استقرار مفقود في ريف دير الزور الشرقي
لم يحظ ريف دير الزور الشرقي، الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منذ أوائل العام 2019، باستقرار، إذ لطالما شهد اضطرابات أمنية، أوسعها، التي بدأت أوائل الشهر الماضي، حيث كادت هذه القوات أن تفقد السيطرة أمام مسلحين من العشائر العربية يتهمون "قسد" بتهميش العرب وإقصائهم عن مفاصل القرار.
وتواصلت الاشتباكات بين مسلحي العشائر وعناصر "قسد" في ريف دير الزور الشرقي، وفق مصادر محلية وشبكات إخبارية محلية، منها "نهر ميديا" التي أشارت أمس الاثنين إلى أن مسلحي العشائر هاجموا محطة المياه التي تتخذها "قسد" كنقطة عسكرية في بلدة الحوايج شرقي دير الزور. وكانوا هاجموا، مساء أمس الأول الأحد، بقذيفة "أر بي جي" حاجزاً لـ"قسد" في بلدة الدحلة، ونقاطاً أخرى، منها حاجز الوحدة الإرشادية في مدينة الشحيل، وحواجز في بلدتي الطيانة والجرذي بريف دير الزور الشرقي وقرية الجاسمي.
عبد الناصر العايد: سوء الإدارة من قبل قسد سبب لفقدان الاستقرار في ريف دير الزور الشرقي
ويسود الاضطراب بلدات ريف دير الزور الشرقي منذ بداية سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية إقالة قائد "مجلس دير الزور العسكري" التابع إلى "قسد" أحمد الخبيل (أبو خولة) ووضعه تحت الإقامة الجبرية، بتهم تتعلق بالفساد وسوء الإدارة و"التنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة"، في إشارة إلى النظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على ريف دير الزور جنوب نهر الفرات.
الهفل يواصل توعده بمهاجمة "قسد"
واعتبرت القبائل العربية في دير الزور هذه الخطوة محاولة جديدة لتهميش دورها، وهو ما دفعها لبدء حراك عسكري مناهض لـ"قسد"، يقوده شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل، الذي ما يزال يتوعد بشن هجمات على "قوات سوريا الديمقراطية" حتى "إعادة الحقوق للمكون العربي" في هذا الريف الخالي من أي وجود سكاني غير عربي.
وكانت "قسد" استعادت السيطرة على بلدات وقرى هذا الريف الشهر الماضي، بدعم وإسناد من التحالف الدولي، بقيادة أميركا. ودعت، في بيان، إلى حوار بينها وبين وجهاء وفعاليات الريف، إلا أنه لم يعقد بعد بسبب رفض الهفل له. ويطالب الهفل بتشكيل مجلس عسكري لريف دير الزور، "من أعيان عشائر دير الزور الثقات والعسكر ذوي الخبرات من أبناء العشائر العربية"، وأن يكون مرتبطاً بشكل مباشر مع التحالف الدولي.
وتشكل "الوحدات" الكردية الثقل الرئيسي لـ"قسد"، المتهمة بتهميش وإقصاء العرب عن مفاصل القرار الإداري والأمني والعسكري، وهو ما يولد استياء شعبياً عارماً، وخاصة في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، يؤدي إلى اضطرابات بين وقت وآخر. في المقابل، تتهم "قسد" وأذرعها السياسية والإدارية النظام والإيرانيين والأتراك بالوقوف وراء الاضطرابات في ريف دير الزور لتقويض هذه القوات في شمال شرقي سورية.
"مسد": النظام وإيران وتركيا ساهموا بـ"الفتنة"
وفي هذا الصدد، قالت أمينة عمر، الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، في تصريح لـ"وكالة صدى الواقع السوري" المحلية، الجمعة الماضي، إن حكومة النظام كانت أحد الأطراف التي ساهمت في خلق "فتنة دير الزور"، بالتنسيق مع إيران وتركيا، للسيطرة على مناطق شرق الفرات.
فواز المرسومي: النظام والإيرانيون يعملون على إثارة الاضطرابات في ريف دير الزور الخاضع لقسد
وتشهد المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" استقراراً نسبياً في محافظتي الرقة والحسكة وريف حلب الشمالي الشرقي. في المقابل، لطالما شهد ريف دير الزور شمال نهر الفرات اضطرابات واسعة منذ إحكام هذه القوات السيطرة عليه أوائل العام 2019 من خلال السيطرة على آخر معقل لتنظيم "داعش" في سورية، وهو بلدة الباغوز.
الفساد يؤدي دوراً في الاستياء الشعبي
ووفق مصادر محلية متقاطعة أكدت، لـ"العربي الجديد"، فإن الفساد المستشري في مفاصل "الإدارة الذاتية" في هذا الريف يلعب دوراً فاعلاً في إثارة الاستياء الشعبي لدى السكان الذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة، رغم أن هذا الريف يضم حقول النفط الكبرى، وأبرزها حقل العمر.
واعتبر المحلل السياسي عبد الناصر العايد أن "سوء الإدارة من قبل قسد والسياسات غير السليمة سبب لفقدان الاستقرار" في ريف دير الزور الشرقي. وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "تدخلات القوى المنخرطة في الصراع السوري تلعب هي الأخرى دوراً في استمرار الاضطرابات في ريف دير الزور"، مضيفاً: هناك تناقض قومي مطلق بين سكان المنطقة، وكلهم من العرب، مع سلطة الأمر الواقع الكردية.
وفي السياق، بيّن الناشط الإعلامي فواز المرسومي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام والإيرانيين يعملون على إثارة الاضطرابات في ريف دير الزور الخاضع لقسد". وأكد "عبور عدد من العناصر التابعة للنظام والحرس الثوري الإيراني إلى الضفة الشمالية من نهر الفرات للمشاركة في القتال ضد قسد". وتابع: النظام يدفع باتجاه التصعيد، من خلال دس عناصر تابعة له تستخدم المعابر النهرية ليلاً للوصول إلى الريف التابع لقسد، ومهاجمة نقاط عسكرية لها.
ولطالما عمل النظام على إثارة الاضطرابات في ريف دير الزور لتسهيل مهمته في استعادة السيطرة عليه، إلا أن جهوده باءت بالفشل بسبب الرفض الشعبي الواسع لأي عودة له، فضلاً عن الوجود الأميركي في هذا الريف، حيث يتخذ التحالف الدولي من حقل العمر قاعدة له شرقي نهر الفرات الذي يشطر محافظة دير الزور من الوسط.
وتسيطر "قسد" على جل ريف دير الزور الواقع شمال نهر الفرات، باستثناء عدة قرى، هي الحسينية، والصالحية، وحطلة، ومراط، ومظلوم، وخشام وطابية، تتخذ منها المليشيات الإيرانية منصات لمهاجمة قاعدة حقل العمر بالصواريخ بين وقت وآخر. وأقامت هذه المليشيات، مطلع العام الماضي، جسراً عائماً على نهر الفرات يصل مدينة دير الزور بقرية حطلة لتسهيل عملية عبور المسلحين إلى شمال نهر الفرات.
ويسيطر النظام والمليشيات الإيرانية على الجانب الجنوبي من محافظة دير الزور، الذي يضم دير الزور (مركز المحافظة)، والميادين، والبوكمال على الحدود السورية العراقية. بينما يضم ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قسد"، عدة بلدات، أبرزها الباغوز، والسوسة، وهجين، والشعثة، والجرذي، والسويدان، والطيّانة، والشحيل، والبصيرة، والهرموشية، وجزرة بو حميّد، والكشكية، وأبو حمام والغرانيج.