النظام السوري يواصل التضييق على فعاليات التضامن مع غزة
صُدم "المجتمع الفلسطيني" في سورية بطريقة تعامل النظام مع محاولات ناشطين وقوى فلسطينية وسورية تنظيم تظاهرات وفعاليات للتضامن مع سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لعدوان إسرائيلي متواصل، إذ سعت السلطات إلى عرقلة هذه الفعاليات، ورفض أي تجمع جماهيري لا تشرف عليه أو تنظمه. وشهد عدد من المخيمات مسيرات وتظاهرات تضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة، من بينها مخيمات السيدة زينب، وخان دنون، وخان الشيح في ريف دمشق، ومخيما العائدين في حمص وفي حماة، والنيرب في حلب، ومخيم درعا في الجنوب السوري، لكن هذه الفعاليات لم تحظ بأية تغطية من جانب وسائل الإعلام التابعة للنظام، خلافاً لما جرت عليه العادة في هذه الحالات، ولم يعرف عنها إلا ما نشره ناشطون عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول الناشط منذر صبح، المقيم في مخيم السيدة زينب جنوبي دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "المتبقين من أهالي المخيم، ومجمل القاطنين في منطقة السيدة زينب وجوارها، حاولوا منذ الأيام الأولى لحرب غزة تنظيم تظاهرة تضامن، غير أن الجهات الأمنية التابعة للنظام طلبت منهم التريث، لكن الناس خرجوا بشكل عفوي، وكان التجمع متواضعاً نظراً لأنه لم يسمح بالحشد، ولم يشارك أي من مسؤولي النظام أو شعبة حزب البعث في الفاعلية، بل حضرت عناصر أمنية، وسألوا عن الترخيص، وطلبوا من المشاركين الانتهاء بسرعة، أو مواجهة الاعتقال".
وأوضحت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، أن النظام السوري فرض موافقات أمنية على الجهات والفصائل الفلسطينية الراغبة في تنظيم فعاليات أو وقفات تضامن مع قطاع غزة، بحجة "الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة، والحفاظ على الأمن"، وأن ممثلي الفصائل الفلسطينية وأهالي المخيمات يشكون من العراقيل التي تضعها الأجهزة الأمنية لمنع تنظيم أي تظاهرة، وأن التضييق الأمني شمل رفض الموافقة على وقفة تضامنية بالشموع لأطفال مخيم خان دنون.
ويقول مدير الإعلام في المجموعة فايز أبو عيد، لـ"العربي الجديد"، إن مصادر في "حزب البعث" أفادت بأن التعليمات جاءت بناء على تقديرات أمنية وسياسية اعتبرت أن خروج احتجاجات غير منضبطة قد يثير غضب الجانب الإسرائيلي والأميركي، ويعرض سورية لخطر التدخل العسكري.
وأضاف أبو عيد: "منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية في عام 2011، عمد النظام إلى تضييق الخناق على سكان المخيمات، فأقام الحواجز على مداخلها لمراقبة كل من يدخل أو يخرج، كما حاصر مخيم اليرموك، وهو أكبر مخيم في سورية، وبقية المخيمات، وحصر التنقل بمن يحمل بطاقة تحمل اسمه وأسماء عائلته، مع منع زيارة الأشخاص غير القاطنين في المخيم إلى أقاربهم إلا بموجب تصريح رسمي، ووجود كفيل من داخل المخيم، على أن يضع بطاقته الشخصية عند عناصر الحاجز، ويستردها عند خروجه".
وأوضح أن "النظام يفرض موافقات أمنية على الجهات والفصائل الفلسطينية التي تحاول تنظيم فعاليات تضامن مع قطاع غزة، وهو ما يتعارض مع المواقف والشعارات التي يطلقها بشأن أولوية قضية فلسطين، وتلك الإجراءات لم تكن قائمة قبل عام 2011، فمع أي عدوان على القدس أو غزة من قبل قوات الاحتلال، كانت المخيمات الفلسطينية تشهد احتجاجات عارمة للتعبير عن وقوفها الى جانب أهل فلسطين من دون أن تنتظر موافقات أمنية".
ويلاحظ الصحافي الفلسطيني عمار الأسدي، المهجر من مدينة حمص إلى الشمال السوري، أن التضييق على الأنشطة الفلسطينية المتعلقة بالتضامن مع أهالي غزة ليس مقصوراً على دمشق وريفها، بل يشمل مجمل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سورية، بما فيها مخيمات حمص وحلب واللاذقية.
ويقول الأسدي لـ"العربي الجديد"، إن "النظام يتخوف من تحول التجمعات من الغضب بشأن غزة إلى رفع شعارات سياسية ضده، خاصة مع تواصل المظاهرات المناهضة له في محافظة السويداء، ويبدو أن سلطات النظام باتت تعيش فوبيا التظاهر، وتسعى لأن يكون كل نشاط يتضمن حشداً شعبياً تحت إشرافها، وتشارك فيه فئات تابعة لها مثل الموظفين وطلاب المدارس".
ولم تشهد سورية سوى فعاليتين بارزتين خلال الأيام الأولى للحرب على غزة، واحدة في اللاذقية والثانية في دمشق، وتم فيهما حشد الموظفين وطلاب الجامعات بشكل أساسي، كما غطت وسائل الإعلام الرسمية وقفات التضامن التي نفذتها الكوادر الطبية في عدد من المستشفيات الحكومية في دمشق ومدن سورية أخرى، إضافة إلى وقفة نفذتها هيئات سورية وفصائل فلسطينية أمام مقر الأمم المتحدة في دمشق.
وقال أحد المشاركين في تظاهرة دمشق، والذي تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر الأمن الذين احتشدوا في المكان طلبوا من المتظاهرين التفرق حين ارتفعت حماسة المحتجين، وطالبوا بالرد على قصف إسرائيل المستمر للأراضي السورية، كما هتف آخرون باسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وعندها عمد المتظاهرون إلى رفع صور رئيس النظام بشار الأسد، وهتفوا باسمه لإبعاد الشبهات عن أنفسهم، وتجنب اعتقال أي منهم". ووفق أرقام "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فقد قتل 3207 لاجئين فلسطينيين، على يد قوات النظام السوري خلال الفترة من مارس/آذار 2011 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، إضافة إلى 2721 فلسطيني لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.