مسلحون وأمنيون عراقيون يسكنون "بيوت الدواعش"
رغم أنه لا يوجد أي سند قانوني، جرت مصادرة مئات من المنازل في مدن شمالي وغربي العراق، من جهات عدة بينها مليشيات مسلحة وعناصر في أجهزة أمنية ومتنفذون، بزعم أنها "بيوت الدواعش".
وتعتبر مصادرة بيوت العائلات التي تورط أحد أفرادها مع "تنظيم داعش" أبرز أشكال الإجراءات العرفية التي تتبعها الفصائل المسلحة في هذه المناطق، وأبرزها مليشيات "الحشد الشعبي"، إلى جانب العديد من الآثار السيئة التي خلفها اجتياح تنظيم "داعش" محافظات الأنبار وديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى وبابل ومناطق أخرى قرب العاصمة بغداد.
يقول مصدر في قيادة شرطة نينوى لـ"العربي الجديد": "جلب مصادرو المنازل أسرهم، وهم يعيشون فيها من دون سند قانوني، وينفذون ذلك باعتباره متعارفاً عليه. يشمل هذا آلاف المنازل في المناطق الشمالية والغربية، وأكثر من منزل ينتقل بين أشخاص مرتبطين بمسؤولين أمنيين وعسكريين أو فصائل مسلحة".
في مدينة الموصل، يسكن مسؤول في الشرطة العراقية منذ سنوات مع عائلته في منزل بمساحة 900 متر مربع يتضمن حديقة واسعة. ويقول أحد الجيران لـ"العربي الجديد": "تملك المنزل أسرة اتهم ابنها بالعمل مع داعش، لذا لا تستطيع العودة إليه، وتقيم حالياً في مخيّم نزوح".
وتوضح منظمة "أفاد" الحقوقية العراقية لـ"العربي الجديد" أن "كل المناطق المحررة من داعش شهدت عمليات استيلاء على منازل اتهم أصحابها بالتعامل مع داعش من دون إثبات ذلك قضائياً، أو إصدار حكم بحجز المنازل التي يستفيد منها مقاتلون في فصائل مسلحة ومسؤولون نافذون في أجهزة أمنية باعتبارها بيوت دواعش، ومن الشرعي الاستيلاء عليها، وعلى الحكومة الحد من هذه الممارسات غير القانونية. عمليات الاستحواذ على ممتلكات العائلات المُهجرة تعود إلى عام 2004، لكنها زادت بعد عام 2006 الذي شهد أحداثاً طائفية دامية، ثم تفاقم منذ عام 2014".
وتقول المستشارة في "أفاد" فاطمة العاني، لـ"العربي الجديد": "ضعف القانون وسطوة الأحزاب والمليشيات على الوضع العام في العراق أدى إلى استغلال هذه الممتلكات، فضلاً عن عدم السماح بإقامة قضايا الاستيلاء أو التزوير ضدهم، علماً أن القانون يعاقب المزور بالسجن 15 عاماً. مستوى تدمير الممتلكات كبير جداً، ومنازل غالبية العائلات النازحة دمرّت بالكامل، في حين لم توفر الحكومة العراقية البيئة الآمنة لعودتها، ولم تقم بتعويضها للسماح لأفرادها بممارسة حياتهم الطبيعية. حالياً لا يمكن أن تعود هذه العائلات إلى منازلها إلا من خلال قرار سياسي".
ويؤكد الباحث عبد القادر النايل، لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافاً أمنية وسياسية استغلت الحرب على داعش ذريعةً للاستيلاء على منازل العائلات التي نزحت، ومن بينها قوات الحشد الشعبي، كما جرى تفجير منازل أخرى بتواطؤ من الحكومات المحلية، والمساومة على بعضها مع مالكيها لإجبارهم على التنازل عنها مقابل إطلاق سراح أبنائهم من السجون".
ويشير إلى أن "عدد المنازل التي جرت السيطرة عليها كبير، ولا إحصاء رسمياً أو حقوقياً يوثق العدد بسبب صعوبة الوصول إليها في ظل المضايقات الأمنية، والحكومة تلتزم الصمت تجاه هذه الممارسات، والجهات التي تمنع عودة هذه العائلات أبرزها فصائل الحشد الشعبي والجهات المرتبطة بها".
ويؤكد نائب رئيس اتحاد الحقوقيين في محافظة الأنبار عادل الطائي، لـ"العربي الجديد"، أن "القوانين والتشريعات تنص على تشخيص الجريمة وفق القاعدة القانونية التي تقول إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والجريمة تخص شخص المتهم فقط، ولا يجوز أن يحاسب عليها باقي أفراد عائلته. عمليات بيع وشراء العقارات لا تحصل إلا بوجود تزكية أمنية توثق سلامة وضع البائع والشاري على صعيد عدم الانتماء إلى أي تنظيم إرهابي، وفي حال وجود أي مؤشر أمني في حق أحد الطرفين، لا تحصل عملية تحويل سند الملكية".
ويؤكد الطائي أن بيوتاً تخص عائلات عناصر في "داعش" لا تزال متروكة ولم يشغلها أحد، كما استغل أشخاص لا يملكون منازل بعضها، كما جرى منع شغل بيوت وعقارات تعود إلى عائلات عناصر في التنظيم لدوافع أمنية.
وحول عودة هذه العائلات، يوضح الطائي أن "بعضها عادت إلى منازلها بموافقات رسمية بعد أن تبرأت من أبنائها الذين انضموا إلى التنظيم. ينبغي أن تعالج الدولة الموضوع بحكمة، واحتواء الناس وحمايتهم كما حصل في دول أخرى، لأن النفور والحرمان سيزيدان الحقد والكراهية في المجتمع".