قواعد أميركية في فلسطين المحتلة: تطبيق تيك توك منصة للتوظيف
عبر تسليط الضوء على الشاب توماس ليثام الذي يستخدم منصة تيك توك في تجنيد محاربين قدامى في قواعد عسكرية أميركية سرية في إسرائيل، يمكن الحصول على نظرة إلى كيفية تربح الشركات الأمنية الخاصة، وتحديداً الأميركية، من الحروب والصراعات حول العالم.
على حساب توماس ليثام (26 عاماً) على "تيك توك"، نشر فيديو يقول فيه: "هناك جوانب مضيئة في أن يكون الشخص مقاولاً... هذا المنظر يكلف 4 آلاف دولار في الولايات المتحدة"، ثم يحرّك كاميرته ليعرض لمتابعيه إطلالته من مبنى شاهق في مدينة بئر السبع المحتلة حيث احتفل الجيش الإسرائيلي، عام 2017، بتدشين قاعدة عسكرية أميركية، وهي خطوة حاول البنتاغون التقليل من أهميتها.
هذا الفيديو واحد من بين مقاطع كثيرة نشرها ليثام عبر حسابه الذي يحتفي من خلاله بعمله مقاولاً عسكرياً. وقال الشاب الأميركي، لموقع ذي إنترسبت الإخباري، إنه يواظب على الإعلان عبر حسابه عن فرص عمل لمساعدة المحاربين القدامى الذين يفتشون عن وظيفة بعد انتهاء خدمتهم العسكرية.
في البداية، كانت منشوراته جزءاً من عمله في شركة الأمن الخاصة تريبل كانوبي (Triple Canopy). لاحقاً ترك وظيفته في هذه الشركة، وعيّن في شركات أخرى مماثلة، لكنه استمر في النشر. ويقدم حساب ليثام على "تيك توك" لمحة عن العالم السري لهذا النوع من التعاقدات. في حديث ليثام لـ"ذي إنترسبت"، قال: "أعتقد أن ما أقوم به يجدي نفعاً لأن هذه الصناعة يحيط بها الغموض... الناس يحبونني لأنني لا أحتفظ بالمعلومات لنفسي".
وأضاف شارحاً طبيعة هذا العمل الذي يتغذى على الحروب: "في التعاقدات الخاصة، بغض النظر عن المجال الذي تنتمي إليه، أنت تحتاج إلى صراع. أنت تحتاج إلى ما تحميه. إذا لم يحدث أي شيء، فإن هذه العقود لا تدر كثيراً من المال".
ومع ذلك، فإن العقود تعكس ميزانية عسكرية متضخمة تستعين بمصادر خارجية لأمنها، مما يخلق مكاسب غير متوقعة لشركات الأمن الخاصة للقيام بما كان في السابق وظيفة حكومية أميركية. وفي هذا السياق، أوضحت المحللة في مركز المعلومات الدفاعية التابع لمشروع الرقابة الحكومية (Project on Government Oversight’s Center for Defense Information)، جوليا غليدهِل: "هذا الأمر يعكس حقاً أولوياتنا التي قام البنتاغون بإبعادها عن المهام الأساسية مثل أمن القواعد"، معتبرة أن أولويات الدفاع يبدو أنها مصممة خصيصاً للمقاولين.
تتطلب العديد من فرص العمل التي يعلن عنها ليثام عبر "تيك توك" الحصول على تصاريح أمنية حكومية، مما يعني أن المرشحين المحتملين سيكونون في كثير من الأحيان من المحاربين القدامى أو أولئك الذين عملوا بالفعل في عالم الأمن الخاص. ويمكن أن يجمعوا بين الأمرين.
على "لينكد إن"، كتب ليثام في أحد منشوراته: "على الرغم من غموض صناعة الدفاع، فقد تمكنت من فتح بوابة لشركة تريبل كانوبي إلى سوق مباشر للأفراد المؤهلين". ومع حاجة الشركات للوصول إلى أشخاص من الشباب للتعاقد على الوظائف، فإن "تيك توك" هي الوجهة المناسبة.
هذه المنصة، المملوكة لشركة بايتدانس الصينية، تحظى بشعبية واسعة تحديداً بين صغار السن. تستقطب "تيك توك" 150 مليون مستخدم نشط في الولايات المتحدة، نحو 12 مليونا منهم دون 18 عاماً. متوسط عمر مستخدمي "تيك توك" في الولايات المتحدة هو 31 عاماً.
وقال خبير التعاقدات الدفاعية في معهد كوينسي، ويليام هارتنغ، إن شركات مثل "تريبل كانوبي" ربما باتت تلجأ إلى منصات على غرار "تيك توك" لتوسيع نطاق وصولها إلى الموظفين المحتملين. وأضاف هارتنغ: "قد يكون السبب بسيطاً، مثل البحث عن منصات حيث من المرجح الوصول إلى المجندين المحتملين الأصغر سناً".
بعدما ترك ليثام الجيش الأميركي عام 2021، تواصلت معه شركة تريبل كانوبي لتوظيفه في الكويت. سيطرت عليه الحماسة، فنشر فيديو على "تيك توك"، مدته 15 ثانية، أعلن فيه لمتابعيه حجم المال الذي يمكن الحصول عليه من تسلم مثل هذه الوظيفة. وسرعان ما انتشر الفيديو على نطاق واسع. تنبهت الشركة المذكورة إلى ذلك، فسلمته مهمة توظيف أشخاص جدد.
وقال ليثام إن "العصر الذهبي" للتعاقدات الأمنية الخاصة كان خلال حرب العراق. وفي الحقبة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، سعت إدارة جورج بوش إلى خصخصة مجهودها الحربي العالمي، عبر منح الشركات عقوداً لكل شيء، بدءاً بالخدمات اللوجستية إلى توفير الأمن. في السنوات العشر الأولى من حرب العراق، أنفقت الولايات المتحدة نحو 140 مليار دولار على عقود مع الشركات، ومن بينها مقاولو الأمن الخاص.
مع انتهاء حربي العراق وأفغانستان، أصبحت فرص العمل المتاحة أقل، على الرغم من أن ليثام قال إن "الصراعات الجديدة" قد تغير ذلك. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، نشر فرص عمل عبر "تيك توك" لصالح "تريبل كانوبي" في ألمانيا، حيث تدير القيادة الأوروبية للبنتاغون الكثير من جهودها لدعم دفاع أوكرانيا ضد روسيا.
وبعد يومين من معركة طوفان الأقصى التي شنها مقاومو "القسّام"، الجناح المسلح لحركة حماس، في المنطقة التي تعرف باسم "غلاف غزة"، في السابع من أكتوبر، أطل ليثام عبر "تيك توك" قائلاً: "منذ غزو حماس إسرائيل، كثر الحديث عمّا إذا كنا سنوسع عملنا داخل إسرائيل"، قبل أن يعرض قائمة من الوظائف المتاحة في هذا المجال في القدس المحتلة، من دون أن يكشف عن الجهة التي تبحث عن موظفين.
وقال لـ"ذي إنترسبت": "هناك الكثير مما يجري مع إسرائيل على وجه الخصوص، والذي لا يعرفه الكثير من الناس. لدينا قواعد عسكرية عدة هناك"، في إشارة إلى شبكة القواعد التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في أغسطس/ آب، منح البنتاغون عقداً قيمته 38.5 مليون دولار لبناء مرافق لإيواء القوات في قاعدة سرية في الأراضي المحتلة، حسبما كشف "ذي إنترسبت" أخيراً. وتشمل القواعد الأخرى مخزونات الأسلحة التي احتفظ بها الجيش الأميركي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الثمانينيات، والتي كانت مخصصة في الأصل للاستخدام من قبل الولايات المتحدة في حالة نشوب حرب إقليمية، ولكن إسرائيل اعتمدت عليها بشكل متزايد لأغراضها الخاصة على مر السنين. وأشار "ذي إنترسبت"، الشهر الماضي، إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب أخيراً من الكونغرس إزالة جميع القيود تقريباً المفروضة على قدرة إسرائيل على الوصول إلى هذه المخزونات.
والعام الماضي، منح الجيش الأميركي "تريبل كانوبي" عقداً قيمته 21 مليون دولار، لحراس أمن مسلحين في موقع اتصالات لم يتم الكشف عنه ولم يتم الإبلاغ عنه سابقاً في الأراضي المحتلة. يتطلب هذا العمل تصريحاً أمنياً سرياً.