حروب الدفاع المزعوم عن النفس
السؤال اليوم لماذا تضرب "إسرائيل" المستشفيات والمخابز والمدارس؟ هل يُمكننا أن نصدق المزاعم الإسرائيلية بأن هناك تحت تلك المباني أنفاقاً عسكرية؟ وحتى مع وجود ألف دليل على عدم وجود أنفاق، لماذا تُصرّ "إسرائيل" على استهداف هذه الأبنية؟
في العودة إلى حرب الخليج، يوم أعلنت أميركا أن نظام صدام حسين يشكل خطراً على العالم، هل تعذّر عليها مثلاً استخدام آلياتها المتطوّرة وصواريخها العابرة للمحيطات ومعلوماتها الاستخبارية لاغتيال صدام وحاشيته ببساطة؟ ونحن نردّد "ببساطة" مجاراة لما تدّعيه أميركا من امتلاكها لتقنيات عسكرية متطوّرة تقنص الأهداف بدقّة، لكن أين ذهبت تلك الخبرات الاحترافية في حربها على العراق؟
لو سألنا ما الذي قامت به أميركا عام 1991، سنجد الإجابة واضحة، ببساطة لقد استهدفت الجسور والمستشفيات ومصافي النفط ومحطّات توليد الكهرباء ومنشآت تصفية المياه والمنشآت اللاسلكية ونُظم البثّ ومعامل تصنيع الأغذية، وقد قدّرت إحدى الدراسات أن استبدال المنشآت العراقية التي دُمّرت في أثناء الحرب يكلّف زهاء 200 مليار دولار.
ستصل الحرب إلى شرفات بيوت الذين يدّعون أنها لا تعنيهم
وكشف تقرير أعدّه فريق من المُحامين واختصاصيّي الصحّة العامة في "جامعة هارفرد"، صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، أن وفيّات الأطفال دون سنّ الخامسة في العراق قد تضاعفت خمس مرّات تقريباً منذ حرب الخليج، وأنّ زهاء مليون طفل يُعانون سوء التغذية، وأّن ما يصل إلى 100 ألف طفل يُواجهون الموت جوعاً.
هذا ما فعلته أميركا بحياة المدنيّين، أميركا التي تمدّ "إسرائيل" بالسلاح والمليارات والبلطجة الدولية. اليوم يُعيدون الجريمة نفسها في غزة، يريدون أن يُرجعوا ذلك الجزء من فلسطين إلى الوراء مئة سنة، هذا ما صرّحت به أميركا يوم ضربت العراق، لكيلا تقوم لتلك البلاد قائمة. أميركا تدّعي أنّ الناس متساوون في الحقوق والواجبات، لكنها تذكّرنا دائماً أن بعض الناس متساوون أكثر منّا نحن الذين لسنا على ملّتها ودينها و"حضارتها".
تبدو بوضوح اليوم أن معركتنا مع الكيان الصهيوني، ومن خلفه داعموه الغربيون، هي عدوان يأتي من ذهنية القرون الوسطى أيام غزو الفرنجة الرافع راية الدفاع في حرب دينية، وما هي في الحقيقة سوى حروب عدوانية تطورت بعد مئات السنين إلى الاستعمار الغربي الذي خرّب منطقتنا والعالم. عدوان يتستر دائماً بالدفاع عن النفس كما تُردّد الآن آلة الأكاذيب الإسرائيلية. أميركا نفسها في حربها على العراق عام 2003 كانت تدّعي أنها حرب من أجل الدفاع عن النفس، ونحن بيننا وبين أميركا محيطات وفرق توقيت، لكنها دائماً ما تشعر بالتهديد من شعوب منطقتنا. إذن هي معركة مع المنطقة العربية، يؤججها مختصو حروب صراع الحضارات وتدمير الشعوب ونهبها، ولن تقف المعارك عند غزة، بل ستصل إلى شرفات بيوت الذين يدّعون أن هذه الحرب لا تعنيهم.
* كاتب من العراق