مسرور البرزاني.. زعامة تتجاوز حدود الإقليم
ثامر الحلفي*
لست ممن يكتبون في مدح الشخصيات السياسية، ولا من أولئك الذين يهوون ذمهم لأغراض شخصية أو سياسية. لكني كمتابع للشأن العام، وجدت نفسي مأخوذًا بشخصية مسرور البرزاني، رئيس وزراء الإقليم. زعيم شاب، يحمل بين كلماته وتصرفاته رؤية جديدة وشجاعة استثنائية. لمست في خطاباته أنه ليس مجرد سياسي آخر، بل رجل دولة حقيقي. في زمن قل فيه رجال الدولة، رأيت في البرزاني زعيماً بملامح المستقبل، رجلًا يستطيع بجدارة إعادة تشكيل العلاقة بين المركز والإقليم، وتحويل الصراعات التاريخية إلى مسار جديد من التعاون والإيجابية.
لقد أيقنت أكثر أن هذا الرجل سيحفر اسمه في صفحات التاريخ ليس فقط من خلال إنجازاته، بل من خلال أعدائه أيضاً. وكما يقال، تعرف قيمة الزعيم من خلال أعدائه، الذين لم يكونوا خصومًا عاديين، بل قوى سياسية كبيرة على الساحة العراقية، غاضبة من نجاح أربيل في كل شيء تقريباً، بينما هي غارقة في أزمات لا تنتهي. ومع ذلك، لم يُظهر البرزاني سوى الثبات والإصرار على تحقيق المزيد من النجاح، مما يثبت أنه ليس مجرد سياسي يطمح للبقاء في السلطة، بل رجل يهدف إلى ترك إرث دائم، ليس فقط للأكراد بل لإخوتهم في الدم داخل الوطن جميعاً.
عندما تولى مسرور البرزاني رئاسة حكومته، كان العالم يعيش ظروفاً استثنائية. اجتاح وباء كورونا البلاد والعالم، وبعده جاءت أزمة مالية خانقة لتزيد الطين بلة. ولم تقتصر التحديات على ذلك فحسب، بل واجه الإقليم ضغوطاً سياسية هائلة من بغداد، حيث كانت قوى سياسية تحاول بكل وسيلة تشويه نجاح الإقليم. ومع ذلك، برز البرزاني كقائد حقيقي، لا يهرب من الأزمات بل يواجهها ويحولها إلى فرص.
وعلى الرغم من أن بعض الأصوات تعالت بالسخرية من أزمات مثل أزمة المياه أو تأخر الرواتب في الإقليم وعلى وجه الخصوص أربيل، فإن هذه المشكلات ليست غائبة عن ذهن البرزاني وفريقه. على العكس، كان يواجهها بشجاعة كل يوم. لم يكن يتهرب من المسؤوليات أو يختبئ خلف خطاب دبلوماسي مزيف، بل يطرح الحقائق بوضوح ويسعى لإيجاد الحلول.
إحدى أبرز إنجازات البرزاني هو إعادته للعلاقة بين أربيل وبغداد إلى مساره الإيجابي الصحيح. ففي زمنه، شهدت العلاقة بين المركز والإقليم هدوءاً غير مسبوق، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات طويلة. لم يكن من السهل على أي رئيس حكومة في العراق تحقيق هذا المستوى من الاستقرار في العلاقة بين بغداد وأربيل، وهو إنجاز يجب الإشادة به. لم يقتصر دوره على ترميم الجسور المكسورة بين المركز والإقليم، بل سعى جاهدًا لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي، مما أسهم في خلق جو من الاستقرار، ليس فقط في الإقليم بل في العراق ككل.
عندما يتحدث المواطنون من خارج الإقليم عن زيارتهم لأربيل أو السليمانية، يخرجون بانطباعات مبهرة. لا يستطيعون إلا أن يندهشوا من مستوى النظام والتنظيم في دوائر الدولة هناك، وخاصة المرور. وكما يقال، "بالأفعال لا بالأقوال يعرف الرجال". فالمواطن العادي الذي يزور أربيل يشاهد بأم عينه كيف تعمل مؤسسات الدولة هناك بكفاءة، وكيف أن الأمور تسير بسلاسة، ثم يعود إلى مدينته متسائلاً: "لماذا لا تكون دوائر المرور لدينا مثلما هي في أربيل أو السليمانية؟". يأخذ كركوك، مثلاً، ليقول بحسرة: "كيف لمدينة كبيرة مثل كركوك أن تكون مصنفة ضمن أسوأ دوائر المرور في العالم، بينما إقليم كوردستان يقدم نموذجاً يحتذى به؟".
مسرور البرزاني لا يمثل نجاح الأكراد فقط، بل يمثل نجاح العرب وكل العراقيين في المحافل الدولية والمحلية على حد سواء. إذا كانت أربيل اليوم نموذجاً للتنمية والاستقرار، فإن هذا النجاح لا يُنسب للأكراد وحدهم، بل هو نجاح للعراق بأسره. يجب أن يُنظر إلى هذا الزعيم الشاب على أنه نموذج يجب الاحتذاء به، لا لكونه قائداً كردياً فقط، بل لكونه رجل دولة يعمل على توحيد البلد وتقديم نموذج جديد للتنمية السياسية والاقتصادية.
دعونا ننظر إلى مشاريعه التنموية، التي لم تقتصر على بناء البنى التحتية فقط، بل سعت إلى تعزيز القطاع الخاص وتوفير بيئة مناسبة للأعمال. هذه الرؤية تتجاوز الطموحات المحلية، فهي تسعى لجعل كوردستان مركزاً اقتصادياً يتنافس على المستوى الإقليمي والدولي.
إن نجاح مسرور البرزاني ليس إلا بداية لرؤية جديدة للعراق. رجل كهذا، يواجه كل التحديات بعزم وإصرار، ويعمل على بناء مستقبل أفضل لكل العراقيين، يستحق الدعم والتأييد. إنه زعيم لا يمكن حصر إنجازاته في حدود الجغرافيا أو العرق. فبينما كان البعض منشغلاً بالخصومات السياسية، كان البرزاني منهمكاً في بناء اقتصاد قوي ومستقبل واعد لشعبه. وهذا بالضبط ما يحتاجه العراق اليوم؛ زعماء ينظرون إلى المستقبل، يعملون على تعزيز الوحدة الوطنية، ويرون في النجاح الجماعي للبلد هدفاً رئيسياً.
في نهاية المطاف، لا يُقاس الرجال بما يقولون، بل بما يفعلون. وكما يقال: "الرجال مواقف لا أقوال"، فإن زعماءً مثل مسرور بارزاني يُخلِّدهم التاريخ ليس فقط بسبب إنجازاتهم، بل لأنهم كانوا الجسر الذي عبرت عليه أممهم نحو مستقبل أكثر إشراقاً. هو الذي قال: "لن ندخر جهداً في تقديم أفضل الخدمات لأهالي الإقليم والعراق كله"، موقناً أن الوطن يبنى بالعمل والتضحية. وكما تنبت الأزهار في أعتى الظروف، فإن الرجال العظام يبرزون في أحلك الأوقات. علينا أن نتذكر دائمًا أن الأوطان لا تُبنى بالصدفة، بل بقيادات قادرة على تحويل التحديات إلى فرص. وكما قيل قديمًا: "من لم يذق مرارة الكفاح وضيمه، لن يعرف طعم النجاح".
* أكاديمي من ميسان