الحرب على غزة تدفع صندوق النقد لمراجعة توقعاته لنمو اقتصادات المنطقة
أعلن صندوق النقد الدولي أنه يراجع توقعاته الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ضوء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وجاء في مقال كتبه نائبا المديرة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، جون بلودورن وتالين كورانشيليان، أن الحرب سيكون لها عواقب واسعة النطاق على "الشعوب والاقتصادات" في المنطقة، رغم أن مدى التأثير لا يزال "غير واضح إلى حد كبير".
وقبل اندلاع الحرب الحالية، توقع الصندوق تراجع النمو في المنطقة من 5.6% في عام 2022 إلى 2% في عام 2023.
ولم يذكر ما إذا كانت المراجعات ستُصدَر قبل نشر التوقعات القادمة، المقرر نشرها في كانون الثاني/يناير المقبل.
وأضاف المسؤولان أن "نزاعاً واسع النطاق سيشكل تحدياً اقتصادياً كبيراً للمنطقة"، ووجها دعوة للمجتمع الدولي إلى التحرك للحيلولة دون مزيد من التصعيد.
وأكدا أنه في حالة نشوب نزاع واسع النطاق "الأمر المؤكد هو أن التوقعات الخاصة بالاقتصادات الأكثر عرضة للخطر بشكل مباشر ستُخفَض، وأن السياسات الرامية إلى حماية الاقتصادات من الصدمات والحفاظ على الاستقرار ستكون حاسمة".
وأشار المقال إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني سيكونان الأكثر معاناة من عواقب الحرب، متوقعاً امتداد التداعيات إلى البلدان المجاورة مثل لبنان ومصر والأردن.
وفي ظل مخاوف بشأن خطر التصعيد، عمد سياح إلى إلغاء سفرهم إلى تلك البلدان التي تشكل فيها السياحة مصدراً مهماً للنقد الأجنبي وفرص العمل، حيث إن انخفاض معدلات إشغال الفنادق سيؤثر بطريقة غير مباشرة في النمو.
إلا أن تأثير الحرب بسوق الطاقة والأسواق المالية كان محدوداً ومؤقتاً، فبعد الارتفاع الذي تجلى في بداية الحرب، تراجعت أسعار النفط وأضحت أقل من المستويات التي بلغتها قبل الحرب، التي لم تُفضِ إلى انقطاع في الإنتاج. وفي الوقت نفسه، أشار التقرير إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، غير أنها تبقى مرتفعة بنسبة 25% من مستويات ما قبل النزاع.
كانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، قد أكدت أن تأثيرات الحرب في غزة ما زالت محدودة بالنسبة إلى بقية اقتصاديات العالم، غير أنها تنبه إلى أن أي حادث يمكن أن يفضي إلى إرباك توريد الطاقة، أو يؤدي إلى الخوف على الأمن الطاقي، سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار النفط والتضخم في أوروبا.
انتكاس السياحة
ومن بين القطاعات الأكثر تضرراً في المنطقة خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية، قطاع السياحة الذي قال صندوق النقد الدولي إنه مثّل ما بين 35 و50% من صادرات السلع والخدمات في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2019.
وقال المسؤولان في صندوق النقد الدولي إن "الاقتصادات المعتمدة على السياحة مثل لبنان، حيث انخفضت معدلات إشغال الفنادق بنسبة 45 نقطة مئوية في تشرين الأول/أكتوبر مقارنة بالعام الماضي، ستشهد تأثيرات غير مباشرة على النمو".
وأشار المقال إلى أن ارتفاع حالة عدم اليقين حول الاتجاه الذي تتخذه الحرب يفضي إلى تراجع ثقة المستهلكين والشركات، الشيء الذي قد يؤدي إلى انخفاض الإنفاق والاستثمار.
وقال أوليفييه بونتي من شركة "فورورد كييز" التي تحلّل بيانات السفر في تقرير سابق، إن "الحرب أدّت إلى توقف طلبات السفر إلى إسرائيل"، وكان لها "تأثير مضاعف بالوجهات المجاورة، حيث تعاني دول الشرق الأوسط من انخفاض كبير في الحجوزات الجديدة".
وأضاف وفقاً لوكالة "فرانس برس" أن بعض السياح استبدلوا وجهات سفرهم المعتادة كمصر وتركيا بوجهات أخرى في جنوب أوروبا مثل إسبانيا واليونان والبرتغال.
حالة عدم اليقين
وأكد أنه في غياب وقف دائم لإطلاق النار، حتى لو ظل الصراع تحت السيطرة، قد تؤثر حالة عدم اليقين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما سيتجلى على مستوى قرارات الاستثمار.
وتوقع أن تكشف الأزمات عن نقاط الضعف الأساسية، فهما يريان أن ارتفاع علاوات المخاطر قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، وهو ما قد يؤثر بسرعة في الاقتصادات التي تعرف مديونية كبيرة.
وحذر من أن ارتفاع المخاطر بسبب الحرب قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، مع ما يترتب عن ذلك من آثار غير مباشرة على الاقتصادات المثقلة بالديون.
وفي حال استمرار النزاع، فإن "الدول الهشة التي تشهد نزاعات في المنطقة، مثل الصومال والسودان واليمن، يمكن أن تعاني انخفاضاً في تدفقات المساعدات الحيوية، إذا انزاح تركيز المانحين عنها"، وفق جون بلودورن وتالين كورانشيليان.
وأضاف المقال أن تدفقات اللاجئين يمكن أن تزيد أيضاً "بشكل كبير"، الأمر الذي يفاقم "الضغوط الاجتماعية والمالية في البلدان التي تستقبلهم".
واعتبر الخبيران أن تصعيد الصراع يمكن أن يشكل نقطة تحول في المنطقة، قد تطاول ما هو أبعد من الجيران المباشرين مثل العراق وإيران وسورية واليمن.
وأشار المقال إلى أن منطقة الخليج تنتج 35% من صادرات النفط العالمية و14% من إجماليّ الصادرات، فإن تأثير انقطاع الإنتاج المحتمل يلوح في الأفق بشكل كبير.
وصباح أمس الجمعة، انتهت هدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أنجزت بوساطة قطرية مصرية، واستمرت 7 أيام، جرى خلالها تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع الذي يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وفور انتهاء الهدنة، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية، حيث استهدفت مناطق متفرقة شمال ووسط وجنوب القطاع، أدت إلى سقوط 178 قتيلاً و589 جريحاً حتى مساء الجمعة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وجاءت الهدنة بعد حرب مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خلّفت دماراً هائلاً في البنية التحتية وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.