فلسطينيو العراق يتابعون الحرب على غزة: محيطنا يخفف آلامنا
يتابع الفلسطينيون المقيمون في العراق، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، عشرات المواقع الإخبارية عبر مواقع الإنترنت، خاصة منصات "تليغرام" "وفيسبوك" و"إكس"، للتعرف على كل ما يجري، "فالقلب هناك والجسد هنا" بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" عصام أبو عياش، الذي يعيش بعض أقارب والدته في غزة، والذين نجح في التواصل مع عدد منهم، كما علم باستشهاد آخرين نتيجة القصف الإسرائيلي.
يخبر أبو عياش أن والديه الراحلين كانا يحدثانه عن أقاربهم في فلسطين وغزة تحديداً، ويقول: "أقارب والدتي في غزة هم خالاتي وأعمام والدتي، وقد علمت باستشهاد بعضهم، في حين لم أتواصل مع آخرين ولا أعرف مصيرهم، وأنا أدعو الله أن يكونوا بخير". ويقول: "ما يخفف حالي السيئة هو مواساة جيراني وأصدقائي العراقيين الذين يشعرونني دائماً بالأمل، ويخففون من حزني على أهلي في غزة، باعتبارهم يحملون الهمّ نفسه أيضاً، ويتابعون بألم ما يعانيه سكان القطاع. ولا يحصل ذلك للمرة الأولى، فكلما شن هجوم أو اندلعت حرب في غزة يشعرونني بأنني لست وحدي من يشعر بقلق".
والسؤال المستمر الذي يوجهه العراقيون إلى كل فلسطيني يعيش في بلدهم: كيف حال أقاربك في فلسطين، كيف حال غزة؟ فضلاً عن عبارات المؤازرة مثل "لا تخف إن الله معهم" و"اطمئنوا النصر قادم"، بحسب ما يروي فلسطينيون، بينهم عائشة عبد الرحمن التي تقول لـ"العربي الجديد" إن بيت أهلها تحوّل إلى مزار يومي لجيرانهم العراقيين الذين يؤازرونهم، ويحاولون التخفيف عنهم.
وتعلّق عائشة، وهي طالبة جامعية تعيش مع عائلتها في حي الشالجية ببغداد: "بيتنا هو البيت الفلسطيني الوحيد في حي يسكنه عشرات الآلاف من العراقيين الذين يشعروننا بالفخر من خلال نشر الأعلام الفلسطينية في المحال والسيارات، وارتداء الشباب الكوفية الفلسطينية منذ بدء الحرب على غزة، وهو مشهد بات مألوفاً في كل مكان ببغداد". تتابع: "رغم أن أعمامنا وأخوالنا يتوزعون في الشتات منذ نكبة عام 1948 يوجد أفراد من عائلتنا في غزة، هم من أبناء عمومتنا الذين علمنا باستشهاد بعضهم في الحرب الجارية الآن. ونحن بطبيعة الحال قلقون مما يجري، ونتابع الأحداث عبر القنوات الإخبارية العربية المختلفة لمعرفة أدق التفاصيل، لا سيما والدي وأخوتي الذين أصبحوا أشبه بمراسلين في مواقع الأحداث الساخنة بسبب كثرة تفاعلهم، لمحاولة معرفة الأحداث عبر مختلف القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعونها عبر هواتفهم".
في العراق، يتحدث الجميع عن غزة، وتستمر التظاهرات في عدة أماكن. وقد تظاهر كثيرون عند الحدود العراقية مع الأردن، وعبروا عن غضبهم العارم مما يكابده أهل غزة من ظلم جراء العدوان البشع الذي يستهدف كل شيء، وهي ما يصفها عبد العزيز الزهران بأنها "مواقف تخفف ألمنا على أهلنا في غزة"، ويقارنها بما يجده أصدقاؤه الفلسطينيون الذين يعيشون في دول أوروبية حيث لا أصداء لما يجري في القطاع".
ويقول الزهران المولود في العراق لـ"العربي الجديد": "تعود أصولي إلى مدينة حيفا الفلسطينية التي هُجر منها جدي وأقاربه عام 1948 وقدموا إلى العراق. وبعض أقاربي يسكنون في قطاع غزة، علماً أن والدي تواصل مع بعض أقاربه في غزة من دون أن يستطع معرفة مصيرهم جميعاً، وبعضهم يعيشون الآن في مراكز إيواء تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)". يضيف: "ما يجري مؤلم جداً. أصبحت أحداث غزة شغلنا الشاغل، ونحن نحاول التخفيف عن والدي المتقدم في السن والذي يعاني من ضعف في عضلة القلب وأمراض أخرى، وكان يحلم بأن يجتمع مع أقربائه في الشتات وغزة، علماً أنه لا يُفارق شاشة التلفزيون حالياً، ويقلب المحطات لمعرفة كل جديد عن غزة".
وفيما يشعر الأشخاص الذين ليس لديهم أقارب في ساحات الصراع والحروب ومناطق وقوع الكوارث بهموم أقل، يبدو الأمر مختلفاً مع الفلسطينيين في العراق، الذين أوقفوا منذ أكثر من شهر عادات يومية مثل السهر بسبب قلقهم الشديد من أحداث غزة، وتفاعلهم مع ما يعانيه سكانها.
ويخبر الشاب الفلسطيني حسن عبادي الذي يعمل في تجارة الموبيليا، وكان يدأب على السهر مع أصدقائه في مقاهٍ وسط بغداد، لـ"العربي الجديد": "تشغلني أحداث غزة طوال اليوم، تبعدني الأخبار والأحداث عن الكثير من عاداتي اليومية، وأحياناً عن عملي أيضاً".
وليس لدى عبادي أقارب أو معارف في غزة، لكنه يؤكد أنه يتفاعل مع ما يحدث هناك، "فالناس في غزة أهل بلدي الأم، وقد أكون وُلدت في بلد يحترمني حيث عشت مع أهلي من دون أن نشعر بأننا غرباء، لكن سكان غزة معذبون في وطنهم، وهم يُهجرون من منازلهم وينتقلون للسكن في خيام. يُقتلون أمام مرأى العالم، تقصف مستشفياتهم ويقتل الأطفال والنساء ببشاعة، هذا مؤلم جداً". يضيف: "أحاول أحياناً ألا أتابع وسائل الإعلام كي لا أرى شيئاً من بشاعة ما يحصل في غزة، لكن ذلك غير ممكن فحديثنا داخل البيت عن غزة وأحداثها، وأيضاً خارجه حين ألتقي أصدقائي أو جيراني".