هل ترسم «الهدنة الإنسانيَّة» نهايات الحرب في غزة؟
عبد الحليم الرهيمي
ثمة من يتوقع بأنّ، الهدنة الانسانيّة، التي حققت وقف إطلاق النار بين اسرائيل وحركة حماس بشكل مؤقت ولأربعة أيام بدءاً من يوم الجمعة الفائت حتى يوم الاثنين سترسم النهايات أو الاحتمالات التي سيتخذها مسار هذه الحرب الإجراميّة وتطوراتها اللاحقة عبر استمرار الهدن أو توقفها.
المسار الأول الذي ترسمه تلك الهدنة التي انتهت منذ يومين كما هو مقرر ابتداءً قد تمدد إلى هدنة أو هدن أخرى كما اشار إلى ذلك الرئيس الاميركي بايدن وقادة أوربيون وعرب آخرون مع التمني بالتوصل إلى وقف تام ودائم للحرب وإطلاق النار.
لكن اصرار القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيليّة على مواصلة الحرب وبأقسى من الفترة الماضية بعد انتهاء الهدنة الانسانية سيثير غضب الفلسطينيين والدول العربية وسيحرج واشنطن وحلفاءها الاوربيين ويبدد رغبتهم بإنهاء هذه الحرب والتي عبروا عنها بتصريحات بعد تراجعهم التدريجي عن الانحياز التام لاسرائيل.
غير أن احتمال عودة اسرائيل لاستئناف الحرب ومهما كانت المدة التي ستستغرقها لن تمكنها من تحقيق اهدافها الإجراميّة، إنما ستصل إلى طريق مسدودة ترغمها، فضلاً عن الضغوط الدولية، خاصة الاميركية والاوربية، التي ستزيد الضغط عليها، وترغمها، كما يتوقع، والبدء بمفاوضات التسوية السلمية والقبول خلالها بالمطالب الوطنية الفلسطينية والعربية.
لذلك فإنّ المسار والاحتمال الثاني لتوقف هذه الحرب، بعد تحقيق هدنه أو هدن اضافية، هو أن القيادة الاسرائيليّة اليمينيّة المتعجرفة لن تستطيع الاستمرار في الوقوف ضد الإرادة الدولية وخاصة واشنطن وحلفاءها ومعهم الامم المتحدة، فضلا عن الموقف العربي الفلسطيني الرافض والمدين لاستمرار الحرب والمطالب بقوة لوقفها والبدء بالمفاوضات الجادة والعملية للتسوية السلمية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها (القدس الشرقية) على الحدود التي توقفت عندها حرب حزيران 1967.
وبالطبع فإن ما يساعد في تحقيق تلك المفاوضات والاحتمال الكبير لنجاحها هذه المرة اكثر من الحديث عنها من دون جدوى في المراحل السابقة هو ادراك المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة واوربا والمنظمة الدولية وحتى الدول الكبرى الأخرى كالصين وروسيا لأهمية وضرورة ايجاد حل سلمي حقيقي وعادل ينصف الفلسطينيين يلبي ويستعيد حقوقهم واهدافهم الوطنية اضافة لقرار وتحمس البلدان العربية والجامعة العربية والفلسطينيين للانخراط في تلك المفاوضات وفق الرؤية الفلسطينية العربية، وكذلك وفق القرار الاممي، قرار التقسيم عام 1947 الذي أقر بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية (اسرائيل).
إذ اعترفت الامم المتحدة بدولة اسرائيل التي تأسست حديثاً، لم يتمكن الفلسطينيون ومعهم الدول العربية من تأسيس دولة فلسطينية بجوار اسرائيل آنذاك.
ولذا يمكن الان العودة إلى ذلك القرار الاممي، بوصفه مرجعيّة دوليّة يستند اليها والعودة كذلك إلى تطبيق مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت عام 2001 وأقر المشروع الذي قدمه ولي العهد السعودي آنذاك الامير – الملك لاحقاً عبدالله، والذي أقر بضرورة التسوية السلمية وحل القضية الفلسطينية على اساس اقامة الدولتين: دولة فلسطين ودولة اسرائيل بجوارها.
ولأنَّ المفاوضات المفترض والمزمع إجراؤها بعد وقف اطلاق النار والحرب ستكون صعبة ومعقدة، فان هذا يتطلب من الوفد الفلسطيني – العربي المشارك فيها أن يحشد ما يستطيع من قوى اقليمية ودولية داعمة له في تحقيق الهدف الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وذات سيادة وستطرح في هذه المفاوضات ايضاً قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، البحث في مسألة حكم وادارة غزة، وصولاً إلى دمج غزة والضفة الغربية، كما كانت قبل انقلاب “حماس” على سلطة منظمة التحرير عام 2005.
وستكون احدى القضايا المعقدة، هي الحكم او السلطة المتوقع تسلمها مقاليد الامور بغزة بعد وقف الحرب، وان مصير ودور حماس في هذه السلطة أو في المفاوضات سيدور حولها سجال كثير حيث ترفض اسرائيل ومعها واشنطن والدول الاوربية ذلك، وهذا يتطلب ويستوجب البحث عن (توليفة) مناسبة لتجاوز هذه الاشكالية بالاقتراح على (حماس) تحولها لحزب سياسي غير عسكري أو التمسّك بعدم اشراكها بالمفاوضات وأي دور مستقبلي لحكم غزة أو الحكم الفلسطيني الشامل لتسهيل تحقيق الهدف الوطني الاكبر وهو اقامة الدولة الفلسطينة المستقلة.. وهكذا يمكن حل الاشكالات المحتملة بالمفاوضات بإرادة وقناعات المتفاوضين.