حرب غزة: تظاهرة ضخمة مرتقبة في لندن غداً وسط تصاعد الجدل بشأنها
يتواصل الجدل في الساحة السياسيّة البريطانية حول التظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والرافضة للإبادة الجماعية في غزة، بعد دعوات للشرطة البريطانية من قبل سياسيين منهم وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، لتأجيل وحظر التظاهرة المقررة غدًا السبت في لندن والمتوقع أن يشارك فيها مئات الآلاف، إذ يسعى المنظمون لمشاركة مليونية على غرار التظاهرة المناهضة للحرب على العراق في 2003، والتي كانت الأكبر في التاريخ البريطاني.
وتصاعد الجدل في الأسبوع الماضي حول التظاهرة المقررة، بسبب تزامنها مع يوم الهدنة، وهو يوم تحيي فيه بريطانيا ذكرى جنودها في الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
وبدأت القضية قبل أسبوعين من خلال إثارة قضية "حماية الأنصاب التذكارية" التي بدأت بإثارتها أقطاب من اليمين وبعض الصحف وتبنّاها لاحقًا سياسيون بريطانيون منهم رئيس الوزراء ريشي سوناك، كون التظاهرات ضد الحرب تمر بجانب النصب التذكاري للجنود الواقع وصولاً إلى مبنى الحكومة.
ودعا سوناك الأسبوع المنصرم لتأجيل التظاهرة، وعبّر عن احتمال "وجود خطر قائم وواضح لتدنيس النصب التذكاري ما يمثّل إهانة للشعب البريطاني والقيم التي يدافع عنها" بحسب تعبيره، مع العلم أن التظاهرات الثلاث السابقة التي مرّت بجانب الأنصاب التذكارية لم يجر فيها التعدي على أي نصب تذكاري.
وازدادت حدّة النقاشات السياسيّة بعد مقال لوزيرة الداخلية في صحيفة "تايمز" انتقدت فيه الشرطة البريطانيّة لعدم قمعها التظاهرات المناصرة لفلسطين واصفة إياها بـ"تظاهرات الكراهية ومعادية للسامية"، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الجهات وردود فعل غاضبة، إذ هاجمت عضو مجلس اللوردات والوزيرة السابقة سعيدة وارسي تصريحات برافرمان بشدة خلال مقابلة لها في "سكاي نيوز"، قائلة: "هذه الوزيرة قررت أن تثير مشكلة وتُدخل اليمين في هذا الخطاب من خلال الحروب الثقافية، هي لا تُصلح الأمور بل تكسرها، ومن وظيفة الحكومة الحفاظ على المجتمع وليس تقسيمه.. إنها خطيرة".
وقالت وارسي إنها تحدثت إلى الشرطة والجيش البريطانيين والمنظمين للتظاهرة لضمان مرورها بسلام. وعلَّق عمدة لندن على ذلك قائلًا: "يجب على الحكومة أن تساند شرطة العاصمة بدلًا من تعقيد مهمتها".
ومما جاء في مقال برافرمان في الصحيفة: "لا أعتقد أن هذه المسيرات مجرد صرخة إنسانية لمساعدة غزة. إنها مجرد ادعاءات بالسيادة والأسبقية لمجموعات معينة، وخاصة الإسلاميين، من النوع الذي اعتدنا على رؤيته في أيرلندا الشمالية (...) أعتقد أن كبار ضباط الشرطة يميلون لكفة المتظاهرين عندما يتعلق الأمر بالمسيرات".
بدوره، رفض قائد الشرطة في العاصمة منع التظاهرة، قائلًا إنه "سيطلب من وزيرة الداخلية صلاحيات حظر المسيرات إذا شكّل المتظاهرون تهديدًا للشرطة". وأكد أن التجاوزات التي تحصل أثناء التظاهرات لم تبلغ حدًّا خطيرًا بعد، قائلًا: "إن الشرطة لا تستخدم القوة إلا نادرًا"، لكنه أعرب عن قلقه من مجموعة من المتظاهرين الذين انشقّوا عن المسيرات الرئيسة التي تُنظَّم كل يوم سبت، مؤكدًا أن الشرطة ستعمل على مراقبة هؤلاء. كما عبّر عن قلقه بسبب "ازدياد الضغوط على عناصر الشرطة في الوقت الحالي، وإصدار الأحكام بحقهم".
وندد المجلس الإسلامي البريطاني بموقف سويلا برافرمان و"لغتها العنصرية، التي تغذي الصحافة اليمينيّة وتخلق مناخًا مناسبًا لمزيد من الانقسامات والعنف بهدف إسكات الأصوات المطالبة إنسانيًا بوقف إطلاق النار في غزة".
ودعا بعض المشرعين الوسطيين من حزب المحافظين إلى إقالتها. وحتى اليمينيون طالبوها بأن تكون أكثر حرصًا في لغتها خصوصًا بعد تصريحاتها الأخيرة ضد المشردين، قائلين إن الإشارة إلى أيرلندا الشمالية ستبعد من نظموا مسيرات الحقوق المدنية والتجمعات الموالية لبريطانيا في الماضي.
من جانبه، قال نيل باسو، وهو ضابط كبير سابق في شرطة لندن، إن الانتقادات السياسية قد تزيد من خطر العنف.
وقالت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية إن أي حظر للتظاهرات دون مبرر سيعزز الانقسام في المجتمع البريطاني، مضيفة أنه من الطبيعي أن تثير التظاهرات السياسية جدلًا في الأوساط الاجتماعية، إلا أن هذا لا يُعَد سببًا كافيًا لحظرها في الدول الديمقراطية.
وأعلنت أكبر النقابات العماليّة البريطانيّة مشاركتها في التظاهرة غدًا السبت، منها نقابة السكك الحديدية الوطنية، ونقابة التعليم الوطنيّة، ونقابة رجال الإطفاء الوطنيّة. وقال بيان مشترك لقادة النقابات إنهم يريدون إرسال رسالة قوية إلى الحكومتين البريطانيّة والأميركية "اللتين تدعمان إسرائيل سياسيًا وعسكريًا"، بأنهم يرفضون الصمت عن "الظلم والاضطهاد اللذين يتعرض لهما الفلسطينيون، وينضمون إلى الملايين من البريطانيين الذين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، ويطالبون بوقف النار والعدوان على غزة".
وفي تطور لافت، صوّت البرلمان الويلزي هذا الأسبوع لمصلحة قرار وقف إطلاق النار في غزة، بعدما امتنعت حكومة ويلز عن المشاركة في التصويت. وصوّت الأعضاء على القرار الذي يدين "حماس والعدوان الإسرائيلي على غزة"، حيث أيد 24 عضوًا القرار، بينما عارضه 19 عضوًا، وامتنع 13 عن التصويت.
ولا تزال الاستقالات في حزب العمال البريطاني مستمرة بسبب موقف الحزب وزعيمه حيال الحرب على غزة، إذ استقال النائب عمران حسين احتجاجًا على موقف زعيم الحزب كير ستارمر، الذي رفض دعوات للضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة. ويمثل عمران حسين، دائرته الانتخابية في شمال إنكلترا، التي تضم عددًا كبيرًا من المسلمين.
وفي هذا السياق، وقّع 45 عالمًا مسلمًا في بريطانيا على بيان يدين دعم الحكومة البريطانية لإسرائيل، ويدعو الدول الإسلامية إلى إرسال جيوشها من أجل وقف الإبادة الجماعية في فلسطين. وانتقد العلماء المسلمون الحكومة البريطانية، وقالوا: "عارٌ على حكومة المحافظين الاستمرار في تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، الذي يستمر بارتكاب مزيد من المجازر".
ودعا العلماء الحكومة البريطانية إلى وصف إسرائيل بأنها نظام فصل عنصري، كما دعوا السياسيين المسلمين إلى حث زعماء الأحزاب على المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة.
وناشد العلماء جميع الحكومات في الدول الإسلامية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتجميد جميع الأنشطة التجارية معها، وفرض حظر نفطي عليها. وأكدوا أيضًا حق الشعب البريطاني في تنظيم التظاهرات السلمية نصرةً لفلسطين.
وقالت النائبة في البرلمان البريطاني أبسانا بيغوم، وهي من الأعضاء المسلمين في حزب العمال، إنها تتلقى تهديدات بالقتل وأخرى بالعنف والعنصرية الدينية بسبب مواقفها من أجل غزة. وانتقدت بيغوم الحكومة البريطانية لعدم استخدامها خطاب الملك لاتخاذ إجراءات ضد الإسلاموفوبيا. وقالت إنها هُدِّدت بالقتل والعنف الجنسي، كما هُدِّدت بتمزيق حجابها في الأماكن العامة، مشيرة إلى أن المسلمين يواجهون التمييز الديني والعنصرية في المملكة المتحدة.
وخرج مئات الآلاف في بريطانيا أسبوعياً منذ بدء الحرب، في تظاهرات بعدة مدن وبلدات بريطانية أبرزها لندن.