القضاء العراقي.. من هيبة القانون إلى مسرحية العبث
لطالما اعتبر القضاء رمزًا للعدالة والإنصاف، وملاذًا للمظلومين، وصوتًا للحق في خضم صراعات الحياة. لكن ماذا لو تحول هذا الرمز إلى مصدر للسخرية والمرارة؟ ماذا لو فقد القضاء هيبته ووزنه، وأصبح أداةً في يد الأقوى، ووسيلةً لتصفية الحسابات السياسية؟
وفي الآونة الأخيرة، شهد القضاء العراقي سلسلة من الأحداث التي هزت أركانه، وأثارت سخطًا واسعًا في أوساط المجتمع. فمن إصدار حزمة قرارات ضد إقليم كردستان، إلى التدخل في قضايا عقارية وغيرها، بدت أحكام القضاء وكأنها صادرة عن محكمة هزلية، لا عن سلطة قضائية عريقة.
ومن أبرز القرارات التي أثارت سخرية الرأي العام، إصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارًا كما لو كانت كأنها برلمان، والذي اعتبره الكثيرون خطوةً لتهميش دور الكرد في العملية السياسية.
ولم تقتصر سخرية الواقع على الأحكام القضائية فحسب، بل طالت أيضًا تدخلات القضاء في قضايا لا تتعلق باختصاصه، مثل إصدار قرارات وأحكام في قضايا عقارية وغيرها.
قضية هشام الهاشمي: قشة قصمت ظهر البعير
كان قرار إطلاق سراح المتهم بقتل المحلل السياسي هشام الهاشمي، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد اعتبر الكثيرون هذا القرار إهانةً للعدالة، ورسالةً مفادها أن القضاء لا يبالي بحياة العراقيين، وأن قتلة المفكرين والناشطين يمكنهم الإفلات من العقاب بسهولة.
يواجه القضاء العراقي اليوم تحديًا وجوديًا خطيرًا. فثقة الناس به آخذة في التراجع، وهيبته تتآكل يومًا بعد يوم. ولن يستطيع القضاء استعادة دوره الريادي في المجتمع إلا من خلال إعادة النظر في بنيته وطريقة عمله، واستعادة استقلاليته وحياديته، وإصدار أحكام عادلة تُرضي ضمير الشعب العراقي.
نحتاج إلى ثورة قضائية حقيقية، تُعيد للعدالة هيبَتها، وللقضاء وزنه، وللمجتمع ثقته في أركان الدولة.