ريف دير الزور... اضطرابات أمنية تعيق الاستقرار
لم تنته اضطرابات ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتحالف الدولي منذ إقالة قائد مجلسها العسكري قبل أشهر، حيث قتل قيادي بارز في هذه القوات التي تحاول كما يبدو ترميم هذا المجلس، أو إعادة تشكيله، لإدارة المنطقة الغنية بالنفط.
وكانت "قسد" نعت عضو مجلسها العسكري وعضو قيادة "مجلس دير الزور العسكري" شيروان حسن، الملقب بـ"روني ولات"، إثر استهدافه بعبوة قبل أسبوع شرقي دير الزور، في أكبر خرق أمني تشهده هذه القوات في هذا الريف المضطرب.
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن روني، وهو من أكراد محافظة الحسكة، "كان عقبة أمام تشكيل مجلس عسكري جديد بعد إقالة قائد المجلس المدعو أحمد الخبيل في أغسطس/آب الماضي".
أبو عمر البوكمالي: هناك أزمة ثقة بين العشائر العربية و"قسد" منذ إقالة الخبيل
ووضعت "قسد"، التي تشكل "الوحدات" الكردية الثقل الرئيسي فيها، الخبيل وقتها تحت الإقامة الجبرية، بتهم تتعلق بالفساد وسوء الإدارة و"التنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة"، في إشارة إلى النظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على ريف دير الزور، جنوب نهر الفرات.
اشتباكات بين مسلحين من العشائر و"قسد"
ويشهد ريف دير الزور منذ ذلك الحين اضطرابات واشتباكات بين مسلحين من العشائر وبين "قوات سوريا الديمقراطية"، المتهمة بتهميش وإقصاء العرب في المنطقة عن مفاصل القرار الإداري والأمني والعسكري لصالح قياديين أكراد، كان أبرزهم روني.
ويقود الحراك المناهض لـ"قسد" في ريف دير الزور شيخ قبيلة العكيدات، أكبر قبائل المنطقة، إبراهيم الهفل، الذي تواصل قواته شن هجمات على "قسد" في عدة بلدات منذ عدة أشهر.
ويُتهم الهفل بالارتباط بالنظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على ريف دير الزور جنوب النهر، وفق الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي. وبيّن البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهفل "بصدد تشكيل خلايا تابعة له في ريف دير الزور لمناكفة قوات قسد".
أزمة ثقة بين العشائر العربية و"قسد"
وقال: هناك أزمة ثقة بين العشائر العربية و"قسد" منذ إقالة الخبيل، ولكن الثمن الذي سيدفعه ريف دير الزور في حال قدوم النظام والإيرانيين باهظ، لذا غالبية السكان يرفضون هذا الأمر بالمطلق، ويريدون مجلساً عسكرياً قوياً يمثلهم ويعيد الاستقرار.
وأشار إلى أن "تقديم الخدمات للسكان والاهتمام بالمرافق الصحية والتعليمية خطوة واسعة باتجاه استعادة الثقة بقوات قسد من قبل الأهالي". ولفت إلى أن "ريف دير الزور غني بالثروات النفطية، فأين تذهب كل هذه الأموال؟ هناك فساد وسوء إدارة".
واستبعد البوكمالي عودة الخبيل إلى قيادة المجلس العسكري مرة أخرى في ريف دير الزور، "لأن عودته ستؤدي إلى خلل كبير في المنطقة، لا سيما أن بعض العشائر ساندت إقالته بسبب التجاوزات التي ارتكبها، وهيمنته على المشهد في ريف دير الزور بشكل كامل". ولفت إلى أن المطلوب تشكيل مجلس عسكري يضم عدة أشخاص من أبناء المنطقة، مرتبط بالتحالف الدولي.
وتشي الأحداث في ريف دير الزور أن قيادة "قسد" تواجه صعوبات في تشكيل مجلس عسكري للمنطقة يرضي الحاضنة الاجتماعية، ولا يتسبب بمتاعب لها كما كان يفعل المجلس السابق وقائده الخبيل.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، بيّن القيادي في "قسد" محمود الحبيب أن بنية هذه القوات الأساسية "مؤلفة من المجالس العسكرية، بدءاً من القيادة العامة وحتى أصغر فصيل، بتراتبية هرمية تتيح سهولة إصدار القرارات والأوامر من رأس الهرم، وتلقي تحديثات الموقف من قاعدته". ولفت إلى أن هذا الأمر أتاح سهولة الحركة ومرونة في تنفيذ المهام العسكرية.
وأوضح أن مهمة هذه المجالس هي "مواجهة أي تهديد والدفاع ضد أي عدوان عسكري يقوم به العدو التركي ومرتزقته، والتصدي لأي تخريب أمني كما حدث أخيراً في الريف الشرقي لدير الزور، وذلك من خلال حماية الحدود والانتشار على خطوط التماس، والعمل الميداني على الجبهات الساخنة، والتصدي لخلايا تنظيم داعش أو غيرها من المجاميع التي تحاول زعزعة الأمن".
فراس علاوي: مقتل روني دليل على الفساد الموجود في بنية "قسد" الأمنية والإدارية
وأكد الحبيب أنه "يجرى العمل على ترميم وإعادة هيكلة مجلس دير الزور العسكري بعد الأحداث المؤسفة التي كان يقف خلفها بعض أعضاء المجلس السابقين". ولفت إلى أن "قسد" تعمل على تأمين المنطقة وحمايتها لمواجهة أي اعتداء عليها.
وتابع: هناك تنسيق بين كافة المجالس العسكرية في شرق الفرات، الأمر الذي فرض احترام قوات التحالف الدولي لقواتنا، حيث أقر بانضباط مقاتليها وكفاءتها العسكرية والميدانية.
مقتل روني اختراق أمني
وفي المقابل، رأى مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مقتل القيادي في "قسد" روني، قبل أيام، "اختراق أمني واسع، وضعف بالإجراءات الأمنية في قوات قسد، ودليل على الفساد الموجود في بنيتها الأمنية والإدارية". واعتبر أنه يتعين "على التحالف الدولي تشكيل مجلس عسكري من أبناء المنطقة ينال ثقة الحاضنة الاجتماعية ويضمن استقرار المنطقة".
ولمحافظة دير الزور، المنقسمة اليوم ما بين النظام و"قسد"، طبيعة عشائرية، إذ تقطنها قبائل عربية جنوب النهر، أو ما يُعرف محلياً بـ"الشامية"، أو شمال النهر المعروف بـ"الجزيرة".
وتسيطر "قسد" على جل ريف دير الزور الواقع شمال نهر الفرات والذي يضم عدة بلدات، أبرزها الباغوز، والسوسة، وهجين، والشعثة، والجرذي، والسويدان، والطيّانة، والشحيل، والبصيرة، والهرموشية، وجزرة بو حميّد، والكشكية، وأبو حمام والغرانيج. ويعد هذا الريف منطقة نفوذ للتحالف الدولي بقيادة أميركا، وفيه أكبر القواعد العسكرية، وفي مقدمتها: قاعدة حقل العمر النفطي التي تنتشر فيها قوات متنوعة، أميركية وفرنسية وبريطانية، وجرى تزويدها بمهبط للطيران المسيّر والمروحي يضم 12 مروحية قتالية، وفيها أيضاً معتقل تابع للقوات الأميركية.
في المقابل، يسيطر النظام والمليشيات الإيرانية على الجانب الجنوبي من محافظة دير الزور، الذي يضم مدن دير الزور (مركز المحافظة)، والميادين، والبوكمال على الحدود السورية العراقية.