هل تنسحب القوات الأميركية من سورية؟
سارعت الإدارة الأميركية، أول من أمس الأربعاء، إلى نفي تسريبات نقلها موقع مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بشأن دراسة واشنطن إمكانية سحب قواتها من سورية، فيما استبعد متابعون أي خطوة في هذا الإطار من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، لما له من تداعيات على المصالح الأميركية في المنطقة.
وبدأت التكهنات حول مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة، لاسيما في سورية والعراق، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ صعّد وكلاء إيران في كلا البلدين من توجيه ضربات للقواعد الأميركية وقواعد التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بهدف الضغط على إدارة بايدن، للضغط بدورها على إسرائيل المستمرة في عدوانها على قطاع غزة، وإن كانت تلك الضربات تبقى محط شكوك بشأن فاعليتها وجدّيتها، لاسيما أنها لم توقع خسائر بشرية تذكر في صفوف القوات الأميركية أو التحالف.
مناقشات داخلية لانسحاب القوات الأميركية من سورية
وقالت "فورين بوليسي" في تقرير لها نشرته أول من أمس، إن الولايات المتحدة "تخطط للانسحاب من سورية وخلق كارثة"، مشيرة إلى أن "داعش استعاد زخمه، وقد تمنحه إدارة بايدن دفعة أخرى عن غير قصد". كذلك نوّه التقرير إلى أن تداعيات العدوان على غزة الذي أعقب "طوفان الأقصى" نجمت عنها توترات في الشرق الأوسط، وأنه "من غير المفاجئ أن تعيد إدارة بايدن النظر في أولوياتها العسكرية بالمنطقة".
فورين بوليسي: البعض في واشنطن يقترح ترتيباً تعاونياً بين قسد والنظام السوري
وبحسب المجلة، وعلى الرغم من أنه "لم يتم اتخاذ قرار نهائي بمغادرة القوات الأميركية"، فإن أربعة مصادر داخل وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، قالت إن البيت الأبيض "لم يعد مهتماً بمواصلة المهمة (في سورية) التي يرى أنها غير ضرورية"، مضيفة أنه "تجري الآن مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب".
وفي معرض تحذيرها من مغبة أي خطوة انسحاب محتملة، استشهدت المجلة بالأرقام التي تشير إلى تزايد نشاط تنظيم "داعش" في البادية السورية، وكذلك عدد الضربات التي تلقتها القواعد الأميركية منذ 7 أكتوبر. كما أشارت إلى أن تلك الأحداث "وضعت الانتشار الأميركي في شمال شرق سورية على خيط متهالك، ومن هنا جاءت الدراسة الداخلية الأخيرة للانسحاب من سورية".
وقالت: "نظراً للعواقب الكارثية المترتبة على الخروج المتسرع من أفغانستان في عام 2021 والانتخابات الأميركية الوشيكة في وقت لاحق من هذا العام، فمن الصعب فهم سبب تفكير إدارة بايدن في انسحاب القوات الأميركية من سورية". وتابعت المجلة، أنه "بغض النظر عن كيفية إجراء مثل هذا الانسحاب، فإنه سيؤدي إلى الفوضى وزيادة سريعة في التهديدات الإرهابية، ولكن ليس هناك من ينكر الشعور الواضح في دوائر السياسة بأن هذا الأمر قيد النظر بنشاط، وأنه تمّ قبوله باعتباره حتمياً في نهاية المطاف".
ونقلت المجلة عن مصادرها، أن "البعض داخل الإدارة الأميركية يقترحون ترتيباً تعاونياً بين قوات سورية الديمقراطية (قسد)، شريكة واشنطن في سورية، والنظام السوري لمواجهة داعش، وأن ذلك يأتي "كمسار واضح نحو الانسحاب الأميركي"، مضيفة: "قد يكون لجزء من قوات "قسد" اتصالات دورية مع نظام الأسد، لكنهم بعيدون عن أن يكونوا حلفاء عاديين"، منوهة إلى أن "النظام لن يسمح أبداً لقسد بالحفاظ على نفسها، وستبذل تركيا كل ما في وسعها لقتل ما تبقى منها".
وكان موقع "مونيتور" الأميركي، قد أشار في تقرير له قبل أيام أيضاً، إلى إمكانية الانسحاب، لافتاً إلى أن "(وزارة الدفاع الأميركية) البنتاغون طرحت خطة لحلفائها الأكراد ضد داعش للدخول في شراكة مع النظام السوري، كجزء من مراجعة متجددة لسياسة الولايات المتحدة في سورية والتي تجري حالياً في وزارة الخارجية وواشنطن".
وأضاف الموقع أنه "تم تناول الخطوط العريضة للاستراتيجية المقترحة خلال اجتماع عقده مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بناءً على طلب من وزارة الدفاع لتشكيل لجنة سياسات مشتركة بين الوكالات تضم ممثلين عن وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه)".
ورداً على ذلك، نقلت شبكة "سي أن أن" أول من أمس، عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إن "الانسحاب من هذا البلد (سورية) ليس قيد الدراسة"، وأضاف أن "إدارة بايدن لا تفكر في سحب القوات من سورية". من جهته، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة تواصل شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية وجهودها ضد داعش، الذي لا يزال يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي"، مضيفاً أن "واشنطن تبقى على اتصال وثيق مع مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية".
رضوان زيادة: هناك ضغوط لعدم الانسحاب من سورية بأي شكل، وذلك بعد الانسحاب المذل من أفغانستان
ورفض المسؤول الأميركي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لكونه غير مخول بالتصريح الرسمي، التعليق بشكل مباشر على أنباء الانسحاب. وقال حول ذلك: "كسياسة عامة، لن نقوم بالتعليق على المحادثات الخاصة التي تجريها حكومة الولايات المتحدة"، واستدرك: "يوجد لدينا أيضاً حوار مستمر ومنتظم مع تركيا والشركاء الآخرين في المنطقة، حول مصالحنا في سورية وأنحاء المنطقة".
لا مجال مفتوحاً لوكلاء إيران
من جهتها، رفضت "قسد"، وعلى أكثر من مستوى، التعليق على نوايا الانسحاب الأميركي، وذلك في اتصالات لـ"العربي الجديد" مع مسؤولين عسكريين وإعلاميين في هذه القوات المسيطرة على منطقة شمال وشرق سورية.
لكن محمد موسى، وهو سكرتير حزب "اليسار الديمقراطي الكردي"، أحد أحزاب "مجلس سوريا الديمقراطية – مسد"، الجناح السياسي لـ"قسد"، اعتبر أن مسألة الانسحاب الأميركي من سورية، لا تخرج عن إطار الترويج والدعاية للأطراف المستفيدة منها، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوجود الأميركي في سورية، يهدف إلى حماية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وإن كان مكافحة الإرهاب وداعش أحد أسباب تبرير هذا الوجود".
بناء على ذلك، رأى السياسي الكردي أن "الولايات المتحدة لن تنسحب من المنطقة، وتترك المجال مفتوحاً أمام الإيرانيين والروس للتوسع فيها"، منوهاً إلى أن "مكافحة التوسع الروسي وبشكل أكبر الإيراني، يعد مسألة مهمة بالنسبة لواشنطن".
وحول مطالب الحكومة العراقية من الإدارة الأميركية الانسحاب من العراق، وإمكانية أن ينسحب ذلك على سورية في حال التوصل إليه، أشار موسى إلى أن حكومة بغداد تدعو إلى مناقشة فكرة الانسحاب وليس الانسحاب بحد ذاته. وأضاف: "حتى لو تم الاتفاق على الانسحاب من العراق، فإن الوجود الأميركي في سورية لن يتأثر، وهذا ليس له علاقة بحماية الحلفاء أي قسد أو حتى محاربة داعش، وإنما المصلحة الأميركية تقتضي عدم ترك المجال لإيران للتوسع، ولا حتى الروس، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية الحالية".
واتفق الباحث والسياسي رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، مع موسى في هذه النظرة، إذ قال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد موقف رسمي حيال الانسحاب"، لافتاً إلى أن "موقف إدارة بايدن لا يزال ضد الانسحاب من سورية".
وأشار زيادة إلى أنه على العكس، "هناك ضغوط لعدم الانسحاب من سورية بأي شكل، وذلك بعد الانسحاب المذل من أفغانستان"، معتبراً أن هذه "الادارة لن تكرّر الخطأ ذاته، لا سيما أنه ليست هناك تكلفة بشرية (في سورية)".
وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الولايات المتحدة، فإن واشنطن تحتفظ في سورية بحولي 900 جندي، ينتشرون في قواعد أغلبها تقع ضمن حقل النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور، إضافة إلى قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي عند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرّر في 7 أكتوبر 2019 سحب قوات بلاده من سورية، فاتحاً الباب أمام تركيا لتنفيذ عملية عسكرية شرق الفرات لإبعاد "قسد" عن الحدود التي بدأت فعلياً في 9 من الشهر ذاته، إلا أنه تراجع عن قراره، مؤكداً الإبقاء على عدد محدود من الجنود لحماية حقول النفط وانتشار عدد آخر في قاعدة التنف عند الحدود السورية الأردنية.