على جبهتي غزة ولبنان نتنياهو يلعب على عامل الوقت
ترى تل أبيب أن الحزب الذي تعرض لأقسى ضرباته وأصعبها على الإطلاق ويعيش فراغاً غير مسبوق في بنيته الهيكلية، ما يعزز الفرص لتشكيل تحالف ضد إيران (أ ف ب)
في سبتمبر (أيلول) 2024 قررت تل أبيب وبعد نحو عام من الحرب الطاحنة على قطاع غزة تغيير المعادلة ونقل ثقل الحرب إلى الجبهة اللبنانية التي ظلت تستعد للحرب عليها منذ عام 2006، ووجهت ضربات نوعية للحزب هي الأشد خطورة والأكثر ضراوة في تاريخ إسرائيل، بلغت أوجها بقصف مقر قيادة "حزب الله" أسفل الضاحية الجنوبية مستهدفة الأمين العام للحزب حسن نصرالله وعدداً كبيراً من القادة والكوادر في "تحول تاريخي" يرى كثر أنه قد يغير قواعد اللعبة بصورة كبيرة وينقل الحرب إلى مربع أشد ضراوة من ذي قبل، وسط إجماع حول أن المنطقة دخلت مرحلة حساسة وخطرة. وترى تل أبيب أن الحزب الذي تعرض لأقسى الضربات وأصعبها على الإطلاق، يعيش فراغاً غير مسبوق في بنيته الهيكلية، مما يعزز الفرص لتشكيل تحالف ضد إيران.
وفي خضم تساؤلات حول مستقبل الحرب في جبهة لبنان، والتخوفات من استكمال إسرائيل جهدها العسكري بتنفيذ عملية برية بحال استمرار إطلاق القذائف والصواريخ عبر حدودها الشمالية، رسم محللون وسياسيون وخبراء، سيناريوهات رمادية لما قد يحدث بعد عملية اغتيال نصرالله، في ظل مساع إسرائيلية لاستغلال الدعم الأميركي المطلق، خصوصاً أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، بأن الولايات المتحدة عازمة على منع إيران والجماعات التي تدعمها من استغلال الوضع في لبنان أو توسيع رقعة الصراع عبر الدعم الكامل لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وأنها لا تزال ملتزمة الدفاع عنها.
ووفقاً لمشروع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "INSS" الذي نشر في عام 2021 حول الحرب المقبلة في الشمال، أدرج جنوب لبنان كإحدى أخطر دوائر التهديد تجاه إسرائيل نظراً لقربه المباشر من الحدود، بخاصة أن "حزب الله" عزز وجود مقاتليه في منطقة جنوب نهر الليطاني على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وهو ما عدته تل أبيب انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 ونص على انسحاب عناصر الحزب إلى شمال الليطاني، وقصر الوجود العسكري جنوب النهر على الجيش اللبناني وقوات يونيفيل (قوات دولية متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان)، بينما وضعت العراق ضمن "الدائرة الثانية"، فيما أدرجت إيران واليمن ضمن "الدائرة الثالثة". وظلت المخاوف الأمنية التي يخشاها الخبراء العسكريون الإسرائيليون تدور حول حدوث حرب متزامنة متعددة الجبهات في الدوائر الثلاثة تزامناً مع اشتعال حرب في غزة والضفة الغربية، ضمن ما أطلقوا عليه اسم "حلقة النار" الإيرانية.
منافع سياسية
على رغم التحولات السياسية الداخلية الكبرى التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الأيام والأسابيع الأخيرة وانسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي لتحل مكانه نائبته كامالا هاريس المرشحة الأبرز على بطاقة الحزب الديمقراطي لانتخابات 2024، لا يتوقع الإسرائيليون أن تتغير ملامح السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وأزمات الشرق الأوسط. ويرى مراقبون أن نتنياهو وإلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيسعى إلى تحقيق منافع سياسية محضة، تجعل الحرب على غزة، على رغم من إخفاقاتها، شيئاً من الماضي، ويفتح صفحة جديدة في كيفية المضي قدماً في الأشهر المقبلة لتحقيق الأهداف المهمة لكلا البلدين، مثل إطلاق سراح جميع الرهائن، وهزيمة "حماس"، ومواجهة "محور الإرهاب" المتمثل بـ"حزب الله" وإيران ووكلائها، وضمان "عودة جميع مواطني إسرائيل بأمان إلى ديارهم في الشمال والجنوب". ومهما كانت السياسة التي قد تتبعها هاريس، فإنها وفقاً لمحللين سترث نهج بايدن لضمان أمن إسرائيل مع الدفع نحو إنهاء الصراع في غزة، مع خطة لليوم التالي تتضمن سلاماً إقليمياً مع الدول العربية. ولم يكتف بايدن بتبني الولايات المتحدة رسمياً ما طرحه من مقترحات في مايو (أيار) الماضي، من شأنها وقف إطلاق النار في غزة، أعلنت "حماس" قبولها من حيث المبدأ، لكنه حرص على أن تحظى مقترحاته بغطاء دولي يضفي عليها قدراً أكبر من الجدية، عبر إقدام إدارته على صياغة مشروع قرار وطرحه أمام مجلس الأمن، أفضى إلى تبني المجلس القرار رقم 2735، الذي تحولت بموجبه المقترحات الإسرائيلية-الأميركية إلى قرار أممي ملزم، يطالب بوضع آلية تتضمن جدولاً زمنياً للتنفيذ، إلا أن نتنياهو وضع في طريقه كل أنواع العراقيل إلى أن أوصله إلى طريق مسدود. ويعد المستشار العام السابق للمؤتمر اليهودي العالمي، مناحيم روزنسافت في مقال لمجلة "نيوزويك" الأميركية، أنه وعلى رغم أن هاريس "صديقة ومؤيدة لإسرائيل"، فإنه لا يمكن اعتبارها "مضمونة" بالنسبة لنتنياهو وهذا ما يثير رعبه".
6