اخبار العراق الان

الحرب تهدّد اقتصاد لبنان: مخاوف على السياحة والمساعدات

الحرب تهدّد اقتصاد لبنان: مخاوف على السياحة والمساعدات
الحرب تهدّد اقتصاد لبنان: مخاوف على السياحة والمساعدات

2023-10-13 07:30:08 - المصدر: العربي الجديد


تشهد الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة توترات أمنية وجولات من القصف المتبادل، خصوصاً على جبهتي "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد يترافق مع مخاوف جدية من انزلاق لبنان نحو معركة شاملة، شبيهة بحرب يوليو/تموز 2006، ما يفتح الباب أيضاً أمام السؤال عن التداعيات الاقتصادية على بلدٍ يعاني من أخطر انهيار نقدي ومالي في تاريخه.
ومنذ يوم السبت الماضي، وبالتزامن مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، اتجهت الأنظار إلى جنوب لبنان والبلدات الحدودية، حيث كان متوقعاً أن تحصل مواجهات بين "حزب الله" والعدو الإسرائيلي، وأن تكون السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات، ضمنها الحرب، الأمر الذي دفع بكثير من السكان إلى ترك منازلهم في القرى الجنوبية، والنزوح إلى العاصمة بيروت، خصوصاً العائلات منهم، في حين أقفلت غالبية المحال التجارية والمؤسسات الخاصة والتربوية أبوابها، تخوفاً من التطورات الأمنية.
وأعرب صندوق النقد الدولي عن بالغ قلقه إزاء الأزمة العميقة متعدّدة الأبعاد التي تواجه لبنان منذ أكثر من 3 سنوات، وأدت إلى انهيار حاد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، متوقعاً ارتفاع الدين العام اللبناني إلى 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 إذا استمرّ الوضع القائم.

في السياق، يقول خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد، محمد فحيلي، لـ"العربي الجديد"، إنه بشكل عام، أي اضطرابات أمنية سيكون لها انعكاسات سلبية، خصوصاً على البلدان التي لا تنتج أدوات ومعدات للحرب يمكن أن تستفيد منها، مشيراً إلى أن الاقتصاد لا يهمه من أطلق شرارة الحرب الأولى، ولبنان لا يحتمل اقتصادياً اندلاع أي حرب.
ويشير فحيلي إلى أن الحرب تضرب رغبة المواطن بالاستهلاك، وهذا من أكبر التداعيات السلبية، سواء اقتصر الأمر على التخوف من حصولها أو اندلعت فعلاً، إذ إنه لا شعورياً، يبدأ المواطن بالتخفيف من مصاريفه، ويحصر عملية الشراء لديه بالحاجات الأساسية.

ويلفت فحيلي إلى أن الأحداث الراهنة والاحتمالات المفتوحة على التصعيد الأمني تنعكس على السياحة كذلك، سواء الداخلية، بحيث يمتنع العديد من المواطنين عن التوجه جنوباً، وخصوصاً إلى القرى الجنوبية التي هي على مقربة من الأحداث، أو تلك المرتبطة بالمغتربين الذين سيتردّدون اليوم في زيارة لبنان، ولا سيما المقيمين في الدول العربية الخليجية أو الأوروبية، والذين سيعمدون إلى إلغاء أو تأجيل رحلاتهم التي كانت مقرّرة في هذه الفترة.
كذلك، يشير فحيلي إلى أن غلاء الأسعار سيكون بدوره من انعكاسات الأحداث، والذي سيطاول بالدرجة الأولى السلع والمواد التي لم تصل بعد إلى لبنان، بحيث إن كلفة الشحن سترتفع، باعتبار أن شركات التأمين ستزيد من فاتورتها عندما تكون البضائع مُرسلَة إلى مناطق تشهد اضطرابات أمنية.

في المقابل، يستبعد فحيلي أن تنعكس الأحداث على سعر صرف الدولار، إذ إنه من جهة أولى، مرّت 5 أيام ولم نشهد أي تغيّر كبير أو ارتفاع لافت في مساره، كما أن الطلب على الدولار انخفض، بعدما أصبح القطاع الخاص بالجزء الأكبر منه مدولرا، والتعاملات باتت بنسبة كبيرة منها بين المواطن والتاجر بالدولار، من دون اللجوء إلى سوق الصرف، كما أن الدولة تتجه إلى دولرة إيراداتها، من هنا فإن التخويف من تدهور سعر الصرف غير وارد.
ويتوقف خبير المخاطر المصرفية عند نقطة بغاية الأهمية، وتحتّم على لبنان انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقتٍ ممكن وتشكيل حكومة جديدة بما ينعكس إيجاباً على البلد واقتصاده رغم الخوف من الحرب، وهي أن لبنان سيصبح اليوم في آخر سلّم أولويات الدول المانحة، والمهتمة بالمنطقة، والدليل أن كلّ الجهود الدولية الدبلوماسية التي كانت مركزة لمساعدة لبنان بانتخاب رئيس تجمّدت حالياً، وسندخل في مرحلة ثانية عند انتهاء المعارك، بإعادة إعمار غزة وما تدمّر من إسرائيل على المقلب الآخر.
أضاف: "هنا سينصبّ اهتمام الدول العربية والأسرة الدولية، والمانحين، على غزة وإسرائيل من دون أن ننسى إعادة اعمار سورية والعراق، الأمر الذي سيبعد لبنان عن المشهد، "خصوصاً أن مصائبه منه وفيه، أي بفعل حكامه ودولته".
من جانبه، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة "بنك بيبلوس" نسيب غبريل، لـ"العربي الجديد"، إن "الصورة لا تزال ضبابية وغير واضحة، وهناك حذر من قبل المواطن والأسر اللبنانية كمستهلكين، والشركات اللبنانية والقطاع الخاص كمستثمرين، حتى وضوح الرؤية، حيث إن الأحداث الأمنية دائماً ما تؤثر على ثقة المستهلك والمستثمر والقطاع الخاص ليس فقط في لبنان لكن حتى في البلدان المجاورة، ونحن اليوم بالتالي، في حالة ترقب وانتظار".

ويعدّد غبريل بعض القطاعات التي تتأثر بالأحداث الأمنية والمخاوف من تطوّر الأوضاع، أولها القطاع السياحي، الذي كان أداؤه متميزا جداً في عام 2022، مع ارتفاع أعداد الزوّار إلى لبنان بنسبة 90% وبلوغهم 3 ملايين و920 ألفا، وارتفاع الإيرادات السياحية بنسبة 70% وقد بلغت 5 مليارات و300 مليون دولار، أما في عام 2023 ولغاية 20 سبتمبر/أيلول 2023، فقد بلغ عدد السياح 3 ملايين و450 ألفا تقريباً، ومتوقع أن تتخطى النفقات السياحية أرقام عام 2022.

ويلفت غبريل إلى أن هناك اليوم علامات استفهام عدة حول واقع القطاع السياحي خصوصاً أننا على مقربة جداً من بدء موسم أعياد الميلاد ورأس السنة، وهناك حجوزات تكون مسبقة في هذه الفترة من السنة، ومنها ما يمتد لعام 2024 حيث إن حركة الطيران تكون مكثفة خلالها، لذلك هناك ترقب حالياً، سواء من المغترب أو السائح العربي والأجنبي، وسنرى ما إذا كنا سنشهد تداعيات لناحية تأجيل أو إلغاء رحلات، أو كذلك إعادة جدولة مهرجانات أو احتفالات أو مناسبات.

في جنوب لبنان، تتجه الأنظار إلى منصة التنقيب عن النفط والغاز، ومدى تأثر عملية الحفر أو الشركات النفطية المعنيّة


من ناحية ثانية، يقول غبريل، إن الاستهلاك بدوره يتأثر في الأحداث الأمنية، خصوصاً المرتبط بالسلع المستدامة، سواء السيارات، أثاث المنازل، الأدوات المنزلية، العقارات، لذلك، قد نشهد تأجيلا لعملية الشراء في هذه القطاعات وجمودا لفترة حتى وضوح الرؤية.
أما القطاع الثالث الذي قد يتأثر، حسب غبريل، هو أسعار النفط، وتبقى الأنظار متجهة إليها، ورأينا كيف أنها ارتفعت يوم الاثنين 5%، ومن ثم تراجعت في اليوم الثاني بعدما تبين أن طرق إمداد النفط ستبقى مفتوحة، ولن تتأثر حالياً بما يحصل في غزة.
لكن من جهة أخرى، يقول غبريل إن فاتورة الاستيراد ستتأثر على الصعيد اللبناني، فهو يستورد المشتقات النفطية، وأسعار الشحن سترتفع حتى بالمواد غير النفطية، من هنا قد نشهد ارتفاعاً في الأسعار وغلاءً، في هذه الفترة، يطاول السلع الاستهلاكية والمستوردة.
على مقلبٍ آخر، في جنوب لبنان، تتجه الأنظار إلى منصة التنقيب عن النفط والغاز، ومدى تأثر عملية الحفر أو الشركات النفطية المعنيّة، بالأحداث الراهنة. وقد كشف وزير الطاقة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، وليد فياض، قبل نحو أسبوعين، أنه "خلال 30 يوماً قد نصل إلى اكتشاف بترولي في الرقعة 9 بالمياه الإقليمية اللبنانية".
ويطغى التفاؤل في لبنان من أن تحوي البئر في الرقعة 9 الموازية للحدود البحرية الإسرائيلية على كميات تجارية من الغاز، بما يساهم في تحسين وضع البلاد الاقتصادي المتردّي، رغم أن الخشية تبقى موجودة من إهدار المنظومة الحاكمة ثروة البلاد النفطية وإدخالها في منصّة الصفقات السياسية.

في هذا الإطار، يقول الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت، مارك أيوب، لـ"العربي الجديد"، إن الأعمال حتى الساعة لا تزال على وتيرتها الطبيعية، ولم تتأثر، ولم تعلن أي شركة توقفها عن العمل، ومفترض خلال هذا الأسبوع أن يصل الحفر إلى المكمن المحتمل، ليبدأ بعد ذلك التثبت مما إذا كان هناك غاز أو لا، ومن ثم تقييم الكميات. ويستبعد أيوب توقف المنصات عن العمل إلا في حال تعرّضت لتهديد جدي مباشر، أو تطوّر الوضع أمنياً بشكل واسع وخطير.