الحمى النزفية.. أزمة متواصلة ترهق مربي المواشي في العراق
سجلت محافظات عراقية حالات وفاة وإصابات بـالحمى النزفية، مع ضعف إجراءات الحكومة في التصدي لانتشار المرض، والتي لا تتناسب مع التهديد الذي يُواجه مستقبل الثروة الحيوانية.
ويرى مختصون أنّ العديد من منتجات الثروة الحيوانية تأثرت بسبب انتشار الحمى النزفية، منها اللحوم والجلود ومشتقات الألبان فضلاً عن الأسمدة الحيوانية الداخلة في تركيب الأسمدة الكيميائية التي تستخدم لإصلاح الأراضي الزراعية.
خسائر بشرية
وفي إحصائية رسمية، كشفت وزارة الصحة العراقية، هذا الأسبوع، عن تسجيل 545 حالة مؤكدة بالحمى النزفية، منذ بداية العام الحالي 2023، منها 70 حالة وفاة حتى الآن، إذ سجلت محافظة ذي قار 132 إصابة مؤكدة منها 13 حالة وفاة، تليها محافظة البصرة التي سجلت 81 إصابة و11 وفاة، وتوزعت بقية الحالات على محافظات عراقية أخرى.
وآخر الحالات المسجلة شهدتها محافظة ديالى العراقية (شرقاً)، الاثنين الماضي، بوفاة مصابة تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، توفيت جراء مضاعفات الحمى النزفية.
وكشف المستشفى البيطري في المحافظة، في بيان، عن أنّ المصابة توفيت جراء العدوى من حظائر الحيوانات المجاورة، مبينةً اتخاذ الإجراءات البيطرية اللازمة من مكافحة ورش محيط ومكان الإصابة، وحظر حركة المواشي في المنطقة بالتنسيق مع الجهات الصحية.
إجراءات بيطرية
من جانبه أكد مدير قسم الأوبئة في دائرة البيطرة التابعة لوزارة الزراعة، ثائر صبري، عن انخفاض أعداد الإصابات اليومية بمرض الحمى النزفية في العراق، خلال الفترة الأخيرة.
وقال صبري، في حديث صحافي، إنّ معدل الإصابات بمرض الحمى النزفية سجل ارتفاعاً ملحوظاً خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي، حيث سجل العراق ما بين 5-6 إصابات يومياً، مشيراً إلى "انخفاض معدل الإصابات حالياً إلى إصابة واحدة يومياً".
وبيّن أن أسباب تراجع معدل الإصابات حالياً، تعود إلى الإجراءات الوقائية المتبعة في الحد من الجزر العشوائي وافتتاح أماكن محددة للذبح، سواء في المجازر الرسمية أو أماكن يتم تحديدها من قبل البلدية، مشيراً إلى أن الإجراءات التي تقوم بها دائرة البيطرة في حال اكتشاف إصابة في منطقة معينة، هي رش الحيوانات للقضاء على حشرة القراد الناقل الأساسي للمرض ومنع الذبح لمدة 14 يوماً.
وبيّن صبري أن البؤر المكتشفة تخضع للحظر والإغلاق على مساحة 15 كيلومتراً مربعاً، ويتم رش وتغطيس الحيوانات والحظائر.
نفوق الحيوانات
وفاقمت الحمى النزفية معاناة مربي الثروة الحيوانية، التي تعاني بالأساس من قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها، فضلاً عن شح المياه وجفاف الأراضي وفقدان الكثير من المراعي الطبيعية.
ويؤكد كامل الغزي، أحد مربي المواشي في محافظة ذي قار، لـ"العربي الجديد"، تراجع أعداد المواشي قياساً بالسنوات الماضية، بسبب نفوق العديد منها جراء الحمى النزفية، موضحاً أنّ أعداد ولادات الأبقار والأغنام والجواميس انخفضت إلى حد كبير، والسبب في ذلك قلة الأعلاف ولقاحات الوقاية من الأمراض الوبائية التي تصيب الحيوانات ومنها المواشي.
وبيّن أنّ المواشي التي كان يملكها أصيبت بالحمى النزفية، وإثر إصابتها فقد اثنين من أفراد عائلته، بسبب انتقال عدوى الحمى إليهم ولم يتمكن من إيجاد الأدوية واللقاحات المناسبة حينها لغرض الإسراع في علاجهم.
من جانبه، قال أمين سر اتحاد الجمعيات التعاونية في محافظة البصرة، توفيق علي مزيد، إنّ ذروة انتشار فيروس الحمى النزفية كانت، خلال شهري يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب الماضيين، حيث تعرض المئات من الأشخاص للإصابة ووفاة عدد كبير منهم.
وأوضح مزيد، لـ"العربي الجديد"، أنّ اتحاد الجمعيات التعاونية عمل أخيراً مع المراكز البيطرية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة "فاو"، على عقد ورشات عمل وندوات توعية، للتحذير من مخاطر هذا الوباء، مبيناً أنّ هناك حملات للوقاية والمكافحة مُعدة وفق خطة تستمر لنهاية العام الجاري بتنفيذ الدوائر البيطرية.
وأضاف أن تأثير إصابات الحمى النزفية انعكس بشكل خطير على السكان، لأن الحيوانات كانت واسطة سهلة لنقل المرض، مما عرض العديد من المواطنين للإصابة بمرض الحمى النزفية.
انعكاسات اقتصادية
وفي السياق، أكد الخبير الزراعي، عادل المختار، أنّ انتشار الحمى النزفية ترك انعكاسات خطيرة تهدد الثروة الحيوانية في العراق، خاصة وأن الثروة الحيوانية تعاني من مشاكل كبيرة تتمثل بارتفاع أسعار الأعلاف وضعف الدعم المقدم من قبل الجهات المعنية، مما يعد عاملاً مهما في تراجع الثروة الحيوانية الوطنية.
وانتقد المختار، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، انعدام الوقاية والإهمال المتعمد من قبل وزارة الزراعة والدوائر والمراكز البيطرية، مما ساهم في انتعاش الوباء وانتقاله المباشر والسريع.
وأضاف أنّ الحظائر الحيوانية موبوءة بالعديد من الأمراض الخطيرة، مما يعد إهمالاً كبيراً للثروة الحيوانية، وأن الدوائر المعنية بالثروة الحيوانية لا تتابع أو تكشف، فضلاً عن عدم وجود قاعدة بيانات.
وحذر المختار من استمرار الإهمال، مشيراً إلى أنّ ما يشهده القطاع الزراعي اليوم ينذر بكارثة حقيقية تهدد مستقبل الثروة الحيوانية.
وأضاف أنّ ارتفاع أسعار الدولار وتكاليف الإنتاج وضعف التسويق لها تساهم في انهيار القطاع الحيواني، مع تأثر كبير لمنتجات الثروة الحيوانية من لحوم وألبان وجلود، مما يدفع لاستمرار تزايد استيرادها من الخارج، والضحية من هذا التأثير هو المواطن الفقير وأصحاب الدخل المحدود، على حد قوله.