ما بين خطابَي بوتين وزيلينسكي
نازك بدير*
تشير معظم المعارك عبر التاريخ الى أنّ عقيدة المقاتل هي عامل أساسي في تحديد هوية المنتصر، فكيف إذا اجتمعت الترسانة العسكرية، والقوى البشرية، والقيادة مع الحتميّة بالدفاع عن أمن الوطن وحدوده؟ وإن كان بوتين في خطابه الأخير عشية 2024 لم يشر بشكل صريح إلى الحرب مع أوكرانيا، إلا أنّ محتوى الكلام تمحور حولها؛ فقد وجّه تحيّة إلى” الأبطال” الذين يقاتلون من أجل” الحقيقة والعدالة”، وهو بهذه المفردات يكرّس حقّ روسيا المشروع في الحرب التي تخوضها تحقيقًا، كما ذكر، للحقيقة والعدالة.
كما يُستشفّ من خطابه، بثُّ رسالة طمأنة إلى الشعب والجيش وعائلاتهم، منطلقًا من أرضيّة صلبة، فقد أعلن بشكل واضح أنّ 2024 ستكون” سنة العائلة”.
كان حاسما في رسالته: “لن نتراجع أبدًا”. واللافت أنه يتكلم باسم الأمة، ليظهر تكاتف الروس وتعاضدهم حول الحرب التي تخوضها القوّات الروسيّة منذ شباط 2022.
في حين أن زيلنسكي الذي تعهّدفي خطابه بتدمير القوات الروسية بدا محتاجًا إلى الاستعانة بالغرب، وإلى غطاء دوليّ . واضطر في غير موضع أن يؤكدّ لشعبه أنّ أوكرانياستعود .هذا التصريح يشي أنّ بلده في طور التفتُّت. سيطر على الخطاب بشكل عام هاجس الخوف من تخلّي الغرب عن أوكرانيا، وترْكها تواجه مصيرها وحيدة.
برز ذلك واضحًا من خلال ما جاء على لسان الرئيس الأوكراني، فهو لا يضمن قدرة كييف على التأثير في القرارات الدوليّة المصيريّة التي سيتمّ اتّخاذها هذا العام.
وكذلك لم يعد لدى أوكرانيا ما يكفي من الرجال في الجبهة، فقد استُنفذت موارد التعبئة، وغالبيّة من هم في سنّ الخدمة لا يريدون القتال(على حدّ قول الصحفي الأوكراني ألكسندر تشالينكو) ويختبئ آخرون في داخل البلاد، وقتِل عدد كبير جدًّا من القوات المسلّحة الأوكرانية.
أمّا على المقلب الآخر، فثمة 300 ألف متطوّع روسي سجّلوا في الخدمة العسكرية في الأشهر الأخيرة.
الدعم العسكري الذي تتوسّله أوكرانيا من الغرب لن يبقى بالزخم نفسه مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ سيكون من الصعب على أميركا أن تدعم حليفها الأوكراني وهي متورطة في المستنقع الفلسطيني.
ولقد أعلن السيناتور الديمقراطي كريس مورفي صراحة” نحن على وشك أن نتخلّى عن أوكرانيا”. فالأموال المخصّصة للمعدّات العسكريّة قد استُنفدت تقريبًا.
في المقابل، ثمّة احتياطات هائلة عند الجانب الروسي من المعدّات والقوى البشرية، وهو متمكّن من تأمين الذخائر والأسلحة، وسيكون بذلك قادرًا على الضغط على الجبهات لتحقيق أهدافه، وستجد كييف نفسها غارقة، وعقْد الحلفاء ينفرط من حولها.
كاتبة لبنانيّة