الانتخابات المحلية العراقية: خريطة جديدة بغياب المدنيين و"التيار الص
يتوجه ملايين العراقيين إلى مراكز الاقتراع اليوم الاثنين في عموم مدن العراق، باستثناء محافظات إقليم كردستان الثلاثة، للمشاركة في الانتخابات المحلية الثالثة من نوعها منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، والتي من المقرر أن تسفر عن اختيار الحكومات المحلية للمحافظات، المسؤولة عن ملفات الخدمات والشؤون المحلية، بحسب ما ينص عليه الدستور.
وستجرى انتخابات مجالس المحافظات العراقية في بغداد، والأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، وديالى، وكركوك، وبابل، وذي قار، والقادسية، وكربلاء، والنجف، والمثنى، وواسط، والبصرة، والديوانية، بواقع 15 محافظة من أصل 18، حيث لن تجرى الانتخابات في دهوك وأربيل والسليمانية، باعتبارها محافظات في إقليم كردستان شمالي العراق، الذي يمتلك حكومة محلية لإدارته.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي، وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013.
ويحق لأكثر من 23 مليون عراقي من أصل 42 مليون نسمة المشاركة في التصويت، فيما تشارك 296 حزباً سياسياً انتظمت في 50 تحالفاً. ويتنافس المرشحون على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات بشكل عام، مع تخصيص 75 منها ضمن كوتا للنساء و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية.
ويبلغ عدد مراكز الاقتراع أكثر من 7 آلاف مركز (مبنى انتخابي) كما يبلغ مجموع المحطات الانتخابية (الصناديق) قرابة 39 ألفاً موزعة على مختلف مدن البلاد.
وتجرى الانتخابات وسط مقاطعة غير مسبوقة من قبل "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، صاحب الثقل الأكبر في الشارع العربي الشيعي جنوبي ووسط البلاد، إلى جانب قوى مدنية مختلفة اعتبرت أن الانتخابات الحالية "لا تحمل جديداً" من جهة الوجوه المشاركة، وكذلك النمط الذي تسير عليه الانتخابات بعد إقرار قانون جديد لها.
فأصوات الناخبين تُحتسب وفقاً لآلية "سانت ليغو"، التي تعتبرها تلك القوى تصب في صالح الأحزاب الكبيرة، حيث تعتمد تلك الآلية على تقسيم أصوات التحالفات على القاسم الانتخابي 1.7، ما يجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين المستقلين والمدنيين، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
ومن المتوقع أن يُعلَن عن نتائج هذه الانتخابات بشكل أولي بعد 48 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع في الساعة السادسة من مساء اليوم بتوقيت بغداد.
مع العلم أنه، أول من أمس السبت، جرت الانتخابات الخاصة بالقوات الأمنية والنازحين العراقيين في المخيمات. وقالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، في بيان مساء السبت، إن نسبة المشاركة فيها بلغت أكثر من 67 بالمائة، حيث "بلغ عدد الناخبين المصوتين 706 آلاف و805، من أصل مليون و50 ألفاً و653 ناخباً".
وتستنفر قوات الأمن العراقية منذ أيام جهودها لتأمين عملية الاقتراع وما بعدها، المتمثلة بنقل صناديق الاقتراع إلى مراكز العد والفرز الرئيسة بالعاصمة بغداد، حيث يشارك أكثر من نصف مليون عنصر أمن وجيش في تأمين المدن.
لكن بدا واضحاً أن مهمة قوات الأمن هذه المرة تتعدى حماية المراكز من الهجمات الإرهابية إلى منع أي عمليات ترهيب أو تزوير أو نقل جماعي للناخبين إلى مراكز الاقتراع، بحسب عضو في مجلس أمناء مفوضية الانتخابات العراقية، والذي فضّل عدم ذكر اسمه.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن مهمة قوات الأمن ستكون "مكافحة التزوير والضغط على الناخبين"، معتبراً أن "مشاركة الفصائل في الانتخابات عبر مرشحين لها ترفع من احتمالات ممارسة ضغوط على الناخبين، خصوصاً في المناطق التي تنتشر فيها عسكرياً".
تنافس داخل المكونات الواحدة
وعلى خلاف الانتخابات البرلمانية، اتسمت الانتخابات المحلية بالتنافس بين الأحزاب السياسية من المُكوّن الواحد، إذ بدا التسابق بين الأحزاب العربية السنّية على أشده في المحافظات ذات الثقل السكاني الكبير، خصوصاً في الأنبار ونينوى وبغداد، وصلت إلى حدّ تبادل الاتهامات والشتائم بين بعض النواب.
كما تُحمّل الأطراف بعضها بعضاً مسؤولية الإخفاق السياسي والأمني في السنوات الماضية، خصوصاً عقب اجتياح تنظيم "داعش" العراق. أما التنافس بين القوى العربية الشيعية في المحافظات الجنوبية، فبدا أكثر هدوءاً، خصوصاً أن الجميع منضوٍ حالياً داخل "الإطار التنسيقي".
أما بغداد ونينوى وديالى وكركوك، فظهرت فيها حدة التنافس من مختلف القوى السياسية العراقية السنية والشيعية والكردية، وحتى تلك التي تمثل الأقليات.
الهيمنة السياسية والأمنية
عضو الحراك المدني العراقي منتظر الكناني اعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ارتفاع عدد الكيانات التي تمثل الفصائل المسلحة في الانتخابات، مقارنة بالانتخابات السابقة، "يؤشر إلى مخالفة جديدة لقانون الانتخابات، ومن ثم نوايا للهيمنة على العملية السياسية من خلال المشهد الأمني".
الكناني: نحو 20 فصيلاً مسلحاً تشارك بالانتخابات،علناً أو عبر من يمثلها
وأضاف أن قانون مفوضية الانتخابات يحظر مشاركة الكيانات التي تملك أجنحة مسلحة لها بالانتخابات، موضحاً أنه "اليوم نحن أمام نحو 20 فصيلاً مسلحاً تشارك بالانتخابات، بشكل معلن أو من خلال ممثلين عنها، أبرزها عصائب أهل الحق، وسرايا عاشوراء، وبدر، وجند الإمام، والإمام علي، وبابليون، وكتائب حزب الله، والأوفياء، وحشد الشبك، وصولا إلى حشود العشائر السنّية".
ورأى أن "هذه مخالفة كبيرة للقانون، وأيضاً غير منطقية في ظل وجودهم على الأرض يحكمون بالسلاح وبالمال أيضاً". وفي وقت قال إن "دخول القوى المدنية سيمنح الانتخابات شرعية أكثر"، اعتبر الكناني أن قرار قوى مدنية أخرى بالمشاركة أنه "قراءة خاصة بهم يجب احترامها".
خريطة جديدة بعد الانتخابات
وفقاً لتحليلات مراقبين، فإن المشهد السياسي لن يكون مختلفاً عن الوضع الحالي من ناحية القوى المُمسكة بالمحافظات، إذ يتولى إدارة المحافظات حالياً محافظون من أحزاب وقوى نافذة، لكن تسلسل تلك القوى سيختلف من جهة عدد المقاعد التي ستحصل عليها في كل محافظة.
ويوفّر غياب "التيار الصدري" فرصة كبيرة في جنوب العراق لتغيير واسع في مشهد الحكومات المحلية، خصوصاً النجف وكربلاء والبصرة التي ظل فيها "التيار" مهيمناً على حكوماتها المحلية منذ عام 2006.
بالمقابل، تسعى التيارات والأحزاب من خصومه التقليديين، وأبرزها حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي وتيار "الحكمة الوطني" بزعامة عمار الحكيم، إلى استغلال هذا الغياب للحصول على أكثر من نصف تلك المقاعد، وذلك بما يضمن لها تسمية المحافظ ونائبيه ورئيس مجلس المحافظة، منها.
من جهة ثانية، فإن المنافسة شمالي وغربي العراق تكاد تنحصر بين حزبَي "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان المقال حديثاً محمد الحلبوسي، وحزب "السيادة" بزعامة خميس الخنجر.
السهلي: اختيار المواطنين سيكون للشبان والوجوه المدنية
وفي السياق، قال الناشط في "التيار الصدري" علي السهلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "جمهور التيار ومقلدي المرجع محمد صادق الصدر لن يشاركوا بالانتخابات"، موضحاً أن "الخطأ يتكرر من القوى المدنية في مقاطعة بعضها للانتخابات، ولو شاركوا، لتوجه الناس إلى الاختيار بينهم وبين الأحزاب الحالية". وتوقّع أن "اختيار المواطنين سيكون للشبان والوجوه المدنية".
من جهته، علّق الخبير بالشأن الانتخابي العراقي باسل حسين على انتخابات اليوم بالقول إنه "عندما تغيب المشاريع، ويغيب الإنجاز، فلا سبيل لاستجداء أصوات الناخبين غير الطائفية". وأضاف في تصريحات صحافية، أمس الأحد، أن "المواطن أكثر وعياً من هؤلاء (الأحزاب)، ولم يعد الخطاب الطائفي جاذباً".
وتوقع أن تكون خريطة الانتخابات على النحو "الذي ينافس فيه الإطار التنسيقي نفسه على من يتصدر الزعامة الشيعية، وسنياً ستكون انتخابات صراع على الوراثة والبقاء، أما كردياً فهو البحث عن مقاعد في خطوط الصدام"، في إشارة منه إلى محافظتي كركوك ونينوى.