تجار الأرز في شرق آسيا أن يصل السعر إلى 1000 دولار للطن هذا العام، وفق جمعية مصدري الأرز التايلاندي.
وارتفعت الأسعار في فيتنام إلى حد كبير بسبب حظر التصدير الذي فرضته الهند والشراء السريع من قبل العديد من المستوردين الرئيسيين تحسبا لإمدادات أكثر صرامة قابلة للتصدير. وقفزت أسعار الأرز الباكستاني بأكثر من 75 دولاراً للطن لتصل إلى 598 دولاراً للأسبوع المنتهي في 8 أغسطس/آب. وارتفعت أسعار التداول الأميركية للأرز الأبيض طويل الحبة من الدرجة الثانية المخصص للتصدير للعراق إلى 760 دولارًا للطن، وإلى 725 دولارًا للطن لأسواق أميركا اللاتينية، وجميعها الأعلى منذ أكتوبر 2008.
وحذت كبرى الدول المصدرة للأرز حذو الهند، حيث تمسكت بمخزوناتها، وأعادت التفاوض بشأن العقود أو أحجمت عن تقديم عروض للأسعار، في ظل محدودية الكميات المتوافرة خلال الموسم قبل حصاد المحاصيل الجديدة، وعدم اليقين بشأن مدة الحظر والقلق من أن تمتد القيود على الصادرات لتشمل أنواعًا أخرى من الأرز، وبالتالي بات الجزء الأكبر من التجارة يقتصر على كميات صغيرة أو على عمليات بيع مبرمة سابقًا.
وبالنسبة لأسعار المستهلكين، فإن أسعار الأرز هي الأغلى في صربيا وأميركا واليابان حيث تتجاوز 4 دولارات لكل كيلو غرام، وفي السعودية 2.32 دولار، والإمارات 2.59 دولار، وهو الأعلى في منطقة الخليج. وفي المغرب 1.9 دولار، والأردن 1.69 دولار، والكويت 1.63 دولار، ومصر 1.2 دولار، والهند 0.78 دولار. وتونس 0.5 دولار للكيلو، وهي من أقل البلدان في أسعار الأرز في العالم، وفقاً لموقع "غلوبال بروداكت برايس" المتخصص في متابعة أسعار السلع عالمياً.
الأرز يدعم الأمن الغذائي
الأرز الذي يشكل الغذاء الأساسي لأكثر من 3 مليارات شخص، يتم إنتاج ما يقرب من 90% من محصوله في آسيا، وقد أدى الجفاف إلى تراجع الإنتاج حيث يحتاج إلى مياه الري بكثافة. ويحصل 42 بلداً على أكثر من 50% من إجمالي وارداتها من الأرز من الهند، وهي حصة كبيرة لا يمكن استبدالها بسهولة بواردات من بلدان مصدرة كبيرة أخرى مثل فيتنام أو تايلاند أو باكستان. وفي أفريقيا، كانت الهند مصدر 80% من وارداتها من الأرز في سنة 2022.
الأزمة الحالية تذكر بأزمة الغذاء العالمية في سنة 2007، حيث تأثرت أسعار الأرز أكثر من القمح. وفيها تضاعفت أسعار الأرز 3 مرات في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 إلى أواخر إبريل/نيسان 2008. فزاد السعر من 300 دولار للطن إلى 910 دولارات للطن. ولم تكن الزيادة في الأسعار ناجمة عن فشل المحاصيل أو نقص المعروض في السوق الدولية من الأرز.
ولكن القيود التجارية التي فرضتها الهند وتبعها كبار الموردين، والشراء المذعور من جانب كبار المستوردين، وهو ما يطلق عليه بعض الاقتصاديين بالمؤثرات النفسية للأسواق، بالإضافة لضعف الدولار، وأسعار النفط القياسية، كانت هي الأسباب المباشرة لارتفاع أسعار الأرز الذي كان له تأثير سلبي على رفاهية مستهلكي الأرز وأدى لزيادة فواتير الاستيراد وأرهق الموازنات المالية لتلك الدول.
خلال أزمة الغذاء في سنة 2007، واجهت الهند ارتفاعاً حاداً في أسعار القمح. فقامت بعلاج الأزمة بالاعتماد على الأرز. وقررت الحكومة شراء المزيد من الأرز لبرنامج توزيع الغذاء بدلاً من القمح لضمان إمدادات رخيصة من الأرز، كما قام المسؤولون بحظر تصدير الأرز، ما أدى لتضاعف أسعار الأرز بشكل خاص مقارنة بالحبوب الأخرى كالقمح والذرة، وسجل ثلاثة أضعاف سعره في وقت قياسي وكانت هي أكبر زيادة شهدها سوق الأرز على الإطلاق.
يرى ألفارو لاريو، الذي يترأس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي في نيويورك على وقع الأزمة، أن الأرز هو "مصدر القلق الرئيسي" للأمن الغذائي العالمي وبدرجة أكبر من القمح. وأكد لاريو أن الأرز، خاصة في أفريقيا، يمكن أن يؤدي إلى صراع محتمل واضطرابات اجتماعية يمكن أن تكون خطيرة للغاية في هذه اللحظة، كما حدث في ثورة الربيع العربي.
يتميز الأرز، على النقيض من القمح، باعتباره سلعة عالمية محدودة المصادر حيث يتم تداوله بكمية محدودة في السوق الدولية. إذ يبلغ إجمالي التجارة العالمية السنوية من القمح المتاح للتصدير حوالي 215 مليون طن، تشارك الهند بحصة ضئيلة، حتى عندما بلغت ذروتها عند 7 ملايين طن في 2021-2022.
ورغم مشاركتها المحدودة، أثر الحظر الذي فرضته الهند على صادرات القمح، في مايو/أيار 2022، على معنويات الأسعار العالمية في ذلك الوقت، لكنه لم يكن ذا أهمية جوهرية مثل ما هي عليه في حالة الأرز.
في المقابل تلعب الهند دورا مختلفا في سوق الأرز عنها في القمح. حيث يبلغ إجمالي التجارة العالمية للأرز 55 مليون طنًا فقط في سنة 2022-2023، وفقًا لوزارة الزراعة الأميركية. وهو سوق صغير وحساس جدا بالمقارنة بسوق القمح، سواء من الناحية المادية أو من ناحية تقلبات الأسعار.
وتشارك الهند فيها بحصة 22 مليون طن، ما يعادل 40%، وهي حصة كبيرة في سوق أي سلعة فضلا عن الأرز كسلعة غذائية استراتيجية، ذلك أن الدول الرئيسية الأخرى المصدرة للأرز في العام الماضي كانت تايلاند (8.5 ملايين طن) وفيتنام (7.5 ملايين طن) وباكستان (3.6 ملايين طن). ولا يستطيع أحدها، منفردة أو مجتمعة، أن تعوض حصة الهند أو تسد الفجوة التي خلفها قرار الحظر الهندي، وهي تقارب عشرة ملايين طن.
جاء قرار الهند بحظر صادرات الأرز فورا في أعقاب انخفاض المخزونات في المستودعات الحكومية (بما في ذلك القمح) في الأول من يوليو/تموز الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات في ذلك التاريخ. إلى جانب التضخم السنوي لأسعار الحبوب بالتجزئة الذي بلغ 12.7% في يونيو/حزيران.
وأدت المخاوف من تأثير ظاهرة الجفاف على تراجع إنتاج الأرز هذا العام إلى تشديد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة قبل الانتخابات المقررة في إبريل/نيسان ومايو/أيار 2024. وتوقع رئيس جمعية مصدري الأرز الهندي، أن يفوق تأثير الهند في اضطراب سوق الأرز العالمية بسرعة أكبر بكثير مما فعلته أوكرانيا في سوق القمح مع الغزو الروسي.
مستقبل تجارة الأرز
تتصدر الصين دول العالم في استيراد الأرز بنحو 6.2 ملايين طن متري في العام، وتليها الفيليبين بنحو 3.8 ملايين طن، ومن بين الدول العربية تأتي العراق أولاً بنحو 2.1 مليون طن، وتليها السعودية باستيراد يصل إلى 1.3 مليون طن، وفقاً لأرقام وزارة الزراعة الأميركية لعام 2022.
وتوقعت الوزارة الأميركية في تقريرها الذي صدر في منتصف هذا الشهر أن تنخفض تجارة الأرز العالمية هذا العام إلى 52.9 مليون طن (على أساس المضروب)، بانخفاض مليوني طن عن العام السابق والبالغة 55 مليون طن. وذلك رغم توقعها أن يصل الإنتاج العالمي من الأرز في الفترة 2024/2023 إلى مستوى قياسي يبلغ 520.9 مليون طن مسجلا زيادة 8 ملايين طن عن انتاج العام الماضي.
ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج الهند من الأرز في موسم 2024/2023 بمقدار مليوني طن إلى 134.0 مليونًا، وفي اليابان وكوريا الجنوبية بمقدار 0.4% و4.4% بسبب تغير في النمط الغذائي وانخفاض عدد السكان وزيادة معدل الشيخوخة هناك، وفقًا لوزارة الزراعة الأميركية التي تتوقع أيضا أن يزيد استهلاك الهنود من الأرز بمعدل مليوني طن إضافية بعد تراجع الأسعار.
يعد العراق أكبر سوق للأرز الأميركي في المنطقة العربية، رغم أنه الأعلى في الأسعار. ومن المتوقع أن ترتفع صادرات الأرز الأميركية في 2024/2023 بنسبة 25%.
وبالنسبة للحبوب الطويلة، التي من المتوقع أن تصل إلى 2.4 مليون طن، من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتوسيع مبيعاتها إلى أميركا اللاتينية، أكبر سوق للأرز الأميركي طويل الحبة. وكذلك زيادة المبيعات إلى الشرق الأوسط، ثاني أكبر سوق لتصدير الأرز الأميركي طويل الحبة.
توقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أن يرتفع إجمالي إنتاج مصر من الأرز إلى 3.9 ملايين طن في موسم 2024/2023، مقارنة بـ 3.7 مليون طن المقدرة في موسم 2023/2022. وتوقعت أن يتراجع حجم واردات مصر من الأرز في عام 2023 إلى نحو 300 ألف طن من 600 ألف طن المقدرة لعام 2022. وبحسب مؤشر خرائط التجارة، حصلت مصر على 87% من واردات الأرز العام الماضي من الهند وحدها.
من المفارقات أن موريتانيا، هي أكبر دولة عربية تحقق اكتفاء ذاتيا من الأرز بنسبة 90%، رغم أنها دولة شبه صحراوية. أما مصر التي كانت مكتفية ذاتيا وتصدر 25% من الإنتاج، تراجعت نسبة الاكتفاء إلى 85%، وأصبحت تستورد 15% من احتياجاتها.
ومن المفارقات أيضا أن السودان، سلة الغذاء الواعد، يستورد جميع احتياجاته من الأرز تقريبا بالعملة الصعبة، حيث لا توجد زراعة أرز عريقة في البلاد، رغم إمكانية زراعته، ولا تزال محاولات توطين الأرز تنتظر النجاح والتطبيق، وخلال السنوات الماضية تقدم الصين الخبرة لدعم زراعة الأرز هناك.