معادلة غزة... خاسر خاسر
الأكيد، لا رابح من الحروب، حالياً على الأقل، وإن حصدت بعض الأطراف لاحقاً بعض فتات المنافع أو بنت بعض الدول مكاسبها الاستراتيجية على أنقاض الخراب، كما يخطط "الكيان الإسرائيلي" لتوّسعه وطرد سكان قطاع غزة باتجاه مصر بنكبة ثانية، بعد نزوحهم لغزة في أعقاب نكبة 1948، والتحضير في ما بعد، لافتعال مواجهة بالضفة الغربية، تتمة للمخطط العتيد وتهجير سكانها إلى الأردن، وصولاً لـ"الدولة اليهودية" التي لم تخفِ إسرائيل نيّاتها بصددها يوم أقرت في يوليو/تموز 2018 قانون الدولة اليهودية أو "يهودية دولة إسرائيل".
أو حتى، كما تخطط بعض الدول الإقليمية المنحدرة من فكر إمبراطوري نكوصي، لأنْ تعيد أمجادها وسطوتها من خلال التوتير المستمر والتدخل المتواصل. فتستعيد- ولو عبر الوساطة أو التحريض- قوتها وسلطتها على المنطقة وتعيد العرب إلى "بدو صحارى".
بيد أنه بالمجمل، لا أحد رابحاً بالمعنى العام للربح، حتى إن كسبت منشآت تصنيع الأسلحة مبالغ أو حققت الدول المنتجة للنفط مكاسب، أو حتى رفعت بعض المصارف والمؤسسات المانحة، من أرباحها بواقع مرشّح لمزيد من التضخم وزيادة الاقتراض ورفع الفوائد المصرفية.
ببساطة، لأنّ تلك الدول التي تعوّل على مص دماء ضحايا الحروب، لن تكون بمنأى عن أتون النيران وعقابيل الخراب ولو بعد حين. ولنا بما جرى ويجري بدول ادعت المنعة والقوة والتحصين، أمثلة لا تحصى.
طبعاً، مع الإقرار والتأكيد، أن الدول الفقيرة، وساحات الحرب منها بخاصة، هي الأكثر تضرراً وتكبداً للخسائر.
فأن يكون 47% من سكان العالم اليوم، يعيشون على أقل من 6.85 دولارات يومياً، منهم 574 مليون إنسان أي نحو 7% من سكان العالم، يعيشون على أقل من 2.15 دولارين يومياً، فإنّ الحروب ستأكل من ذلك الدخل، ويصل جلهم إلى ما دون خط الفقر بدخل يومي أقل من دولار، كما جرى ويجري بسورية واليمن والعراق... وربما لاحقاً بأوكرانيا رغم السخاء الأوروأميركي الداعم للخراب والساعي لضرب موسكو بالوكالة وعبر دم وبنى الأوكرانيين.
لأنّ الحروب المستمرة لمصالح وأحقاد قلة من الدول الساعية للهيمنة، كلفت العام الماضي، وفق دراسة معهد الاقتصاد والسلام، كل شخص بالعالم نحو 2200 دولار، في حين انعكست آثار الحروب على الاقتصاد الكلي الدولي، بنحو 17.5 تريليون دولار في القوة الشرائية، ما نسبته 12.9% من الناتج الإجمالي العالمي.
قصارى القول: لم تنعكس الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حتى اليوم، على الأسواق الدولية بشكل مؤثر بعد، رغم المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة على الأسواق المالية، إن دخلت دول أخرى دائرة الحرب وتوسعت ساحتها لدول تعتبر من أهم خزانات الطاقة وتورّد خمس النفط للعالم. فتوسع دائرة الأضرار وتدحرج كرة التضخم، جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، أعطى للعالم، والأوروبيين تحديداً، درساً جديداً بالأثر الجيوسياسي.
لكن، بواقع الاستقواء الأوروأميركي وتوافد حاملات الطائرات ونواقل الخراب، تزيد السيناريوهات لتوسع الأضرار، حتى وإن ضبطت القوى الكبرى، إيقاع وجغرافية الحرب عبر التخويف والوعيد.
فارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، لم يعد تكهناً صعب التحقيق، كما تراجع النمو العالمي إلى 2% أو أقل، لم يعد سيناريو تخويف، بخاصة إن انطلقنا من واقع قائم ومن ركود تضخمي تعانيه الاقتصادات الصناعية أصلاً، بعد جريمة ما قبل غزة، التي افتعلتها بأوكرانيا، ولم تزل تغذيها الدول المتذرعة بالسلام والديمقراطية.
نهاية القول: الأسف البالغ والموجع جراء واقعنا المحصور بردة الفعل، لا بالمبادرة والأفعال، يفرض علينا دائماً، التفكير وطرح الأسئلة المنقوصة. أو الأسئلة التي يدور بفلكها الضعيف الخائف، لأنّ زمن 1973 "حرب أكتوبر" ووقف إمدادات النفط ودخول عالم الشمال الصناعي دوامة المخاوف والركود، قد ولّى للأسف، بواقع التذبذب بالمواقف والتردد بالقرارات وحتى العمالة من تحت الطاولة التي تلف جلّ زعماء المنطقة.
فترانا نفكر في ما لو طالت الحرب، ماذا لو توسعت ودخلت دول جديدة على دائرة الصراع، كم ستكبّد الاقتصاد وكم ستخّسر تلك الدول، من دون أن ننشغل بأمور أو نعمل عليها، وهي بقمة الأولويات، إن على صعيد الفعل كوقف قتل الأبرياء من إخوتنا الفلسطينيين الذين بدأ عداد إحصائهم الأممي، كما قتلى نظام الأسد بسورية؟
أو حتى بالعمل الإعلامي والسياسي، فيتم التركيز على واقع ومستقبل "كيان" أوجدته دول أوروبا غفراناً لذنب محرقة اليهود، فنشير اجتماعياً لعدم التجانس وبدء الهروب والعودة، أو سياسياً وأثر مبادرة "القسام" على حكومة يصفها الإسرائيليون باليمينية المتطرفة مستندين لتعالي الصوت الإسرائيلي اليوم "نتنياهو ارحل فوراً".
بعد أن نعرّج، بطبيعة الحال، على الخسائر الاقتصادية لكيان أقرب لثكنة عسكرية منه لدولة، لنخلص إلى استحالة ديمومته ضمن منطقة، يتمادى عليها بالقوة والبلطجة وقضم الحقوق، علّ بهذا الدور، نرمي للاستراتيجي الخادع، بأنّ من يهرول صوب تل أبيب ليستمد القوة والشرعية، لن يحصد إلا الخذلان ومزيداً من الشبهات، بعد بيع ما يباع لمرة واحدة، وقد تكون "خاسر - خاسر" قيلت خصيصاً له.