اخبار العراق الان

سجناء أبو غريب بعد 20 عاماً: ندوب غائرة ولا مساءلة للقوات الأميركية

سجناء أبو غريب بعد 20 عاماً: ندوب غائرة ولا مساءلة للقوات الأميركية
سجناء أبو غريب بعد 20 عاماً: ندوب غائرة ولا مساءلة للقوات الأميركية

2023-09-25 08:00:05 - المصدر: العربي الجديد


تطابقت شهادة العراقي طالب المجلي لـ"العربي الجديد" مع ما حمله تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نشر اليوم الاثنين، بخصوص صنوف التعذيب والقتل التي تعرض لها سجناء عراقيون من أمثاله في سجن أبو غريب سيء الصيت قبل نحو 20 عاماً على أيدي القوات الأميركية المنخرطة أنذاك فيما كانت تسميه "الحرب العالمية على الإرهاب".

وأكد المجلي لـ"العربي الجديد" و"هيومن رايتس ووتش"، أنه كان واحداً من المعتقلين الذين ظهروا في صورة من أبو غريب انتشرت على نطاق واسع تظهر مجموعة من السجناء عراة وفوق رؤوسهم أكياس وهم مكدسون فوق بعضهم البعض في هرم بشري، بينما يبتسم جنديان أميركيان خلفهما.

وما زال هذا المعتقل العراقي السابق يحمل ندوباً في مناطق متفرقة من جسده تكشف التعذيب الذي تعرض له في سجن أبو غريب، على يد المحققين الأميركيين، بينما لا تفارقه ذكريات من زنزانة السجن يصفها بالمؤلمة رغم مرور قرابة العشرين عاما عليها.

وكشف تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي يحمل عنوان "العراق: ضحايا التعذيب ينتظرون من الولايات المتحدة الإنصاف والمساءلة"، أن الحكومة الأميركية تقاعست على ما يبدو عن تقديم تعويضات أو سبل إنصاف أخرى للعراقيين الذين عانوا من التعذيب وغيره من الانتهاكات، رغم مرور عقدين على ظهور أدلة على إساءة القوات الأميركية معاملة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره من السجون التي أدارتها الولايات المتحدة في العراق.

وأوضحت المنظمة أنه بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، احتجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو 100 ألف عراقي بين 2003 و2009، مشيرة إلى أنها وثّقت ومنظمات أخرى التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة على يد القوات الأميركية في العراق.

وأضافت أن ضحايا الانتهاكات قدموا لسنوات شهاداتهم حول المعاملة التي تعرضوا لها، لكنهم لم يتلقوا سوى اعترافا ضئيلا من الحكومة الأميركية، ولم يحصلوا على أي تعويض، معتبرة أن الحظر المفروض على التعذيب بموجب القانون المحلي الأميركي، و"اتفاقيات جنيف 1949"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، والقانون الدولي العرفي، هو حظر مطلق.

الآثار الطويلة الأمد للتعذيب ما تزال واقعا يوميا للعديد من العراقيين وعائلاتهم

وتعليقاً على ذلك، قالت مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن سارة ياغر: "بعد مرور 20 عاماً، لا يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب على يد عناصر حكوميين أميركيين بدون سبيل واضح لرفع دعوى أو الحصول على أي نوع من الإنصاف أو الاعتراف من الحكومة الأميركية. أشار المسؤولون الأميركيون إلى أنهم يفضلون وضع التعذيب خلفهم، لكن الآثار الطويلة الأمد للتعذيب ما تزال واقعا يوميا للعديد من العراقيين وعائلاتهم".

السجين رقم 152516

المجلي الذي يسكن اليوم ضواحي بغداد، استقبل فريق "العربي الجديد"، بمنزله في حي الدورة وأكد أنه يحمل أيضاً وثائق وأدلة تؤكد فظاعة ما تعرض له مع باقي المعتقلين العراقيين داخل السجن الأميركي سيء الصيت، والذي قررت بغداد أخيراً تحويله إلى سجن خاص لمن حوكموا بالاتجار في المخدرات والمواد الممنوعة وترويجها.

يروي المجلي كيفية اعتقاله من قبل الجيش الأميركي في مدينة الرمادي العاصمة المحلية لمحافظة الأنبار غربي العراق، حيث ذهب يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2003 إلى بيت عمه قادماً من بغداد، طلباً لمساعدته في إقناع زوجته التي كان على خلاف معها وغادرت إلى بيت أهلها بالعودة معه.

يقول المجلي إن القوات الأميركية طوقت المنطقة في تلك الليلة وبدأت بعمليات الاعتقال العشوائية في المنطقة وتم اعتقاله رغم محاولته إبلاغهم أنه ضيف قادم من بغداد وهذا بيت عمه، وتم بعدها اقتياده إلى معسكر أميركي بعد وضع كيس في رأسه وأبقوه 5 أيام في هذا المعسكر بعد نقله إلى مكان آخر ثم نقلوه إلى أبو غريب.

في سجن أبو غريب أُخضع المجلي للتحقيق على يد محققين أميركيين، قبل أن يتم نقله إلى القسم (B6) الذي شهد أفظع أنواع التعذيب ومنه خرجت صور فضيحة أبو غريب.

"التعذيب بالصوت العالي، والكلاب البوليسية، والضرب والإيهام بالإغراق بالماء"، ليست أسوأ ما واجهه طالب المجلي، في السجن، حيث كان أحد أولئك الذين تم تعريتهم ووضعهم على شكل هرمي داخل السجن، ثم العبث بأعضائهم التناسلية بالعصي الخشبية، وتكيسهم عرايا بأوضاع جنسية بطريقة معاكسة بين معتقل وآخر.

يعتبر المجلي أن ما تعرض له هو وباقي العراقيين من تعذيب داخل السجن، لا يمكن نسيانه ولا تجاوزه معتبرا أن تعويضه عما فُعل به داخل السجن من قبل القوات الأميركية هو أقل شيء

يتحدث المجلي عن نزيل آخر معه قتل خلال وجوده بالسجن، بينما قتل آخرون على يد الأميركيين بإطلاق النار خلال محاولتهم الفرار من السجن الذي فقدوا فيه القدرة على التحمل جراء التعذيب والإهانة التي تلقوها على يد الجنود الأميركيين.

كان يحمل المجلي الرقم 152516، خلال وجوده في سجن أبو غريب الذي استمر عاماً وأربعة أشهر قبل نقله إلى سجن آخر في بغداد ومن ثم إطلاق سراحه.

التعويض أقل شيء

ولم تنل فترة الاعتقال من جسد المجلي وصحته العقلية فقط، بل يؤكد أنه خرج من السجن ووجد زوجته التي كان أساسا قد ذهب من أجل إقناعها بالعودة ليلة اعتقاله، قد تطلقت منه. ويعاني أولاده من مشاكل منذ صغرهم بسبب تعرضهم للتنمر من قبل الأطفال الآخرين، حينما يعرفون أن والدهم هو نفسه طالب المجلي الذي تم تعريته في السجن.

يعتبر المجلي أن ما تعرض له هو وباقي العراقيين من تعذيب داخل السجن، لا يمكن نسيانه ولا تجاوزه معتبرا أن تعويضه عما فُعل به داخل السجن من قبل القوات الأميركية هو أقل شيء يجب أن تفعله واشنطن له ولباقي معتقلي أبو غريب.

بدورها، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها قابلت طالب المجلي، بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص على علم باحتجازه وقضيته بعد إطلاق سراحه، ورغبوا في عدم الكشف عن هويتهم بين إبريل/نيسان ويوليو/تموز 2023.

وجاء في تقرير "هيومن رايتس ووتش" أنه أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق من 2003 إلى 2011، احتجزت السلطات آلاف الرجال، والنساء، والأطفال في سجن أبو غريب، مضيفاً أنه ورد في تقرير أصدرته "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" في فبراير/شباط 2004 موجه إلى التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة، أن عناصر من المخابرات العسكرية أخبروا اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 70 إلى 90% من المحتجزين لدى قوات التحالف في العراق في العام 2003 اعتُقلوا عن طريق الخطأ.

كدمات ناتئة أرجوانية

وقال المجلي إنه بعد 16 شهراً في أبو غريب، أطلِق سراحه دون تهمة. رغم نيل حريته، قال إنه وجد نفسه مريضا جسديا، ومفلسا، ومصدوما. قال إنه أثناء احتجازه، بدأ يعض يديه ومعصميه للتغلب على الصدمة التي كان يعاني منها والتي استمرت منذئذ. كانت الكدمات الناتئة الأرجوانية على يديه ومعصميه مرئية بوضوح.

وأضاف المجلي لـ"هيومن رايتس ووتش": "أصبحتْ حالة نفسية. فعلت ذلك في السجن، وبعد أن غادرت السجن، وما زلت أفعل ذلك اليوم. أحاول أن أنسى الأمر، ولكن لا أستطيع. حتى اليوم، لا يمكنني ارتداء قميص بأكمام قصيرة. عندما يراها الناس، أقول لهم إنها حروق. أتجنب الأسئلة".

بالإضافة إلى الآلام التي تعرض لها، يتألم المجلي من التأثير السلبي الذي خلّفه ذلك على أطفاله: "غيرت هذه السنة والأربعة أشهر كياني كاملا إلى الأسوأ. دمرتني ودمرت عائلتي. سبّبت مشاكل صحية لابني وأدت إلى ترك بناتي الدراسة. سرقوا منا مستقبلنا".

على مدى عقدين، يوضح التقرير، سعى المجلي إلى الحصول على الإنصاف، بما فيه التعويض والاعتذار، عن الانتهاكات التي تعرض لها. بسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف محام أو الوصول إلى السفارة الأميركية في بغداد، سعى المجلي إلى الحصول على المساعدة من نقابة المحامين العراقيين، التي رفضت، قائلة إنها لا تتعامل مع مثل قضيته. ثم ذهب المجلي إلى المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان، لكن كل ما استطاعت فعله هو إصدار رسالة تؤكد وجوده في سجلاتها كمعتقل سابق في أبو غريب. قال إنه لا يعرف كيفية الاتصال بالجيش الأميركي وتقديم المطالبة.

وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنها كتبت إلى وزارة الدفاع الأميركية في 6 يونيو/حزيران 2023، توضح فيها قضية المجلي، وتقدم نتائج البحث، وتطلب معلومات عن تعويض ضحايا التعذيب في العراق، مؤكدة أنه رغم طلبات المتابعة المتكررة، لم تتلق أي رد.

قال المجلي: "لم أكن أعرف ماذا يمكنني أن أفعل أو إلى أين أذهب". وحول ذلك قالت ياغر: "على وزير الدفاع والنائب العام الأميركيين التحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من أشكال الانتهاكات بحق الأشخاص الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في الخارج أثناء عمليات مكافحة التمرد المرتبطة بـ ̕الحرب العالمية على الإرهاب̔ التي تشنها. على السلطات الأميركية بدء الملاحقات القضائية المناسبة ضد أي شخص متورط، مهما كانت رتبته أو منصبه. على الولايات المتحدة تقديم التعويضات والاعتراف والاعتذارات الرسمية إلى الناجين من الانتهاكات وعائلاتهم".

وضع أميركي خاص داخل الجنائية الدولية

وبخصوص إمكانية فتح تحقيقات دولية بشأن الانتهاكات الأميركية في سجن أبو غريب، قالت الباحثة في المعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن، سارة رضائي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "القانون الدولي يلعب دوراً مهماً في تحقيق العدالة للضحايا. لقد تحقق ذلك من خلال آليات ومؤسسات عدة، وإحداها من خلال المحكمة الجنائية الدولية التي هي محكمة دولية تختص بالقضايا الجنائية المرفوعة ضد الأفراد، بمن فيهم المسؤولين الحكوميين والمنتمين للجيش المتورطين في جرائم دولية، بما فيها جرائم حرب كالتعذيب، والإبادة، والجرائم ضد الإنسانية."

وأوضحت أن نطاق تدخل المحكمة الجنائية الدولية وعملها يستند على عدة عوامل، مشيرة إلى أنه "بإمكان المحكمة إعمال نفوذها بخصوص الجرائم المرتكبة داخل حدود الدول الموقعة على معاهدة روما، الاتفاقية التي أنشأت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية".

وأضافت "لسوء الحظ، العراق ليس من البلدان الأعضاء فيها. ففي العام 2005، سحبت الحكومة العراقية الانتقالية طلب انضمامها إلى معاهدة روما، ما يحد من صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية في هذا البلد".

من جهة أخرى، أشارت إلى أنه "رغم أنه في إمكان الولايات المتحدة الأميركية إحالة قضايا على المحكمة بحكم مقعدها داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فهي ليست بلد عضو داخل المحكمة الجنائية الدولية، ولم تبدي رغبتها في أن تصبح كذلك في المستقبل القريب".

وأردفت رضائي "على مستويات عدة، ظلت الولايات المتحدة على اختلاف مع المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما ما يخص الشؤون التي تصنفها في خانة المصالح القومية. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة الأميركية في العام 2020 عقوبات ضد أعضاء بارزين في المحكمة بسبب تحقيقات تتعلق بأنشطة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في أفغانستان وفلسطين، رغم أنه جرى التراجع في وقت لاحق عن تلك العقوبات من قبل إدارة بايدن".

وبخصوص إمكانية مساءلة الولايات المتحدة الأميركية عن جرائم دولية، مثل تلك التي جرت في أبو غريب، أوضحت الباحثة أن ذلك "مازال مصدر خلاف ولم يتم التوصل لحل له".

وأوضحت أنه "رغم الإقرار بالمشاركة في الاعتقال السري من قبل الرئيس السابق، جورج بوش، ووزير الدفاع السابق، دونالد رامسفيلد، لم تجري محاسبة أي مسؤول أميركي بارز على ما قامت به بلادهم في العراق. كان يتعين أن يتم فتح تحقيقات دولية في تلك الأفعال بموجب القانون الدولي. على النقيض من ذلك، وبشكل مؤسف، أدى غياب أي رغبة سياسية واضحة في إنجاز تحقيقيات شاملة وذات مصداقية إلى ترك هذه المسألة دون حل".

سجناء أبو غريب بعد 20 عاماً: ندوب غائرة ولا مساءلة للقوات الأميركية