إيان مكاري لـ"العربي الجديد": طبيعة التحديات لمواجهة "داعش" تغيرت
يتحدث نائب المبعوث الخاص لـ"التحالف الدولي لهزيمة داعش"، الدبلوماسي الأميركي إيان مكاري، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن مستوى الخطر الذي ما زال يشكله تنظيم "داعش"، وموارده المالية، بالإضافة إلى الأوضاع في المخيمات التي تضم عائلات مقاتلي التنظيم، كمخيم الهول في سورية، وخروقات حقوق الإنسان، ومحاولات إعادة توطين عائلات مقاتلي "داعش" السابقين.
* على الرغم من هزيمة "داعش" قبل سنوات وخسارته المناطق التي كان يسيطر عليها، إلا أن هجماته زادت في الآونة الأخيرة في عدد من المناطق في سورية. ما هو مستوى الخطر الفعلي الذي يشكله التنظيم والتحديات في القضاء على نفوذه؟
كما ذكرت، فإن تنظيم "داعش" مُني خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة بخسارة كبيرة، حيث كان يسيطر على مناطق واسعة بين الموصل (في العراق) والرقة (في سورية)، وامتد بعضها نحو بغداد (العراق) وتدمر ودمشق (السوريتان)، ولكن انتهى كل ذلك. لم يعد التنظيم يسيطر على أي أراض. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه تم القضاء بشكل كامل على الخطر.
لا تزال هناك بعض العناصر المعزولة، التي تختبئ، سواء كان تحت الصخور أو في الكهوف أو في صحراء البادية أو في أماكن أخرى. صحيح أننا رأيناهم ينفذون بعض الهجمات، إلا أننا نواصل العمل بشكل وثيق مع شركائنا على الأرض، للتأكد من أن لديهم الأدوات والموارد التي يحتاجونها لإنهاء المهمة، والقضاء على عناصر داعش من تلك المنطقة.
* ما هي التحديات التي تواجهكم للقضاء على التنظيم، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنكم خصصتم موارد هائلة من القوة العسكرية والمالية لتنفيذ هذه المهمة، من دون أن تتمكنوا من القضاء عليه بشكل كامل، على الرغم من هزيمته وعدم سيطرته على تلك الأراضي. ما هي طبيعة التحديات الآن؟
طبيعة التحديات تطورت وتغيرت مع الوقت ومعها تتطور ردودنا أيضاً. في المقام الأول كانت هذه عملية عسكرية لتحرير تلك المناطق التي احتلها تنظيم "داعش". والآن في شمال شرقي سورية وفي العراق، يتمثل التحدي بشكل رئيسي في تحقيق الاستقرار في تلك المنطقة.
ونعمل بشكل وثيق جداً مع الشركاء الدوليين، لتنفيذ عدد من البرامج في شمال شرقي سورية والعراق، تُحسّن الظروف المعيشية للسكان. كما نعمل، على قدم وساق في مخيمات النازحين، على وجه الخصوص مخيم الهول.
وهو مخيم كبير جداً للنازحين، وللأسف فإن الظروف فيه دون المستوى المطلوب، سواء الظروف الأمنية أو الخدمات الإنسانية المتوفرة هناك. وهناك جهود دولية متضافرة جارية لمعالجة هذا الوضع وتحسين الظروف المعيشية في تلك المخيمات للسكان.
هناك برامج لمساعدة النازحين على التخلص من التطرف
والأهم من ذلك، إخراج أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأشخاص من تلك المخيمات وإعادتهم إلى بلدانهم ومجتمعاتهم الأصلية. ونعمل بشكل وثيق مع الحكومة العراقية في هذا الصدد. وتعيد الحكومة العراقية مئات العائلات كل شهر وتعمل على إعادة توطينهم في مجتمعاتهم الأصلية. مع الحرص أثناء ذلك على ألا يقوم هؤلاء بنشر التطرف (في المجتمعات التي يعودون إليها) من جديد.
ولذلك هناك عملية تدقيق، وبرامج لمساعدتهم على التخلص من التطرف الذي أصيبوا به جراء هذه الأيديولوجيا. وأعتقد أنه تم تحقيق قدر كبير من التقدم. في الواقع، في عام 2022 أعيد توطين عدد أكبر من الأشخاص من مخيم الهول مقارنة بالعامين اللذين سبقاه. وأعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح لتجاوز هذا الرقم هذا العام.
* ما زال هناك عشرات الآلاف في تلك المخيمات، كما أن هناك تقارير واتهامات بخروقات لحقوق الإنسان، ما ردكم؟
المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان حقيقية، وفي أي وقت يسترعي انتباهنا ادعاء محدداً يتعلق بحقوق الإنسان، فإننا نطرح ذلك وبشكل فوري مع شركائنا على الأرض. كما نقوم بالتنسيق وتطوير مقاربات دولية لمتابعة تلك الادعاءات، والتأكد من التعامل معها بسرعة وبشكل صحيح. إنها عملية مستمرة، وهناك العديد من التحديات. إنه ليس بالوضع السهل لشركائنا على الأرض. لكن نعم، هذا شيء نركز عليه أيضاً.
* هل هناك وقت أو خريطة زمنية محددة تعملون بموجبها لكي تغلق هذه المخيمات؟
من الواضح أننا نود أن نرى المخيمات مغلقة وأن يعود الناس إلى بيوتهم. ستكون هذه عملية تمتد على فترة زمنية، لا أستطيع أن أعطي جدولاً زمنياً محدداً لذلك.
ومن المؤكد أن هذا لن يحدث خلال الأشهر أو السنة المقبلة، بل سيستغرق الأمر وقتاً. هناك عدد من الأشخاص في المخيمات الذين يمكنهم المغادرة قريباً (مقارنة بغيرهم). هناك عدد من الحكومات في جميع أنحاء العالم على استعداد لعودتهم إلى أوطانهم.
وقد قمنا بالفعل بتنفيذ عدد من تلك العمليات، وقد أعدنا مجموعة من الأشخاص الذين كانوا عالقين في مخيم الهول إلى بلدانهم الأصلية، في آسيا الوسطى، وأوروبا في بعض الحالات، وفي بعض البلدان العربية. ونحن نعمل باستمرار على حل هذه المشكلة.
* في ما يخص التمويل، على الرغم من تجفيف الكثير من المصادر المالية للتنظيم لكنه ما زال قادراً على التحكم بعشرات الملايين من الدولارات. كيف يمكن هذا؟ وما هي مصادره المالية؟
لسوء الحظ استولى تنظيم "داعش" على كميات هائلة من الأموال النقدية، ومصادر أخرى للثروة خلال تلك الفترة المروعة التي سيطر فيها على مناطق واسعة. وأعتقد أن بعضاً منها لا يزال متبقياً. كما هناك بعض الحالات من المتعاطفين حول العالم الذين يستمرون بإرسال أو محاولة إرسال الأموال.
وهناك نقاش مستمر بين خبراء النظام المصرفي وخبراء المالية لتحديد وإغلاق تلك القنوات أينما وجدت. ولسوء الحظ أيضاً، تستمر فلول "داعش" في جمع الأموال من خلال وسائل إجرامية، كالاختطاف للحصول على فدية، كما الاتجار بالمخدرات وبالبشر، والسرقة، إذاً لديهم وسائل مختلفة. ولكن لدينا لجنة، ضمن "التحالف الدولي لهزيمة داعش"، تركز بشكل كامل على مكافحة التمويل والحيلولة دون ظهور موارد تمويل (جديدة) للتنظيم.
من المؤكد أن إقفال المخيمات لن يحدث خلال الأشهر أو السنة المقبلة
* قضية الأسلحة وانتشارها خصوصاً ما يتعلق بأفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية وعودة "طالبان" للحكم. الكثير من الأسلحة تُركت في أفغانستان وبعضها وصل إلى أيدي تنظيم "داعش" هناك، وربما إلى مناطق مجاورة. هل تشعرون بالقلق جراء ذلك؟
نراقب عن كثب ما يحدث داخل أفغانستان. وواحد من الأمور التي تحدث للأسف في هذا البلد هو سلسلة الهجمات المستمرة التي تقوم بها المجموعة التي تطلق على نفسها اسم "داعش - ولاية خراسان". وأعرف أن واحدة من التكتيكات الرئيسية التي تستخدمها هذه المجموعة هي مهاجمة المدارس، والمستشفيات، والمدنيين.
وأعرف ذلك جيداً، لأنه حدث عدة مرات عندما كنت أعمل في أفغانستان. إنهم متخصصون حقاً في ارتكاب الفظائع ضد المدنيين الأبرياء، وهذا أمرٌ يجده المجتمع الدولي برمته مقززاً. لقد رأينا أمثلة على سعي تنظيم "داعش - ولاية خراسان"، كما يحلو لهم أن يطلقوا على أنفسهم، إلى شن هجمات خارج حدود أفغانستان.
وبالتالي، ومن خلال قنوات التحالف، قمنا بإشراك بعض الدول المجاورة لأفغانستان في آسيا الوسطى لمساعدتهم على بناء أنظمتهم الأمنية الحدودية للمساعدة في ضمان عدم امتداد "داعش - ولاية خراسان" إلى داخل حدودهم ونشر عدم الاستقرار هناك.
إيان مكاري في سطور:
يتولى الدبلوماسي الأميركي إيان مكاري منصب نائب المبعوث الخاص لـ"التحالف الدولي لهزيمة داعش" منذ سبتمبر/ أيلول 2022.
تولى منصب القائم بالأعمال لبعثة الولايات المتحدة إلى أفغانستان، المعروفة أيضاً باسم وحدة شؤون أفغانستان (AAU) العاملة من الدوحة ـ قطر، بين أغسطس/ آب 2021 وأغسطس 2022. كما تقلد منصب نائب رئيس بعثة السفارة الأميركية (DCM) في أفغانستان من أغسطس 2020 إلى أغسطس 2021. شغل عدداً من المناصب الدبلوماسية الإضافية، من بينها منصب مسؤول سياسي في إسلام آباد والدوحة وتونس وبغداد والرباط والقاهرة وجاكرتا والرياض وواشنطن.