صفوت الزيات: الحرب طويلة وهذه خيارات إسرائيل في غزة
يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة باستخدام سياسة الأرض المحروقة، وسط استعدادات لهجوم بري محتمل. وفي السياق، يتحدث الخبير المصري في العلوم العسكرية والاستراتيجية، العميد المتقاعد صفوت الزيات، لـ"العربي الجديد"، عن قراءاته للحرب وسيناريوهات الدخول الإسرائيلي إلى القطاع.
سيناريوهات دخول غزة
ورداً على سؤال ما إذا كان يعتقد أن جيش الاحتلال سيُقبل على اقتحام غزة في الأيام القليلة المقبلة، يقول الزيات إن حديث الرئيس الأميركي جو بايدن في الساعات الأخيرة بأنه "يحذر الإسرائيليين من احتلال غزة مرة أخرى" غير واقعي، لأنه يؤيد دخول غزة للقضاء على حركة "حماس" بشكل أو بآخر، وبالتالي يبدو أن هذا التصريح ضوء أخضر ليطمئن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقيام بعمل بري داخل القطاع.
ويضيف: "بصرف النظر عن تصريح بايدن الأخير، فإن كمّ الخسائر البشرية غير المسبوق في "الكيان الصهيوني"، وذلك الهوان والانكسار اللذين تعرضت لهما نظرية وعقيدة الأمن القومي الإسرائيلية، في صباح يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ومحاولة استعادة الردع بشكل أو بآخر، لن تتيح لإسرائيل رفاهية الدخول المحدود أو عدم الدخول البري أو الاختراق البري لقطاع غزة". ويشير إلى أن "ما يؤكد ذلك كثافة القصف، وكانت هناك معلومة من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تتحدث عن أن إسرائيل أسقطت حتى الآن أكثر من قدرة ربع قنبلة نووية فوق قطاع غزة، وبالتالي من الواضح من حجم الدمار، خصوصاً في مناطق الشمال الغربي وشمال وشرق قطاع غزة، أن هناك استعدادات جدية لاقتحام القطاع". لكن الزيات يلفت إلى أن "السؤال المهم يبقى: هل ستدخل إسرائيل غزة لاحتلالها والبقاء فيها وإدارة القطاع، أم أنها ستقوم بعملية تدمير لقدرات حماس العسكرية، وربما استنزاف جزء كبير من قوتها البشرية قبل أن تعود مره أخرى أدراجها؟"، معتبراً أن "كلا الأمرين له أثمانه الباهظة على جيش الاحتلال الإسرائيلي".
الزيات: الواضح من حجم الدمار، خصوصاً في مناطق الشمال الغربي وشمال وشرق غزة، أن هناك استعدادات جدية لاقتحام القطاع
وعن تقديره لهذه الأثمان، يقول الخبير المصري إنه إذا قرر جيش الاحتلال البقاء بشكل أو بآخر (في غزة) فهو سيتحول من قوة تنفذ عملية خاصة إلى قوة احتلال تتمركز في شكل حاميات في مناطق ثابتة داخل القطاع، وبالتالي سيفقد ميزة التفوق الاستخباراتي، وستكون مناطقه معروفة وتمركزاته مدركة، وسيكون العمل من قبل المقاومة ضد هذه المواقع أمراً لا يتطلب - إلى حد كبير - جهداً استخباراتياً على الأرض. ويضيف "في حال قرر الجيش أن يغادر ولا يقوم بالاحتلال، سيبقى السؤال الكبير قائماً: من الذي سيدير القطاع؟ لا أحد يتحدث كثيراً، ولكن ربما يعني في خلفية المشهد أن هناك حديثاً جدياً عن محاولة استبدال سلطة حماس بسلطة أخرى في غزة".
ويعتبر أن "دعوة كل من قطر وتركيا للمشاركة في القمة التي دعت لها مصر لمناقشة الأوضاع في غزة قد يكون أحد أسبابها الإدراك أن هاتين الدولتين لهما نفاذية عالية في التأثير على حركة حماس". لكنه يضيف: "أياً كان السؤال الكبير، إذا استبعدنا احتلال غزة باعتبار نصيحة بايدن، وباعتبار إدراك الإسرائيليين الثمن الباهظ الذي سيدفعونه، سواء ككلفة بشرية أو إجهاد على مدار الساعة، لمقاومة هجمات مشروعة بالدرجة الأولى على قوات احتلال على الأرض، أو للكلفة الاقتصادية، فإن إدراج غزة ضمن أكثر من جبهة أصبح يُجهد وسيُجهد الطرف الإسرائيلي".
وبشأن توقعه لشكل الهجوم الإسرائيلي المقبل، يقول الزيات "هم يسعون الآن - بحجم الدمار الذي يوقعونه على مدار الساعة في شمال قطاع غزة ومحو أحياء بكاملها - إلى القتال في مناطق إلى حد ما مفتوحة أكثر من الأحياء التي بلا شك تجعل البيئة العملياتية ضيقة للغاية وفي طرقات وشوارع وأزقة ومنحنيات هو (الإسرائيلي) لا يدري من أمرها شيئاً".
ويضيف: "لا يدرك الكثيرون أن الطائرات الأميركية التي وصلت إلى مطارات النقب في الأيام السابقة تحمل أنواعاً من الأسلحة والذخائر، ربما لم تُستخدم من قبل الإسرائيليين من قبل. وأعتقد أن التركيز كان على ما نسميه نحن "القنابل والصواريخ الاختراقية لسطح الأرض وللتحصينات أسفل سطح الأرض"، وتسمى مُخترق التحصينات (bunker buster) وهي عبارة عن قنبلة مصممة خصيصاً لتدمير الأهداف المحصنة أو المدفونة تحت الأرض". ويتابع: "أعتقد أن أنواعاً من القنابل مثل: جي بي يو-39 (قنبلة منزلقة موجهة بدقة)، وجي بي يو-31 (GBU-31)، وجي بي يو-28 (GBU-28) وتسمى مدمرة الملاجئ، وهي نوع خاص من القنابل الخارقة للأرض، قد تكون كلها وصلت إلى إسرائيل، وهذا ما نلاحظه في الدمار الذي تُحدثه هذه الذخائر أو بعض منها".
ويشرح أن هذه القنابل "تُحدث حفراً عميقة أسفل الأبراج والأبنية السكنية بمساحة عميقة تحت سطح الأرض، وهو أمر لا تحققه ولا تنفذه إلا هذه الأنواع من الذخائر الاختراقية التي صممت أساساً للتعامل مع منشآت إيران النووية، في حالة حدثت مواجهة. كما أن هناك أيضاً استخداماً غير مسبوق لما نسميه "الذخائر الفراغية". وبالتالي عندما نتحدث عن وجود سحابة من الدخان، ثم انفجار شامل يغطي جزءاً كبيراً من المساحة المبنية فوق سطح الأرض، فهذه هي الأنواع التي تحدثنا عنها وتستخدم لإزالة المنشآت العسكرية والقواعد، وتكون أعلى سطح الأرض تماماً".
وعما إذا كان استخدام هذه الأنواع من الذخائر ضد أهداف مدينة يُعد محرماً دولياً، يقول الزيات "بلا شك". ويضيف: "هناك جرائم حرب تُرتكب، ولا أحد يتصور للحظة واحدة أن الرئيس بايدن لم يرتكب جرائم حرب، وهو يأتي إلى المنطقة حاملاً وداعماً للموت".
خيارات "حماس" لإدارة الصراع
وعن رؤيته لكيفية إدارة حركة "حماس" المعركة في حال اقتحمت إسرائيل قطاع غزة، يقول الزيات: "أعتقد أن محمد الضيف (قائد كتائب القسام والعقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي)، كانت لديه بعض الملاحظات على تنفيذ الخطة في الساعات الأولى للعملية، لكن أتصور أنه من الذكاء بأن يفهم أنه يدير معركة ستكون بطيئة وتتركز على العمل الليلي بشكل أو بآخر، وسيعتمد إطالة فترة القتال، ولن يهتم كثيراً بالجانب الدعائي، الذي ربما يشارك فيه الصحافيون، عندما يصورون الدبابات والمدرعات الإسرائيلية وقطع المدفعية وأدوات القتال الرئيسية، تجوب محور الرشيد ومحور صلاح الدين، ونجدها في مخيمات جباليا ومناطق بيت لاهيا وبيت حانون ومناطق السودانية، وربما وصولاً إلى النصيرات والمغازي في الوسط، وإلى خان دير البلح وخان يونس ورفح في الجنوب".
الزيات: أمامنا مشوار طويل، ولكنها طبيعة حروب المدن وحروب الأرض التي لم يعد هناك شعب مستعد لأن يخضع لقوة الاحتلال أياً كان
ويتابع: "علينا ألا ننزعج، فهذه حرب ستكون طويلة، وأذكّر الجميع بأننا في اليوم الأخير من شهر أغسطس/ آب 2021 كنا نتابع على الهواء انسحاب آخر جندي أميركي من أفغانستان، وكان الجنرال كريستوفر دوناهو، قائد أشهر فرقة محمولة جواً في العالم، وهي الفرقة 82، عندما قرر أن يكون آخر جندي أميركي يغادر أفغانستان. وكنت أرى في وجهه إحباطاً شديداً وهزيمة شديدة، حتى إنني في هذه اللحظة تذكرت يوم السابع من أكتوبر 2001 في أفغانستان، عندما اقتحم جورج بوش الابن أفغانستان ليطيح طالبان وينشئ "دولة جديدة ديمقراطية بنمط رأسمالي غربي حر"، إلى آخر هذا القاموس الذي لا يؤمنون به أصلاً". ويضيف: "20 عاماً مرت وأنا أراجع هذا الشريط، وكيف نجحت طلبان، وكيف نجحت المقاومة الأفغانية في قتال المدن وفي الصبر الاستراتيجي وفي إحراج أكبر دولة في العالم، وأجبرت الرئيس بايدن على أن يخرج ليقول: لن أكون الرئيس الأميركي الرابع الذي يسلم كارثة أفغانستان لرئيس خامس".
ويقول الزيات: "فليدخل الإسرائيليون كما يريدون، ولينقلوا صورة خاطئة عندما يتصور العالم أن المقاومة انتهت في قطاع غزة. أمامنا مشوار طويل، ولكنها طبيعة حروب المدن وحروب الأرض التي لم يعد هناك شعب مستعد لأن يخضع لقوة الاحتلال أياً كان". ويشرح: "سنشاهد جزءاً من حرب مدن وحرب عصابات. سنشاهد أعمال كمائن من مفرقعات ومتفجرات مصنوعة وموضوعة على أجناب طرق، شاهدنا كفاءتها العالية في بغداد وفي مناطق ومدن أخرى خلال الغزو الأميركي لبغداد، وشاهدنا دبابات قتال رئيسية بوزن أكثر من 70 طناً مثل دبابة "إبرامز" الأميركية الشهيرة وهي تتطاير بفعل هذه المتفجرات المصنوعة يدوياً إلى عدة أمتار في الهواء. المطلوب ألا ننزعج، وأمامنا مشوار طويل".