"الوطني الكردي" السوري يفتح باب الحوار مع "الاتحاد الديمقراطي"
فتح الرئيس الجديد لـ"المجلس الوطني الكردي" في سورية نعمت داوود، الباب مجدداً لاستئناف الحوار مع أحزاب "الإدارة الذاتية" وفي مقدمتها "الاتحاد الديمقراطي"، المسيطرة على شمال شرق سورية، والذي تعرقل قبل سنوات ما حال دون تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين، على الرغم من التوجه الأميركي الذي يهدف إلى ترتيب البيت الكردي في سورية.
وأبدى داوود، في تصريحات صحافية له الاثنين الماضي، استعداد المجلس لاستئناف المفاوضات مع أحزاب "الإدارة الذاتية"، محمّلاً "الاتحاد الديمقراطي" الكردي مسؤولية توقف الحوار الكردي - الكردي منذ أواخر 2020، مشيراً إلى أن المجلس ينظر إلى الهيكل القائم في شمال وشرق سورية على أنه إدارة بحاجة إلى تشارك بين المكونات "على عكس مسؤولي الإدارة الذاتية الذين يرونها سلطة". ولفت إلى أن الجانب الأميركي الذي يعمل وسيطاً بين الأطراف الكردية "غير متأهب بالفترة الحالية"، وأبلغ عن ذلك عبر "بريد إلكتروني رسمي قبل ثلاثة أشهر".
حوارات كردية بلا نتيجة
وكان "المجلس الوطني" و"الاتحاد الديمقراطي"، وهما أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري، قد خاضا عدة جولات حوار يرقى إلى مستوى المفاوضات في إبريل/نيسان 2020 لترتيب "البيت الكردي" السوري بدفع من واشنطن، إلا أنهما فشلا في التوصل لاتفاق على أساس اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، في أكتوبر/تشرين الأول 2014. ونصت الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل "حركة المجتمع الديمقراطي" (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية-25 حزباً) فيها 40 في المائة، و"المجلس الوطني الكردي" 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
ورأى القيادي في المجلس الوطني الكردي، سكرتير حزب اليسار الكردي، شلال كدو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد أي آفاق في المرحلة الراهنة لاستئناف الحوار بين الاتحاد الديمقراطي والأحزاب التي تدور في فلكه، وبين المجلس الوطني الكردي في سورية". وتابع: الحوار تعطّل نتيجة عدم إيمان هذه الأحزاب به. حزب الاتحاد الديمقراطي وهذه المنظومة لا ترغب ببدء حوارات جدية مع الأطراف الأخرى وهي لا تؤمن أبداً بمسألة الشراكة بين الأحزاب والقوى السياسية سواء كان في سورية أو غيرها، وبالتالي أنا لا أرى أي آفاق لبدء الحوار أو لنجاحه، ولا يوجد حوار حالياً حتى نتفاءل بنجاحه أو عدمه".
شلال كدو: لا توجد أي آفاق في المرحلة الراهنة لاستئناف الحوار بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني
ويرفض "الاتحاد الديمقراطي"، أبرز أحزاب "الإدارة الذاتية"، قبول الإعلان عن فك ارتباطه مع حزب العمال الكردستاني، وهو من أهم شروط المجلس الوطني للتوصل إلى اتفاق. كما يرفض إلغاء التجنيد الاجباري في منطقة شرق نهر الفرات، والسماح بدخول "البشمركة السورية" والتي تعد بمثابة ذراع عسكرية لـ"المجلس الوطني الكردي"، إلى الشمال الشرقي من سورية.
ويُنظر إلى "الاتحاد الديمقراطي"، الذي تأسس عام 2003، على أنه نسخة سورية من "العمال الكردستاني"، والمصنف من عدة دول ضمن خانة التنظيمات الإرهابية. ويتخذ "الاتحاد الديمقراطي" من "وحدات حماية الشعب" الكردية المهيمنة على "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ذراعاً عسكرية له. وتتهم المعارضة السورية الاتحاد بالسعي إلى تقسيم سورية، من خلال إنشاء إدارة ذاتية في شمال شرق البلاد، إضافة إلى ارتكاب جرائم تهجير.
من جهته، ينضوي المجلس الوطني في صفوف المعارضة السورية من خلال الائتلاف الوطني السوري، وهو ما يدفع "الاتحاد الديمقراطي" لاتهام منافسه الرئيسي بالتبعية للجانب التركي والتماهي مع رؤية أنقرة حيال المسألة الكردية في سورية والقائمة على رفض أي مشروع سياسي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تشكيل إدارة كردية في شمال شرق سورية.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية، وهي الداعم الأبرز للأكراد السوريين، قد ضغطت لفتح حوار بين الطرفين الكرديين لتشكيل مرجعية كردية سياسية واحدة في سورية، تمثل الأكراد السوريين في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية. وتدعم الولايات المتحدة "قسد" سياسياً وعسكرياً كونها الذراع البري للتحالف الدولي ضد الإرهاب في محاربة تنظيم "داعش"، وهو ما يعطي هذه القوات هامش مناورة سياسية واسعة مع المجلس الوطني الكردي الذي يحتفظ بعلاقات توصف بـ"الجيدة" مع الجانب التركي.
تباين واسع بين المجلس الوطني والاتحاد الديمقراطي
ويبدو أن التباين الواسع بالرؤى السياسية بين الجانبين (المجلس والاتحاد) سيكون معرقلاً لأي حوار مقبل، فالمجلس يريد شراكة كاملة في إدارة منطقة شرق نهر الفرات، وهو ما يرفضه "الاتحاد الديمقراطي" حتى اللحظة، إذ يصر على عدم المساس بـ"الإدارة الذاتية" في أي تسوية. كما يرفض دخول "البشمركة السورية" التي تضم مقاتلين سوريين كرداً متمركزين في شمال العراق، تحت هذا المسمّى، بل الاندماج في قوات "قسد"، حتى لا تكون هناك قوتان في المنطقة، وهو ما يرفضه المجلس الذي يريد أن يكون في صلب المنظومة الأمنية والعسكرية في شمال شرق سورية.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني، فيصل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية والتي توقفت في نهاية عام 2020، كانت تجري برعاية أميركية وبضمانة تنفيذها من قبل قائد قوات قسد مظلوم عبدي". وتابع: "خلالها توصلنا إلى تفاهمات حول الرؤية السياسية المشتركة والمرجعية الكردية العليا، ونقاط عديدة حول آليات المشاركة في الإدارة. كما ناقشنا بعض القضايا الخلافية مع مظلوم عبدي، ونسبة التفاهم كانت أكثر من الخلاف".
فيصل يوسف: أي توافقات وتفاهمات بين القوى السورية يجب أن تكون مبنية على ضرورة العمل على تنفيذ القرار 2254
وأضاف: "كان حرصنا على حل كل ما اعتمد بجدول العمل بالحوار وبروح المسؤولية العالية، ولكن الحوار توقف، وتعرّضت مكاتب المجلس للحرق، واعتُقل العديد من أعضاء المجلس من قبل مسلحي إدارة الاتحاد الديمقراطي". وبيّن أن المجلس "لم يعلن عن مقاطعة المفاوضات، بل أعلنها الجانب الآخر"، مضيفاً: "بقينا على اتصال مع الجهة الراعية والضامنة، إلى حين تم توقيع وثيقة من قبلهما (الجانب الأميركي وقائد قسد)، نصت على وجوب العودة للمفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، وعدم التعرض للمجلس وأنصاره، وحرية عملهم ونشاطاتهم، بالإضافة لبيان مصير المعتقلين، واختصار مدة المفاوضات لمدة زمنية قصيرة، ووقف الحملات الإعلامية".
وأكد يوسف أن المجلس "ما يزال يعتقد بأهمية الحوار لحل القضايا العالقة، ونشجع معظم القوى السياسية المعارضة على توسيع دائرة الحوارات مع مختلف الفئات والشرائح المؤمنة بالحل السياسي، والوصول إلى تفاهمات حول آليات الدفع باتجاه تنفيذ القرارات الدولية، وبالأخص القرار 2254، وإيجاد حل جذري للوضع القائم في البلاد". وأضاف: "نؤكد في المجلس أن أي توافقات وتفاهمات بين القوى السورية يجب أن تكون مبنية على ضرورة العمل على تنفيذ القرار 2254، وبما يفضي إلى بناء سورية ديمقراطية لامركزية لكل أبنائها".
وكان "المجلس الوطني الكردي" عيّن أخيراً رئيساً هو نعمت داوود، سكرتير حزب المساواة الديمقراطي الكردي، وقيادة جديدة مؤلفة من ثمانية أعضاء، خلال اجتماع للأمانة العامة عقد في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة في شمال شرق سورية. ويضم المجلس الذي تأسس أواخر عام 2011، 17 حزباً وتياراً سياسياً كردياً، إلى جانب اتحادات ونقابات مدنية ونسائية وشخصيات مستقلة. ويحظى المجلس بدعم واسع من قيادة إقليم كردستان العراق.
وقال داوود في حينه لـ"العربي الجديد" إن المجلس "استكمل مكاتبه التنظيمية"، مشيراً إلى أن المجلس أضاف 3 أعضاء إلى هيئة الرئاسة، أحدهم من المكون الأيزيدي، إضافة إلى عضو من المستقلين في المجلس الوطني وآخر يمثل منظمات المجتمع المدني، متابعاً: المجلس إطار سياسي يمارس سياسة متوازنة، بعيداً عن الشعارات، وهو مطالب اليوم بالعمل لتفعيل العملية السياسية للتوصل إلى حل شامل للقضية السورية.