المقاطعة لا تأخذ مفعولها في العراق: عجز عن دعم الصناعات المحلية
في ظل ما يعانيه العراق من أزمات متتالية تتعلق بارتفاع سعر الصرف، وغزو المنتجات الغذائية الأجنبية السوق، ومع استمرار دعوات المقاطعة للشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، أتيحت الفرص المناسبة لدعم مشاريع الصناعات الغذائية المحلية، وزيادة الاستثمارات فيها، لمد السوق بالصناعات الغذائية الوطنية كبديل للمنتجات الأجنبية المنتجة من قبل هذه الشركات، في سياق تزايد قوة حركة المقاطعة لبضائع الشركات الإسرائيلية والداعمة للاحتلال.
وتُعد الصناعات الغذائية من الصناعات التحويلية المهمة التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني؛ وذلك لارتباطها الوثيق بعملية التنمية الاقتصادية، وإسهامها الكبير في تحقيق الأمن الغذائي العراقي، وفق استراتيجية واضحة للنهوض بواقع الصناعات الغذائية المحلية. إلا أن إغراق الأسواق بالمواد المستوردة، وإهمال المصانع خاصة الحكومية منها، وعدم توفير دعم للصناعيين يسهم في إضعاف مسار النهوض بالقطاع الصناعي العراقي رغم الحاجة الكبيرة له.
ويدعو متخصصون في أحاديث مع "العربي الجديد" إلى دعم قطاع مشاريع الإنتاج الغذائي المحلي المتمثلة بمعامل الألبان، والصناعات الغذائية التحويلية، والتمور، والزيوت، ما يشكل عامل تنمية مهماً للنهوض بالواقع الاقتصادي المحلي، والتخلص من البضائع المستوردة، وتجنّب منتجات شركات المقاطعة.
ثورة الصناعات لدعم المقاطعة
وأكد الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، أن العراق اليوم بحاجة إلى ثورة في الصناعات الغذائية، ودعم متكامل للنهوض بهذا القطاع الشامل والمهم في تطوير وتنمية السوق المحلية، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، في ظل توافر فرص الإقبال على استهلاك المنتجات المحلية، بدلاً من المنتجات المستوردة للشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وأشار الحلو، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن أغلب العراقيين يتناولون الأغذية الطازجة، ولا يرغبون في شراء الأغذية المعلبة، ومع تزايد حجم السكان، وارتفاع الطلب على الغذاء في الاستهلاك اليومي تحتاج السوق العراقية إلى تنمية الصناعات الغذائية المحلية، كاللحوم، والزيوت، وصناعات التمور، وغيرها.
وأوضح أن المواد الغذائية المستوردة غير موثوقة لما تحتويه من مواد حافظة، إضافة إلى الجودة الرديئة، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالصناعات الغذائية أسوة بباقي القطاعات الاقتصادية، كالسياحة والإنتاج الزراعي، ومنع استيراد المواد الغذائية غير الطازجة. وأضاف أن الصناعات الغذائية مربحة، ولها جدوى اقتصادية عالية المستوى، ولا بد من إنشاء مصانع لإنتاج المواد الغذائية السائلة والصلبة لتحقيق أعلى قدر من الأرباح، والحفاظ على أكبر قدر من العملة الصعبة داخل البلد، ومنع تسربها إلى الخارج.
وبيّن أن المقاطعة للشركات الأجنبية الداعمة للكيان الصهيوني، لها تأثير كبير بالنسبة للسوق العراقية، وتوفير البدائل الغذائية والإنتاجية يتيح الفرصة لتعزيز دور المقاطعة، من خلال توفير الدعم للقطاعات الإنتاجية المحلية، وإتاحة فرص زيادة الطلب عليها، من خلال توفير كميات عرض مناسبة.
ورأى الحلو أن هناك الكثير من بضائع الشركات الأجنبية لا تزال متداولة في السوق، بسبب عدم وجود البدائل لها، فضلاً عن تجاهل الحكومة الجانب الدعائي والإعلاني للحث على المقاطعة بالنسبة لمنتجات هذه الشركات، مؤكداً أن المقاطعة لم تأخذ مفعولها في العراق كما يجب، متخوفاً من أن الدعوات لها ستنتهي مع انتهاء العدوان على غزة.
جودة المنتج
من جهته، قال رئيس اتحاد الصناعات عادل عذاب، إن الاتحاد وضع أولويات عمل تتعلق بأهمية الحفاظ على جودة المنتج، وزيادة مستويات الإنتاج، مع مراعاة مستوى دخل الفرد وقدرته الشرائية.
وبيّن عذاب، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن أهم الصناعات الغذائية المنتجة محلياً هي معجون الطماطم، والمعلبات، والسكر، والطحين، والألبان، وصناعات وتعليب التمور، والطحينة، ومقطعات الدجاج، والكباب الجاهز، والعصائر، والمعجنات. وأضاف، أن المنتجات الغذائية العراقية تُصدر إلى 7 دول في أوروبا، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات، والأردن، ومصر، فضلاً عن فتح سوق للمنتجات الغذائية الوطنية العراقية في عدد من دول أفريقيا.
وأوضح عذاب أن الشركات والمصانع المسجلة في اتحاد الصناعات العراقية بحدود 64 ألف مشروع صغير ومتوسط وكبير، في مختلف الصناعات البتروكيمياوية والنسيجية والغذائية. وأشار عذاب إلى وجود ضبابية حول جودة المنتج الغذائي العراقي لدى السوق المحلية والإقليمية، بسبب ضعف التسويق، وقصور الجانب الدعائي والترويجي، منتقداً دور الحكومات العراقية المتعاقبة في عدم توفير الدعم، كما في بقية البلدان المنتجة.
رهينة الاستيراد
ورأى الباحث الاقتصادي، علي العامري، أن هناك بعض الصناعات الغذائية التي يديرها القطاع الخاص تشهد انتعاشاً نسبياً، منها صناعات التعليب، والصناعات الغذائية التحويلية كالتمور ومعجون الطماطم، وغيرها.
وأكد العامري في حديثه مع "العربي الجديد"، أن المنتجات الغذائية للمصانع الحكومية ما زالت تشهد تراجعاً واضحاً وبعيدة عن المنافسة، بسبب توقف الكثير من المعامل عن الإنتاج، وحتى تلك التي ما زالت تنتج فهي تنتج بنسب متدنية لا تصل إلى السقف الذي كانت عليه قبل غزو العراق سنة 2003.
وعزا العامري أسباب تأخر الصناعات الغذائية في المصانع الحكومية إلى توقف الكثير منها، فضلاً عن تقادم الأجهزة والمعدات المستخدمة في الصناعة، وعدم وجود قطع غيار يمكن أن تعيد المعطلة منها إلى الحياة الإنتاجية من جديد. وأضاف أن تعرض المصانع والمشاريع الغذائية لعمليات السلب والنهب بعد غزو العراق، وما صاحب هذه العمليات من حرق وتدمير وتعطيل للكثير من الأجهزة والمعدات الفنية، أدى إلى تراجع مستويات الإنتاج، فضلاً عن الإرادات الخارجية في تعطيل الإنتاج العراقي، ليبقى رهينة لعمليات الاستيراد.
وأشار إلى أن تراجع الإنتاج الزراعي أثر هو الآخر في مستويات إنتاج الصناعات الغذائية، حيث هناك محاصيل زراعية فائضة عن الحاجة يمكن استثمارها كمادة أولية لهذه الصناعات، لا سيما بعد أن بدأ العراق يعتمد على استيراد الكثير من المحاصيل والمنتجات لسد الحاجة المحلية. وانتقد العامري عدم وجود رؤية استراتيجية وخطط بعيدة المدى للنهوض بواقع الصناعات الغذائية في العراق ومستقبلها، إذ بقيت الخطط والمشاريع تتصف بالعشوائية، وقصر النفس، وتتعرض لمتغيرات عديدة بشكل مؤثر، فضلاً عن التناقص الواضح والحاد في عدد الكفاءات المتخصصة في هذا المجال.