مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" بلا تأثير في القرار
على خلاف الصورة النمطية المتعارف عليها، يُشكل مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" جزءاً من التنظيم الذي يُعرف بأنه يضم مقاتلين من فصائل شيعية مسلحة في العراق. ووفقاً للأرقام المعتمدة داخل "هيئة الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 80 تشكيلاً وفصيلاً مسلحاً، فإن نسبة غير قليلة من مقاتلي العشائر العربية السنية، والذين يتشكلون داخل فصائل وألوية مختلفة في الأنبار ونينوى وكركوك وبغداد وصلاح الدين، يحملون صفة "الحشد الشعبي".
وعادة ما يتألف مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" من عشائر عرفت بحد ذاتها بأنها مناوئة لتنظيم "داعش" ومن قبله تنظيم "القاعدة".
وأصدر التنظيمان في أوقات سابقة فتاوى بتكفير العشائر وحتى استباحة دمائها وأموالها وأراضيها، من ضمنها عشائر الجغايفة والبو فهد والبو نمر، وبطون من شمر والعبيد والجبور والبو عساف وغيرها، والتي نجحت خلال السنوات الأخيرة في انتزاع صفات رسمية لها داخل هيئة "الحشد الشعبي".
وعلى غرار الفصائل الأخرى، يتورط مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" في انتهاكات حقوقية وإنسانية مختلفة في مناطق خاضعة لسيطرة تلك العشائر، تقع في الغالب على سكان تلك المناطق، فيما تكون دوافعها قبلية أو مناطقية وأخرى مادية.
لكن على خلاف باقي الفصائل الأخرى الحليفة أو المدعومة من إيران، تلتزم هذه العشائر بمناطقها الجغرافية فقط، ولا يُسمح لها بالتنقل أو الانتشار. كما أنها تخضع في النهاية إلى قيادة عمليات "الحشد الشعبي" في المحافظات الثلاث، هي الأنبار وصلاح الدين ونينوى، والخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة الرئيسية مثل "حزب الله" العراقي و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء" و"بدر" وغيرها.
وتُتهم العشائر بالانتهاكات والتسلّط في المدن المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، من دون محاسبة من السلطات العراقية، لا سيما أنها تُمثل حالة تنتمي أصلاً إلى المدن المحررة وفقاً لنسيجها المذهبي والاجتماعي.
ولا توجد نسبة دقيقة لعديد العناصر في ألوية العشائر ضمن "الحشد الشعبي"، لعدم وجود عدد دقيق للأفراد في "الهيئة" ككل، فهم يزدادون باستمرار وفق اتفاقات سياسية.
وكان رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، والذي لم يترك منصبه منذ عام 2014، قد أكد في إبريل/نيسان الماضي، تجاوز أعداد عناصر فصائل "الحشد الشعبي" في العراق الـ204 آلاف مسلح، فيما يبلغ راتب المنتسب في "الحشد" نحو مليون و200 ألف دينار (800 دولار أميركي).
دور أمني يمارسه مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي"
مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" ككل، أعدادهم "تتجاوز الـ34 ألف منتسب، موزعين ضمن 8 ألوية وحركة مسلحة"، وفق أحد قادتهم، والذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هؤلاء يمارسون دورهم الأمني والعسكري ضمن مناطقهم الأصلية، أي لا تتجاوز حدود المحافظات الموجودين فيها، كما أنهم ممنوعون من الوصول إلى مناطق الحدود العراقية مع دول الجوار، وتحديداً سورية".
قيادي من مسلحي العشائر: الحشد العشائري كان مقترح أبو مهدي المهندس
وأضاف القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "وجود الحشد العشائري كان مقترحاً مهماً من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الراحل أبو مهدي المهندس (قُتل في يناير/كانون الثاني 2020 بغارة أميركية في بغداد)، والذي كان يؤكد على أهمية إشراك متعاونين من المناطق ذات الغالبية السنية في القتال واستعادة المناطق".
وبحسب القيادي نفسه، يأتي ذلك "باعتبارهم من نفس المناطق وأدرى بشعابها، بالإضافة إلى محاولة كسب الشخصيات العشائرية وغيرها المعروفة سياسياً، ودعم الاستقرار السياسي من خلال تعيين الشباب في الحشد". ولفت إلى أن "الحشد العشائري جرى استغلاله، كما حصل مع بقية ألوية الحشد الشعبي في مناطق الوسط والجنوب، من خلال الأحزاب".
مسلحو العشائر في "الحشد الشعبي" ينافسون أجهزة الدولة
من جهته، أشار السياسي العراقي من محافظة صلاح الدين، ناجح الميزان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "استمرار دعم الفصائل والألوية التابعة للفصائل المسلحة والشخصيات السياسية والعشائرية بمختلف توجهاتها وهوياتها الفرعية، يؤدي في النهاية إلى منافسة الأجهزة النظامية للدولة".
وأضاف أن استمرار الدعم "يصنع رموزاً جديدة تتلاعب بأوراق الأمن والسياسة بشكلٍ موحد"، موضحاً أن "هذه الحشود العشائرية غير مسيطرة على القرار الأمني، بل إن بعضها ينتظر القرار من جهات أخرى، مثل الفصائل المسلحة الموالية لإيران".
ناجح الميزان: حشود العشار في "الحشد الشعبي" بمثابة أعين للفصائل المعروفة
ولفت إلى أن "بعض الحشود العشائرية قوية وقادرة فعلاً على حماية المدن المحررة، لأنها صارت تمتلك الخبرات بعد مواجهة تنظيم داعش وقبله القاعدة، لكنها تتعرض إلى تعامل خاص وتمييز طائفي في كثير من الأحيان".
ورأى أن "وجود الحشود العشائرية داخل الحشد الشعبي، يُعتبر أحد أشكال المجاملة السياسية، كما أن أطرافاً عربية سنية تحظى بدعم الحشد، وبالتالي لا بد من حمايتها عبر هذه الحشود، وهي بمثابة أعين للفصائل المعروفة".
امتصاص النقمة على الحكومات العراقية السابقة
من جانبه، بيَّن الباحث السياسي والأمني العراقي، فلاح الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد العشائري يمثل حالة أمنية متماسكة بالمقارنة مع غيره من الحشود أو ألوية الحشد، لا سيما أنه يمثل حالات عشائرية تنتمي إلى مناطق بعينها".
وأضاف أنه قادر على حماية المناطق التي تقع ضمن وجوده "إلا أنه مارس خلال السنوات الماضية نشاطات خارج إطار مهامه الرسمية، ومنها حماية شخصيات سياسية، والدخول على خط الدعم الانتخابي لمرشحين، والمشاركة عبر مرشحين بدعم من قادة الحشود العشائرية".
ولفت الدليمي إلى أن "الضرورة الأمنية لوجود الحشد العشائري لا تخلو من وجود المجاملة للمكون السني بصيغة أشمل، كون فرصة الانتساب إلى الأجهزة الأمنية كانت ضعيفة في سنوات حكومتَي نوري المالكي (2006ـ 2014)". وتابع: "لذلك فإن التوجه نحو تسليح العشائر وزجهم ضمن ألوية الحشد كان خطة لامتصاص النقمة على الحكومات والتطرف السياسي السابق".
وقال إن "قادة الحشد العشائري ليسوا مؤثرين في القرار الأمني، وهم لا يتجاوزون حدودهم الجغرافية، في حين أن تعيينات الأشهر الماضية شهدت تعيين شباب من المكون السني كمقاتلين في بعض الألوية المعروفة".