أردوغان بعد غياب
أحمد عبد الحسين
اليوم سيكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بغداد بعد غياب لأكثر من 12 عاماً.
الزيارة تاريخية ليس فقط بسبب معاودة التواصل بعد طول انقطاع، بل لأنّ ملفات كبرى عالقة بين الطرفين كان تأجيلها المستمرّ هو السبب الأرأس في إقلاق الدولتين.
القلق الأمنيّ هو الأبرز. فلطالما كانت المناطق الحدودية بيننا وبين تركيا مساحة لخلق أزمات منذ عشرات السنين، ولم تكن تفلح المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها النظام السابق مع الجانب التركي إلا في تهدئة الوضع مؤقتاً ريثما يحدث خرق أمني هناك فتعود الأمور إلى سابق عهدها من التوتر والاضطراب، وقد آن لهذه الآلة التي تنتج الأزمات أن تتوقف.
حصة العراق من المياه ملفّ مصيريّ بل وجوديّ بالنسبة لنا، ولذا فمن الطبيعيّ أن يكون أول الملفات التي ستفتح على طاولة المباحثات، وتأتي بعده الملفات الأخرى كالتبادل التجاريّ ومكافحة الإرهاب وسواها من القضايا ذات الأهمية الفائقة.
كان لافتاً تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن "عدد الاتفاقات التي سيوقع عليها الطرفان قد تصل إلى عشرين اتفاقاً"، وهو رقم كبير يشكلّ ما يرقى لأن يكون إطاراً ستراتيجياً للعلاقة العراقية التركية.
مجيء أردوغان إلى بغداد يحمل نحواً من التفاؤل لجهة زوال الأسباب التي كانت تمنع رئيس دولة جارة من زيارتنا، وهي أسباب كانت تتمثل في معرقلات أمنية وسياسية. وزوال هذه المعرقلات كفيل بزيادة منسوب الأمل. ثم أن الدور الذي اضطلع به العراق خلال السنوات المنصرمة بوصفه نقطة التقاء وجسراً يصل الضفاف المتنافرة يحتّم عليه أن يصل بعلاقاته مع جيرانه إلى وضع سويّ، خاصة أن معضلات المنطقة تبلغ ذروتها هذه الأيام بسبب العدوان "الإسرائيلي" الذي ينذر بتوسيع دائرة النار.
رأيت قبل أيام فيديو للرئيس أردوغان وهو يتغنى ببغداد وتاريخها، وسيكون اليوم في هذه المدينة العظيمة التي مهما أثخنت بالجراح فإنّها تختزن في أعماقها أسباب حياتها وقدرتها على صناعة المجد. ونتمنى أن تتكلل زيارته بالنجاح ليستذكر وهو يغادر ذلك المثل التركي الشهير الذي يقول:
Ana gibi sevgili yoktur, Bağdat gibi şehir yoktur
ومعناه: "لا حبّ كمحبة الأمّ، ولا مدينة مثل بغداد".