الثمن الذي ندفعه مقابل المشاركة الرقميَّة
أ.د. طلال ناظم الزهيري
في عالم تستهلكه الشاشات، يصبح الانتباه العملة الأكثر قيمة، حيث تنتقل المعلومات بسرعة الضوء وتتقلص التفاعلات الاجتماعيَّة إلى لمسة زر واحدة، هنا نشأ اقتصادٌ جديد، اقتصادٌ لا يغذيه الذهب أو النفط، بل الانتباه.
حيث تحتدم المعركة بين المنصات الرقمية من أجل السيطرة على تركيزنا، وتشكيل الطريقة التي نفكر بها، ونتصرف، ونتفاعل مع العالم من حولنا.
اقتصاد الانتباه أو الاهتمام في جوهره يشير إلى النظام الاقتصادي الذي يقدر الانتباه البشري باعتباره سلعة نادرة.
حيث تتنافس المنصات الرقمية والشركات بشدة على نطاق اهتمامنا المحدود.
حتى يتم تتبع كل تمريرة ونقرة سريعة نقوم بها وتحليلها بدقة لتحقيق الدخل منها، مما يجعل الانتباه العملة الجديدة في العالم الرقمي.
وفي حين أن اقتصاد الانتباه قد أحدث تحولا، لا يمكن إنكاره في استراتيجيات التسويق وخلق طرقًا مبتكرة للتواصل، إلا أنه يأتي بتكلفة كبيرة.
لقد أدى الوابل المستمر من الإشعارات والإعلانات وتحديثات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير سلوكنا، مما أثر في قدرتنا على التركيز بعمق والمشاركة في مهام هادفة ومستدامة.
لقد أدى السعي الدؤوب، لجذب انتباهنا إلى ارتفاع مستويات التوتر والقلق والحمل الزائد للمعلومات، مع ما يترتب على ذلك من آثار عميقة على الصحة العقلية.
إحدى السمات المميزة لاقتصاد الانتباه هي انتشار ثقافة [Clickbait] التي تشير إلى المحتوى عبر الإنترنت، والذي يكون عادة في شكل مقالات أو عناوين أو صور أو مقاطع فيديو، وهو مصمم لجذب الانتباه وتشجيع المستخدمين على النقر فوق الرابط.
غالبا ما يستخدم Clickbait لغة وصور مثيرة أو مضللة لإثارة الفضول وإغراء الأشخاص للنقر، بهدف أساسي هو توليد المزيد من حركة المرور على موقع الويب إلى الحد الأقصى، دون تقديم معلومات مفيدة أو دقيقة بالضرورة.
غالبا ما يعود بمحتوى صادم أو مثيرا للاهتمام أو عاطفي للغاية ولكنه يفشل في الوفاء بهذه الوعود بمجرد أن ينقر المستخدم على صفحة الويب الفعلية.
يستغل هذا التكتيك فضول الأشخاص وعواطفهم، مما يدفعهم إلى النقر على المحتوى دون معرفة الطبيعة الحقيقية للمعلومات التي سيجدونها.
في حين أن Clickbait يمكن أن يؤدي إلى جذب الزيارات إلى مواقع الويب وزيادة إيرادات الإعلانات على المدى القصير، إلا أنه يمكن أن يضر بمصداقية المصدر وجدارته بالثقة عندما يدرك المستخدمون أنه قد تم تضليلهم.
اتخذت العديد من المنصات عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خطوات لتقليل اصطياد النقرات من خلال تنفيذ خوارزميات تعاقب أو تخفض مستوى المحتوى الذي يستخدم لغة مثيرة أو مضللة.
على الرغم من هذه الجهود، لا يزال Clickbait ظاهرة سائدة على الإنترنت.
ونتيجة لذلك، فإن المحتوى الحقيقي المدروس جيدا غالبا ما يكافح للتنافس مع القصص المثيرة، مما يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة وتآكل الثقة في المصادر عبر الإنترنت.
وفي هذا السياق تعد منصات التواصل الاجتماعي هي نقطة الصفر لاقتصاد الانتباه.
لقد أتقنت شركات فيسبوك، وإنستغرام، وتوتير، ونظراؤها فن الحفاظ على تفاعل المستخدمين، وغالبا ما يكون ذلك على حساب حياتهم في العالم الحقيقي.
إن الطبيعة الإدمانية لهذه المنصات، جنبا إلى جنب مع الخوارزميات المصممة لإبقائنا في حالة تصفح مستمر، لها آثار عميقة على العلاقات الاجتماعية، حيث تأخذ التفاعلات وجهًا لوجه المقعد الخلفي للتبادلات الرقمية.
وعليه من الضروري تطوير استراتيجيات لحماية انتباهنا وسلامتنا العقلية اذ تعد ممارسات اليقظة الذهنية، والتخلص من المؤثرات الرقمية، ووضع حدود لوقت الشاشة من الخطوات الأساسية التي يمكن للأفراد اتخاذها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد دعم المنصات ومنشئي المحتوى الذين يعطون الأولوية للمشاركة الهادفة على جذب النقرات في إعادة تشكيل المشهد الرقمي.
وعليه علينا أن ندرك أثناء رحلتنا في اقتصاد الانتباه، قيمة اهتمامنا وأن نتخذ خطوات لاستعادة السيطرة على حياتنا الرقمية من خلال تعزيز ثقافة المواطنة الرقمية التي تقدر التركيز العميق، والاتصالات الحقيقية، والمعلومات الموثوقة، يمكننا التخفيف من الآثار السلبية لهذا النموذج الاقتصادي الجديد.
من خلال التعاطي مع حقيقة أن اهتمامنا يعدُّ سلعةً ثمينة بالفعل، فلنستخدمه بحكمة.