"أوبك"... 64 عاما من قيادة دفة أسواق النفط
قررت "أوبك" إقامة أمانة عامة دائمة لها بجنيف قبل أن تنتقل إلى فيينا في النمسا عام 1965 (اندبندنت عربية)
تتم منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" غداً السبت عامها الـ64 في مسيرة مليئة بالمحطات البارزة والأحداث المفصلية والقرارات الاستراتيجية التي غيرت أسواق النفط ومسار الاقتصاد العالمي، وكانت وما زالت صمام الأمان الرئيس لإمدادات الخام حول العالم.
فخلال الفترة من الـ10 إلى الـ14 من سبتمبر (أيلول) 1960 اجتمع ممثلون عن خمس دول منتجة للنفط، وهم الدكتور فؤاد روحاني من إيران والدكتور طلعت الشيباني من العراق وأحمد سيد عمر من الكويت وعبدالله الطريقي من السعودية والدكتور خوان بابلو بيريز ألفونزو من فنزويلا، في قاعة الشعب بالعاصمة العراقية بغداد لتأسيس منظمة "أوبك" لتكتب فصلاً جديداً في صناعة النفط.
وسرعان ما انضمت إلى الأعضاء المؤسسين خمس دول أخرى منتجة للنفط لها مصالح مشتركة، مثل دعم استقرار سوق النفط وحماية حق جميع البلدان في ممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية لمصلحة التنمية.
وعلى مدى 64 عاماً دعت "أوبك" إلى التعاون والحوار والاحترام المتبادل بين الجميع، فضلاً عن ضرورة مواجهة التحديات بطريقة جماعية واستخدام النفط لدعم النمو الوطني والتقدم.
والدليل الأكثر وضوحاً على ذلك هو عملية "إعلان التعاون" الحالية، إذ تتعاون "أوبك" مع 10 دول منتجة من خارج المنظمة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية.
وحرصت المنظمة على الحوار الدائم والبناء بينها وجميع الشركاء والوكالات الدولية لضمان مصلحة كل الأطراف، وأيضاً تأمين استمرار النمو الاقتصادي العالمي الذي يعتمد بالأساس على الطاقة، دينامو الإنتاج الأساس.
صمام أمان
وتقوم "أوبك" بدور أساس كصمام أمان في استقرار أسواق النفط، ويعول على المنظمة في إحداث التوازن المطلوب، وسط مجموعة من التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم مع ارتفاع معدلات التضخم، والسياسات المالية والنقدية المتبعة من قبل البنوك المركزية بموازاة ذلك، وأثر ذلك في تباطؤ النشاط الصناعي بالنسبة لعدد من الاقتصادات.
أهداف بيان التأسيس
كانت أهداف المنظمة في بيان إعلان تأسيسها هي تنسيق وتوحيد السياسة النفطية للدول الأعضاء لضمان أسعار عادلة ومستقرة للمنتجين وضمان تدفق الإمدادات بصورة دائمة وفعالة اقتصادياً للمستهلكين، مع عائد عادل على رأس المالي للمستثمرين في صناعة النفط.
وقررت "أوبك" إقامة أمانة عامة دائمة لها بجنيف قبل أن تنتقل إلى فيينا في النمسا عام 1965، وتولى الإيراني فؤاد روحاني منصب أول أمين عام لـ"أوبك" ليخلفه عام 1964 العراقي عبدالرحمن البزاز.
وبنهاية العقد الأول من عمر المنظمة عام 1969 تضاعف عدد الأعضاء ليصل إلى 10 دول، وشهدت المنظمة على مر العقود الستة الماضية تحديات هائلة في بعض الأحيان، ونجحت خلال معظم تلك المواقف في مواجهة التحدي وضبط السوق.
وفي كل الأحوال أثبتت "أوبك" عكس ما يشاع دائماً في الإعلام أنها تتحكم في السوق، قدرتها وأهميتها في المحافظة على توازن أساسات العرض والطلب قدر الإمكان.
تحديات كبرى
لم يكن تاريخ "أوبك" كله في مسار معتدل يتسم بالسلاسة بل شهدت المنظمة على مر الأعوام الـ64 تحديات كبرى، لكن في النهاية وعلى رغم المطبات ظلت صمام أمان الوقت والإطار الذي يحافظ عليه أعضاؤها مهما كانت الخلافات السياسية بينهم.
وانتهى العقد ولم تكن "أوبك" وضعت حتى آلية تسعير مستقلة لسلة نفوطها، وبالطبع لم تكن هناك حصص إنتاج محددة وإنما اتفاق عام على سقف إنتاج بحسب وضع السوق، ثم قررت "أوبك" خلال فبراير (شباط) عام 1971 تحديد سعر النفط من دون تشاور مع المشترين.
وكانت فترة السبعينيات من القرن الماضي عقد بروز "أوبك" ودورها في العالم، فمع بداية العقد الثاني من عمر المنظمة بدأت تستخدم آلية تسعير لنفوطها.
وكان اندلاع الحرب بين إسرائيل والعرب خلال السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 ذروة ظهور "أوبك"، إذ عقد اجتماع في الكويت للدول العربية الأعضاء بالمنظمة في الـ16 من ذلك الشهر، وانضم إليهم وزراء نفط الجزائر والبحرين ومصر وليبيا وسوريا.
وأعلن المجتمعون فرض حظر تصدير على الدول الغربية واليابان استمر حتى عام 1974، أدى ذلك إلى ارتفاع سعر النفط أربعة أضعاف من نحو ثلاثة دولارات للبرميل إلى 12 دولاراً مطلع عام 1974، ووصل السعر أعلى مستوياته ما بين نهاية 1973 والربع الأول من 1974 إلى 15 دولاراً.
وشهدت المنظمة خلال تاريخها عديد الأحداث العالمية والاضطرابات الجيوسياسية والحروب والأزمات الاقتصادية، والتي أكسبتها كثيراً من الخبرات لتصل إلى القوة المؤثرة التي عليها الآن في الأسواق العالمية.
وظلت قدرة "أوبك" على ضبط توازن السوق تحافظ على الأسعار مرتفعة لتتجاوز خلال عام 2008 حاجز الـ100 دولار للبرميل وتقترب من حاجز الـ150 دولاراً للبرميل قبل أن تنهار في نهاية العام مع الأزمة المالية العالمية، وبنهاية ذلك العام قررت المنظمة خفض الإنتاج بأكثر من مليوني برميل يومياً إلى ما دون الـ30 مليون برميل يومياً.
فيما شهد العقد السادس من عمر "أوبك" تحديات مختلفة تتعلق في معظمها بقدرة المنظمة على التوصل إلى توافق تام في شأن سقف الإنتاج وضبط التزام الدول الأعضاء بالحصص المقررة، لكن في النهاية تمكنت من ضمان توازن أساسات السوق خلال الأعوام الأولى، وهو ما حافظ على الأسعار أيضاً في وضع جيد.
وما بين عامي 2011 و2014 كان التحدي الأكبر هو العوامل المؤثرة في أساسات السوق خارج نطاق سيطرة "أوبك" ومنتجيها، ذلك أن زيادة إنتاج الغاز والنفط الصخري في أميركا كانت كبيرة بصورة أخلت تماماً بأساسات السوق.
تحالف "أوبك+"
وانهارت أسعار النفط بشدة خلال صيف 2014 مما دفع "أوبك" بعد ذلك للدخول في اتفاق الحفاظ على توازن السوق عام 2016 مع 10 منتجين من خارج أعضاء المنظمة، في مقدمتهم روسيا.
وخلال يناير (كانون الثاني) عام 2016 أعلنت روسيا أنها وافقت على تجميد مستويات إنتاج النفط بعد اتفاق مع السعودية وقطر وفنزويلا، تماشياً مع تجميد أعضاء "أوبك" مستويات الإنتاج بالمثل. وفي صيف ذلك العام لم تتمكن دول "أوبك" في اجتماعها الدوري نصف السنوي بفيينا من الاتفاق على خفض الإنتاج، مما أدى إلى هبوط الأسعار واستمرار فائض معروض في السوق العالمية يزيد على مليوني برميل يومياً.
وبدا واضحاً أن معدلات إنتاج النفط الصخري الأميركي تسهم أكثر في زيادة فائض العرض مقابل الطلب الذي لم يتعاف بصورة جيدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل موقف السعودية الذي أصبح رافضاً لتحمل عبء الخفض نيابة عن بقية أعضاء "أوبك"، وموقف روسيا التي لا تريد أن تفقد أي جزء من حصتها في السوق العالمية باتت هناك عقبة أمام ضبط توازن السوق، وفي اجتماع غير رسمي بالجزائر اتفقت "أوبك" على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية 2008. وتأكد الاتفاق خلال نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام في اجتماع رسمي للمنظمة.
وكانت تلك مقدمة الاتفاق بين "أوبك" والأعضاء من خارجها في نهاية 2016 على خفض مشترك للإنتاج لسحب فائض العرض من السوق، لكن روسيا التي تعد أكبر منتج للنفط في تحالف "أوبك+" من خارج المنظمة بمعدل إنتاج يقترب من إنتاج السعودية، لم تكن تريد أي اتفاق إلزامي بل ترك الأمر لاختيار الأعضاء في الالتزام بخفض الإنتاج.
وبرزت أهمية "أوبك" وحلفائها بوضوح خلال فترة أزمة وباء كورونا والتي شهدتها في بداية انهيار الاتفاق السابق ثم الخروج باتفاق آخر لخفض الإنتاج، ثم بعد ذلك مع الحرب في أوكرانيا خلال عام 2022، إذ أصبح أمن الطاقة من أهم القضايا والتحديات التي تواجه العالم كله.
الغيص: "أوبك" تركز على ضمان استقرار سوق النفط
قال الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" هيثم الغيص، اليوم السبت، إن "أوبك" هي بطلة سوق النفط العالمية والتعاون الدولي، إذ تواصل، يوماً بعد يوم، التركيز على ضمان استقرار سوق النفط وتوازنها لمصلحة جميع المنتجين والمستهلكين، فضلاً عن الاقتصاد العالمي، على رغم التحديات التي تواجهها صناعة الطاقة.
جاءت تصريحات الغيص لمناسبة مرور 64 عاماً على تأسيس المنظمة، وقال الأمين العام "بينما نحتفل اليوم بتاريخ ’أوبك‘ غير المسبوق من النجاح، فأنا على ثقة أنه بفضل الدعم المستمر من دول ’أوبك‘ الأعضاء وأسرة ’أوبك‘ بأكملها، فإن المنظمة مستعدة لمواصلة الازدهار لسنوات وعقود مقبلة".
الغيص: "أوبك" هي بطلة سوق النفط العالمية والتعاون الدولي (أ ف ب)
أضافت "أوبك" في بيانها الصادر السبت "لقد دفعت المهمة الحيوية لمنظمة ’أوبك‘ وأهدافها دولاً أخرى منتجة للنفط إلى الانضمام إلى المنظمة بعد ذلك بوقت قصير. وشمل ذلك دعم استقرار سوق النفط وحماية حق جميع البلدان في ممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية لمصلحة التنمية".
وذكر البيان أنه خلال 64 عاماً من وجودها دافعت "أوبك" عن التعاون والحوار بين جميع أصحاب المصلحة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية، ومعالجة التحديات من خلال نهج شامل وواقعي، وضمان استمرار النفط في دعم تنمية الدول وازدهار البشرية. إن أحدث دليل حي على هذه الجهود هو إعلان التعاون وميثاق التعاون بين "أوبك" والدول غير الأعضاء من خارجها المعروف باسم "أوبك+".
توقعات "أوبك" خلال عامها الـ65
يبدو أن العام المقبل (الـ65 منذ تأسيس أوبك) سيشهد فصلاً جديداً من التحديات، وبخاصة أن حجم المعروض من خارج "أوبك" قوي بما يكفي لخلق فائض في السوق، كما أن كبح هذا العرض الآن للحفاظ على الأسعار مرتفعة يشجع ذلك بالطبع.
حسابات أسواق النفط خلال العام المقبل واضحة، إذ تتوقع ووكالة الطاقة الدولية أن ينمو استهلاك النفط العالمي بأقل من مليون برميل يومياً أي ما يناهز 1 في المئة، وسط فقدان زخم انتعاش ما بعد جائحة كورونا وتسارع التحول إلى السيارات الكهربائية.
ويأتي ذلك في وقت استطاع فيه تحالف "أوبك+" تجنب حدوث فائض نفطي هذا العام عبر اتخاذ قرار أخيراً بتقييد الإنتاج لفترة أطول قليلاً، لكن الإجراء الموقت لن يوقف وفرة العرض التي تنتظر الأسواق العالمية عام 2025.
لذا قرر تحالف "أوبك+" أخيراً تأجيل خطط استعادة الإنتاج لمدة شهرين، بعد أن دفع تعثر النمو الاقتصادي في الصين وزيادة الإمدادات الأميركية أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال 14 شهراً.
ربما تمكنت دول التحالف عبر تعديل خطتها لزيادة الإمدادات من تجنب الفائض الذي كانت تتوقعه مؤسسات مثل مجموعة "ترافيغورا" ووكالة الطاقة الدولية. وبعد فترة وجيزة من القرار استقرت أسعار النفط، ومع ذلك حتى لو واصل "أوبك+" تقييد الإنتاج طوال عام 2025، تتوقع وكالة الطاقة أن تشهدت السوق فائضاً وسط ضعف نمو الطلب بموازاة الإنتاج المتزايد من الولايات المتحدة وغويانا والبرازيل وكندا.
ويتوقع أن تنخفض الأسعار لنحو 60 دولاراً للبرميل وفقاً لبنكي "سيتي غروب" و"جيه بي مورغان"، وهو ما سيوفر بعض الراحة للمستهلكين والبنوك المركزية بعد أعوام من التضخم الجامح، لكن الأسعار ما زالت منخفضة للغاية بالنسبة إلى السعودية وغيرها من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول لتغطية الإنفاق الحكومي.