ترجيح تمديد الهدنة وتبادل الأسرى: هل يتغيّر مسار الحرب؟
بعد مرور اليوم الثالث لعملية تبادل الرهائن – المعتقلين حسب الخطة المرسومة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي، تعززت إمكانية تمديد الهدنة التي تنتهي اليوم الاثنين. الإشارات والتلميحات الإيجابية التي صدرت أمس الأحد عن الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاره جيك سوليفان وكذلك عن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال مقابلة مع شبكة سي بي اس نيوز، والجانبين الإسرائيلي وحركة حماس رجحت كفة هذا الاحتمال.
والبعض اعتبر أنه صار بحكم الحاصل تمديد الهدنة، إذا لم يستجد طارئ، حيث قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، إن حكومته يمكن أن تقبل بتمديد الهدنة الإنسانية في غزة "مقابل إطلاق سراح 10 محتجزين خلال كل يوم هدنة إضافي". كما أبدى السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ عدم ممانعة إسرائيل للتمديد "يوما بيوم" إذا كان ذلك للإفراج عن المزيد من الرهائن، كما قال. وقد أكّدت هذه الجهات أن الجهود متواصلة للتوافق على الصيغة وبما يعكس تلاقي المصالح حول هذا الخيار ولو أن لكلّ أولوياته وحساباته المختلفة. وبالذات حسابات إسرائيل التي أقدمت مضطرة على هذه الصفقة بعدما تعذر عليها استعادة أي من رهائنها بالحرب، بعد خمسين يوما من التدمير والمجازر.
وليس هذا بسرّ في واشنطن بقدر ما هو حقيقة أثارت الكثير من القلق والمخاوف الأميركية المكتومة والمعلنة وبما يفسّر إصرار الإدارة ومعها فريق واسع في الكونغرس وأوساط النخب السياسية على التمديد علّه يتكرر ويتحول مع الوقت وتوالي عملية التبادل إلى حالة من وقف إطلاق النار تفتح الباب على البحث عن مخارج تفرضها معطيات اللحظة في حينه. فالإدارة بحاجة إلى فسحة تخفف الضغوط المحلية والدولية عليها وتحدّ من خسائر دعمها المفتوح لحرب أدت إلى فاجعة إنسانية.
ولم يكن من غير مدلول أن تخلو تصريحات المسؤولين بعد الصفقة من الإشارة إلى رفض الإدارة الأميركية لخيار وقف إطلاق النار الذي لطالما تمسكت به. كما لوحظ حصول تبدل في مفردات الخطاب، حيث غابت عبارة "القضاء" على حركة حماس واكتفوا بالحديث عن "إزالة خطرها" أو "ملاحقة قيادتها". ليس ذلك فحسب، بل هناك شكوك حول استئناف إسرائيل للحرب بالنمط السابق للهدنة، رغم الكلام عن "واجبها الأخلاقي" لمتابعة عملياتها العسكرية.
ومن المؤشرات ما بدا من "تحوّل" في الموقف الإسرائيلي الذي كان يتحدث عن أيام قصيرة محددة لإجراء عملية التبادل فيما أبدى انفتاحه في اليومين الأخيرين على التمديد. ويعكس ذلك تحسس إسرائيل المسبق "بمأزقها المزدوج القادم بعد الهدنة كما بعد الحرب". فالصعوبات الميدانية التي تنتظر القوات الإسرائيلية بعد الهدنة "هائلة"، وفق التقديرات العسكرية الأميركية. وبالتالي فإن الكلفة ستكون كبيرة والاحتجاجات أكبر. كذلك خياراتها لما بعد الحرب التي تبدو مفتوحة على وضع يشبه الحالة العراقية بعد حرب 2003. وفي الحالتين السيناريو محفوف بمخاطر التورط وتوسيع الحرب التي "ما زالت مآلاتها وذيولها ملتبسة"، حسب جنيفر كافانو وفردريك واري، من مؤسسة كارنيجي للدراسات والأبحاث.
ومن هنا التوجه الغالب نحو ترسيخ الهدنة وتطويرها ترافقه ضغوط على البيت الأبيض للتخلي عن سياسة الضوء الأخضر المفتوح على مداه لإسرائيل والتحذير من عواقب "الانفلاش العسكري" في الشرق الأوسط وانعكاساته السلبية في المدى الطويل على القدرات الميدانية الأميركية في الجوار الآسيوي – الصيني.
يواكب ذلك تزايد المطالبة في الكونغرس بضرورة مساءلة إسرائيل عن مخالفاتها "غير المقبولة"، وفق السيناتور كريس مورفي، في استخدام السلاح الأميركي ضد المدنيين خلافا للقانون الأميركي. ولا يقلل من أهمية الحديث عن هذا الموضوع أنه جاء متأخرا وبقصد تنفيس الضغوط على البيت الأبيض. والأهم منه تنامي المطالبة في الكونغرس بوجوب "ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بشروط" ودعوة الإدارة إلى التوقف عن منحها "شيكا على بياض" في النزاع مع الشعب الفلسطيني، بتعبير السيناتور "اليساري" بيرني ساندرز.
ويأخذ هذا التوجه أهميته من تزامنه مع تصاعد النقمة في صفوف القواعد الانتخابية للحزب الديمقراطي وبعض المستقلين على نحر المدنيين في غزة ودعم الإدارة اللامحدود للحرب؛ ولو أن حجم هذا التحرك في الكونغرس محدود نسبيا ولا يقوى ساندرز على حشد الدعم في مجلس الشيوخ لمثل هذا التحول في العلاقات مع إسرائيل. إلا أن ذلك لا ينفي تنامي الشعور وإن المضمر بالعبئ الذي صار يمثله الشريك العضوي لأميركا.
ومن التعبيرات في هذا الخصوص أن بعض الكتابات عمدت إلى وضع هذه العلاقة في ميزان الربح والخسارة، من خلال التذكير بحجم الدعم الأميركي الذي نالته إسرائيل منذ قيامها في 1948 والذي بلغ مجموعه "124 مليار دولار، يضاف إليها 14.3 مليار" خصصها بايدن أخيراً وتنتظر موافقة الكونغرس قريباً.
كما انعكس هذا الشعور بالنقمة العارمة على نتنياهو الذي أمعنت سياساته في التخريب الداخلي والفلسطيني والذي "أدى إلى الحالة الراهنة "، مع شبه إجماع في المطالبة بوجوب إزاحته من موقع رئاسة الحكومة. مع أن المسؤولية تتحملها الإدارات المتعاقبة وبالذات إدارة بايدن، لتهاونها وعملياً تواطؤها مع الانفلات الإسرائيلي بكافة أشكاله. ولذلك من الصعب أن يؤخذ كلام الإدارة عن اهتمامها الزائد الآن بحل الدولتين على محمل الجدّ. "لو كان الطقس ممطرا لكان سبقه تراكم الغيوم".