"داودە".. فنان كوردي يطرب الجمهور بأربع لغات ويبكي لعلاج زوجته
شفق نيوز/ في قلب حي الشورجة، ذي الغالبية الكوردية في محافظة كركوك (255 كم شمال العاصمة بغداد)، يجلس فائق شوكت نادر الداودي (داودە) على كرسي في الجزرة الوسطية، وقد تأثرت بشرته السمراء بشدة الشمس، وتقاسيم وجهه تعكس آثار الزمن والتعب، ولكنه يرفض الاستسلام، إذ يتمسك بنفحة العزة التي تمنعه من طرق أبواب المسؤولين أو التوجه إليهم طلبًا لعلاج زوجته، التي أصابها المرض الخبيث (السرطان) الذي نال منها الكثير. وهو يبحث عن من يقدم يد العون من المسؤولين الكورد في إدارة كركوك أو حكومة إقليم كوردستان أو الحكومة الاتحادية لتحمل نفقات علاجها.
يقول الفنان الفلكوري الكوردي (دادوه) وهو يرتدي الزي الذي نشأ عليه أبوه وأجداده، "الصايا التراثية"، لوكالة شفق نيوز: "أنا من مواليد كركوك عام 1946، متزوج ولدي خمسة أولاد، أكبرهم هوشيار. عشقت الغناء الكوردي ومقاماته منذ صغري. في عام 1952، بعد أن كنت في الصف السادس الابتدائي، شاركت في إحياء الآلاف من الاحتفالات، وتعاقبت على أنظمة الحكم الملكي والجمهوري. كنت شاهدًا على كل ما جرى للبلاد وكركوك. تغيرت حكومات ورحلت، ونحن نبقى على الغناء والفلكور العراقي والكوردي".
ويشير إلى أن "الفلكور الكوردي غني بالكثير من الأغاني والمقامات، ونحن نحفظها عن ظهر قلب، ونقوم بعزفها في المناسبات والأعراس. شاركت أنا في الآلاف من المناسبات منذ عام 1952 ولغاية العام الحالي 2024. وهذا فضل من الله، لا نعرف سوى الفرح والأغاني والفلكورية. نعلم كل فرح ما يريد من أغاني ودبكات. نحن حين نحضر إلى عرس كوردي نعزف لهم أغاني ودبكات كوردية، وعندما نكون في عرس للعرب نعزف لهم الدبكة العربية، ومثلها لدى التركمان والمسيحيين. حفظنا تراث القوميات والأديان جميعها، ونعزف للفرح والحب".
توقف داوده عن الحديث، وسقطت الدموع من عينيه حين بدأنا الحديث عن عائلته. يؤكد أن "زوجته تعاني من مرض السرطان، وأنه لا يملك المال لعلاجها، ولا أحد يستجيب. وهو يطلق عبر وكالة شفق نيوز، رسالة لمحافظ كركوك ريبوار طه، أو مسؤولي الحكومة الاتحادية او حكومة كوردستان، ومن يستطيع أن يوفر العلاج لزوجته المصابة بهذا المرض، حيث علاجاته ثمنها غالية، ولا يستطيع هو أن يوفر العلاج لها. هذه مناشدة من خلالكم، وأهل كركوك يعرفون أين أجلس، وأسكن. زوجتي بحاجة للعلاج". هذه الكلمات قالها والدموع تنهمر من عينيه.
ويبين داوده أن "الأغاني والموسيقى هي حياة لا يعرفها إلا من تذوق طعم الفن. أنا أغني بأربعة لغات ولهجات في كركوك، ومنها مقام الكورد، والذي يُستخدم في الكثير من الأغاني الحديثة لسهولة تطبيقه، وتعبيره عن الرقة والعاطفة والشجن. حيث إنه يأخذ القلب عند سماعه. وقد كان استعمال مقام الكرد قديمًا غير شائع في تلاوة القرآن الكريم، بينما انتشر استعماله في الوقت الحاضر، لما له من تأثير على قلب وعاطفة المستمع. ويُقال إن اسم مقام الكرد جاء من أصله الذي يعود لكوردستان ومنها العراق".
يقول داوده: "أدوات عملي هي الطبل الدائري، والذي يتكون من طبقة خفيفة من جلد الأغنام أو غيرها من الجلود الخفيفة، حيث تكون بشكل دائري، وعصا صغيرة ننقر بها على الطبل، فتعطينا نغمات. وما نقرات الطبل هناك مزمار مع نقرات الطبل، ويسمى (زرنا). وعند عزف الموسيقى، يتوجه صاحب الناي عند أحد الأشخاص الذين هم ضمن الدبكة، وأقوم بتكرار النقر على الطبلة، عندها يعرف الشخص عليه تقديم المال لنا (شوباش). وهكذا يقوم البقية بإعطاء المال، وأضعها في الكيس الذي هو أعلى الطبل، والذي يجمع فيه تبرعات أهالي العريس والعروس أو الاحتفالات الأخرى".
وختم داوده كلامه بالقول: "شاركت في عشرات المهرجانات في المحافظات العراقية ومدن كوردستان، وفي المحطة الأخيرة من العمر، لا أملك راتبًا ولا مساعدة من أي جهة، وزوجتي مريضة أسعى لعلاجها. ولكن الزمن قوي، وأنا لا أملك المال الكافي لارتفاع أسعار مواد علاج السرطان في المستشفيات في أربيل والسليمانية وكركوك. وكل من يمد يد المساعدة لي، فأنا أشكره".
ويقول أحد أصدقائه ويدعى صلاح أحمد في تصريح لوكالة شفق نيوز: "داوده قامة غنائية وفلكورية في كركوك، فهو يلحن ويغني ويعزف على آلاته الفلكلورية الأصيلة، وهي تطرق القلوب قبل السمع. نناشد السادة في الحكومة المركزية ووزير الثقافة، وكذلك السادة في حكومة إقليم كوردستان ووزير ثقافتها، الالتفات بعين التقدير لخدماته، والتدخل في مساعدته على علاج زوجته وتأمين ما يحفظ كرامته كإنسان عراقي من أجل حياة كريمة في أواخر رحلة العمر. حيث تم تكريم الفنان فائق داوده بجائزة (صلاح داوده) قبل عامين، وغيرها من التكريم المعنوي".
يذكر أن المطرب الراحل صلاح داوده هو خال الفنان، وقد قدم جل عطائه لخدمة الفن الكوردي، وبالأخص المقامات الكوردية، والذي عرف بنزاهته حتى يوم رحيله في الثامن من أيار عام 2009.