اخبار العراق الان

مآسي حرائق العراق: مشهد متكرر مع استمرار مخالفة شروط سلامة البناء

مآسي حرائق العراق: مشهد متكرر مع استمرار مخالفة شروط سلامة البناء
مآسي حرائق العراق: مشهد متكرر مع استمرار مخالفة شروط سلامة البناء

2023-09-27 14:00:10 - المصدر: العربي الجديد


أعاد حريق قاعة الأعراس في الحمدانية بمحافظة نينوى العراقية الذي خلَّف مئات القتلى والمصابين، ليلة أمس الثلاثاء، مشهد الحرائق المتكرّرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، من بينها حريق "مستشفى ابن الخطيب" في بغداد و"مستشفى الحسين" في الناصرية بمحافظة ذي قار، بالإضافة إلى الحرائق التي اندلعت في مبانٍ ودوائر حكومية وغير حكومية شُيّدت بمواد بناء مخالفة لشروط السلامة، علماً أنّها خلّفت مئات القتلى والجرحى.

وعلى الرغم من تمكّن العراق من تشخيص أسباب تلك الحرائق بمعظمها، أي البناء بألواح سريعة الاشتعال وعدم استقرار التيار الكهربائي وعدم الالتزام بشروط وقواعد السلامة في المباني، فإنّ مثل تلك الحوادث ما زالت تتكرّر. فالجهات المسؤولة لم تتّخذ أيّ إجراءات لمنع البناء المخالف للشروط الذي يمثّل تهديداً مستمراً باندلاع الحرائق.

وأفاد مدير إعلام الدفاع المدني العراقي العميد جودت عبد الرحمن، في مؤتمر صحافي عقده صباح اليوم الأربعاء، بأنّ "حريق قاعة الأعراس في الحمدانية بمحافظة نينوى حصل نتيجة الإهمال والمخالفة للقاعة المبنيّة من ألواح سندويتش بانل وجبسوم بورد"، لافتاً إلى أنّ "الألعاب النارية كانت سبباً في انهيار جزئي للقاعة المخالفة المشيّدة بمواد مخالفة لشروط السلامة".

مبانٍ مخالفة للشروط وعدم تعزيز قدرات الدفاع المدني

وكشفت مديرية الدفاع المدني العراقية عن تسجيل أكثر من 19 ألف حريق منذ بداية عام 2023 الجاري في عموم محافظات البلاد، في حصيلة تؤكّد استمرار تفاقم أزمة الحرائق في البلاد.

ويحمّل مسؤول في مديرية الدفاع المدني الحكومة العراقية مسؤولية تلك الحرائق، إذ إنّها "لم تتّخذ أيّ إجراءات حقيقية لمحاسبة مخالفي شروط السلامة". ويقول لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، إنّ "وضع المباني المخالفة للشروط خطر جداً"، مؤكداً أنّ "آلاف المباني الحكومية وغير الحكومية مشيّدة بألواح سندويتش بانل". ويعبّر عن خشيته إذ إنّ "هذه المباني، خصوصاً الحكومية منها، تغصّ بمئات الأشخاص يومياً، وسط غياب شروط السلامة".

يضيف المسؤول نفسه أنّ "التيار الكهربائي غير مستقرّ في عموم البلاد ويتسبّب في وقوع حرائق"، مبيّناً أنّ "بموازاة ذلك تأتي إمكانات مديرية الدفاع المدني ضعيفة جداً ولا تلبّي ما يتطلبه حجم تلك المخاطر، لجهة عديد المنتسبين إليها وأعداد الآليات وجودتها، الأمر الذي يزيد من حجم الخطر". ويبيّن أنّ "مديرية الدفاع المدني قدّمت تقارير عدّة للحكومة، وطالبت بوضع حلول ومعالجات لأسباب الحرائق، ودعم مديرية الدفاع المدني وتطوير قدراتها".

ويأسف المسؤول في الدفاع المدني لـ"عدم تسجيل أيّ استجابة من قبل الحكومة، ولإهمال الملفّ"، مؤكداً "لم نجد إلا الوعود غير القابلة للتنفيذ". ويحذّر من أنّ "استمرار إهمال الملف يعني استمرار مسلسل الحرائق والمآسي، وهذا أمر خطر جداً".

الفساد أخطر أسباب الحرائق في البلاد

في سياق متصل، يقول الناشط المدني علي الجنابي لـ"العربي الجديد" إنّ "الفساد هو أبرز أسباب استمرار مسلسل الحرائق في البلاد"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة والجهات المسؤولة لم تحاسب المسؤولين عن الحرائق التي وقعت في السنوات الأخيرة في عدد من المؤسسات والمباني الحكومية، على الرغم من أنّ لجان التحقيق التي تابعت الملفات كشفت إهمالاً كبيراً في تنفيذ شروط السلامة".

ويرى الجنابي أنّ "عدم محاسبة المقصّرين قضائياً تسبّب في استمرار التقصير والإهمال في معظم المباني التي لا تتوفّر فيها شروط السلامة، الأمر الذي أدّى إلى تكرّر الحرائق". ويشدّد على ضرورة أن "تتحمّل الحكومة مسؤوليتها إزاء الملف وتحاسب المقصّرين والفاسدين، وألا تمضي في الاستهانة بحياة المواطنين".

وكانت مديرية الدفاع المدني قد أفادت، في مطلع عام 2023، بأنّ عدد الوفيات من جرّاء الحوادث التي شهدتها البلاد في خلال ثلاث سنوات بلغ 855 شخصاً، محذّرة من أنّ العام الجاري سوف يشهد مزيداً من الحرائق، وسوف تكون أبرزها في الأبنية الآيلة إلى الانهيار، وسوف تزداد الخسائر إذ لم تُعالَج المشكلة.

وبالفعل، طاولت تلك الحرائق مباني حكومية وأسواقاً ومراكز تجارية وغيرها. ويُعَدّ حريقا "مستشفى ابن الخطيب"في بغداد و"مستشفى الحسين" في ذي قار، اللذان وقعا في العام 2021، من أخطر تلك الحرائق وأضخمها، وقد خلّفا مئات القتلى والجرحى بين المرضى والكوادر الطبية والمراجعين.

"كتلة نار ضخمة"

رياض صباح، قريب ستّة ضحايا قضوا في قاعة العرس، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة أسراً كاملة قضت في الحريق ولم يخرج منها أحد"، مشيراً إلى أنّ "أطفالاً من أسرة العروسين لقوا مصرعهم". يضيف أنّ "العروس توفيت فيما العريس مصاب وهو في حالة حرجة جداً".

من جهته، يقول الناشط المدني ريان داوود، من بلدة قره قوش في الحمدانية حيث وقعت المأساة، لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد الضحايا الدقيق ما زال مجهولاً، وثمّة جثثاً لا يمكن التعرّف على هوية أصحابها من دون فحص الحمض النووي". ويلفت إلى أنّ القاعة كانت قد تحوّلت إلى "كتلة نار ضخمة بسبب سقفها القابل للاشتعال".

تجدر الإشارة إلى أنّ مديرية الدفاع المدني سبق أن أقرّت بصعوبة التحديات التي تواجهها فرقها، نتيجة الحوادث اليومية المختلفة التي تُسجَّل في البلاد، مبيّنة أنّ ثمّة ضعفاً عاماً في المؤسسة. وقد حذّرت من أنّ إهمال المؤسسة يزيد من حجم مخاطر الحوادث اليومية.