لبنان و"حزب الله" في 2006 و2024
اعترضت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "القبة الحديدية" صواريخ أطلقت من جنوب لبنان فوق منطقة الجليل الأعلى، 26 سبتمبر 2024 (أ ف ب)
كان يفترض أن يكون الأمر واضحاً كل الوضوح تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان اليوم، فهو عدوان تكرر أربع مرات رئيسة في 1978 و1982 و2006 و2024، وعشرات المرات المتقطعة القصيرة.
يفترض أن يكون الموقف موحداً من العدوان على دولة عربية مسالمة وضعيفة عسكرياً وداخلياً ومنهارة اقتصادياً، فإسرائيل حتى كتابة هذه المقالة قتلت 500 وجرحت 1600 لبناني معظمهم من النساء والأطفال، وتسببت بنزوح مئات الآلاف من أهل الجنوب اللبناني، ناهيك عن الخسائر المادية التي يصعب حصرها، لكن الحاضنة المحيطة بـ "حزب الله" هذه المرة مختلفة تماماً عما كان عليه الموقف من الحزب عام 2006.
في عام 2006 كانت ذكرى تحرير الجنوب عام 2000 لا تزال طرية في الأذهان، وكان العدوان الإسرائيلي عام 2006 يستهدف بعشوائية ماحقة البشر المدنيين وكل البنى التحتية في لبنان، من جسور وطرق ومطارات وموانئ ومحطات كهربائية وغيرها، فكان التعاطف العربي الشامل مع لبنان و"حزب الله"، والتف الجميع لمناصرتهما، وفتح السوريون قلوبهم قبل بيوتهم لاستقبال النازحين اللبنانيين.
لكن ذكرى تحرير الجنوب قد تلاشت بتلاشي الأحداث الدامية الكبرى التي مرت على المنطقة منذ ذلك التاريخ، غزو العراق وإسقاط صدام والربيع العربي والثورات العربية وحرب اليمن وليبيا والسودان، وكل هذه الأحداث أسهمت في التغطية على ذاكرة تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي والذي كان "حزب الله" أحد المشاركين الأساس في تحقيقه، لكن الأهم من التطورات التي تلت ذلك التاريخ أن الحزب تورط في الأحداث الداخلية اللبنانية وتحكم بها وتعدى على الإثنيات الأخرى في لبنان، بما في ذلك من لا يتفق معه من الشيعة اللبنانيين أنفسهم، فتورط في الاغتيالات وأشهرها اغتيال رفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي ولقمان سليم والقائمة تطول، وقد سبق ذلك بعقود اغتيال المفكرين حسين مروة ومهدي عامل عام 1987، وتحول "حزب الله" إلى مخلب للتوسع الإيراني وتنفيذ أجندته، ثم أتى بثالثة الأثافي بالتورط في سوريا وقمع الشعب السوري والتسبب في مآسيه وقتله وتهجيره وتدمير مدنه وقراه وحرق أريافه.
معاداة الصهيونية السياسية المتطرفة سببها سياستها في قتل وتهجير واقتلاع ومصادرة أراضي الشعب الفلسطيني، وهي ممارسات ارتكبها "حزب الله" في سوريا، فقد ارتكب المجازر وانتهك الأعراض في القصير والحولة وحلب وحمص وريف دمشق ومناطق عدة داخل سوريا، ومارس تطهيراً طائفياً وتغييراً ديموغرافياً وثقافياً وإحلالاً لقادمين جدد من إيران وأفغانستان وباكستان في مناطق كان يقطنها سوريون هجّرهم وطردهم الحزب، إن لم يتمكن من ذبحهم واقتلاعهم، فكيف تختلف تلك الممارسات عما قام به الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني؟ بل إن أرقام قتلى وجرحى ومهجري ونازحي الشعب السوري أكثر ممن قتلتهم إسرائيل من العرب جميعاً منذ إنشائها عام 1948.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووسط هذه المعطيات وبعد كل هذه التراكمات الدامية، من المنطق المؤسف أن المشاعر والقلوب قد تغيرت بين اللبنانيين أنفسهم قبل السوريين أو الآخرين، بل حتى بين الحاضنة الشيعية اللبنانية، فقد صادر الحزب قرار لبنان وأصبح يقرر الزج به في الحروب متى يشاء، كي يدفع ثمنها الشعب اللبناني وتقبض أرباحها إيران بحساباتها الإقليمية والدولية.
إن التعاطف مع الشعب اللبناني المنكوب لم يقل منسوبه، وهو مُلحّ وواجب ومطلوب، ولكن المناصرة لـ "حزب الله" غير موجودة عند من تسبب في خراب بيوتهم وقتل أبنائهم وتشريدهم، وليس في التخلي عن مساندة "حزب الله" خذلان له، فماذا يتوقع ممن تسبب في شقائهم ونكباتهم؟
كان يفترض أن تأتي مناصرة "حزب الله" ممن بنى الحزب وموّله وأدلجه وسلّحه وقواه على الدولة اللبنانية والشعب السوري، لكن تلك النصرة من إيران لم ولن تأتي، فالحزب بالنسبة إليها ليس قوات الـ "باسدران" أو الـ "باسيج"، بل هو أداة للمشروع ومتى ما انتهى دورها لتحقيق أهدافها أو فشلها، فستتخلى عنها في مهب الريح، ولنا في تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان "الأخوية" الودودة تجاه "الشيطان الأكبر" خير دليل على أن إيران لا يهمها سوى مصالحها، وأن الآخرين من أدواتها ما هم إلا لتحقيق تلك المصالح والأهداف والمخططات، فقد أكد بزشكيان الموقف الإيراني بالتخلي عن لبنان خلال كلمته في الأمم المتحدة قبل يومين حين قال "إن إيران لن تقع في الفخ الإسرائيلي باستدراجها لحرب مفتوحة معها".
كل التضامن والمساندة والتعاطف مع الشعب اللبناني المنكوب، وأشد عبارات الإدانة والاستنكار ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، أما "حزب الله" فقد حصد ما زرعه من غرس الدم والإرهاب ضد الشعب اللبناني والسوري، ناهيك عما قام به من إجرام وتآمر على باقي المنطقة العربية، وبالذات دول الخليج العربي، فتلك قائمة في حاجة إلى مقالة أخرى.