عن حروب الخيال العلمي.. ما الذي يهم عراقياً إزاء إجرام حكومة نتنياهو؟
"لا تجعلوا العراق هدفاً لعمليات الانتقام"
منذ عملية الاغتيال العجيبة للعالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 دخلنا في طور جديد من المواجهة في المنطقة، أساسه؛ الإمكانات العلمية الفائقة التي تخدم الجهد الاستخباري العسكري.
تفاصيل العملية التي نفّذها الموساد الاسرائيلي تشبه شيئاً يمكن أن نتابعه في سلسلة أفلام توم كروز "المهمة المستحيلة"، فالعالم النووي الإيراني أغتيل بمدفع رشّاش تم التحكّم به عن بعد، ومزوّد بتقنية التعرّف على الوجه بكاميرات حسّاسة، وجرى تشغيل السلاح بتوجيه عبر الاقمار الصناعية.
كان السلاح في شاحنة مغلقة من نوع نيسان، وضعت على جانب الطريق، وحينما مرّ فخري زادة بسيّارته من أمامها استهدفته بأجزاء من الدقيقة، ولم تصب زوجته الجالسة بجواره بأي أذى.
كان يخدم هذه العملية النوعية بالطبع عملاء على الأرض، وهم ليسوا أناساً عاديين، وأنما قريبين من مصادر المعلومات الحسّاسة.
قبلها، في 2010 هاجمت إسرائيل من خلال عملية سبرانية المنشآت النووية الإيرانية، بما يعرف بعملية Stuxnet، التي أضعفت عمل أجهزة الطرد المركزي لفترة من الوقت قبل اكتشاف الاختراق.
تحاول إيران بشتّى الطرق تحسين قدراتها، رغم العقوبات الاقتصادية الأميركية، وضعف الاقتصاد الإيراني، ولكن هذه العمليات كشفت، منذ ذلك الوقت، أنها متأخرة قياساً بالقدرات التقنية والاستخبارية العسكرية الإسرائيلية.
في حسابات المواجهة، فإن إيران تعرف أنها ستكون خاسرة، لذلك لم تردّ على هذه الهجمات بشكل مكافئ، وفضّلت دائماً أن تكون أذرعها المليشياوية في المنطقة هي المتصديّة للمواجهة المباشرة، وأن أي مواجهة مع إسرائيل ستبدأ أولاً مع هذه الأذرع بوقت طويل قبل أن تصل إلى الأراضي الإيرانية.
وقد يقول بعض المحلّلين إن إيران لا تريد شيئاً يلهيها عن هدفها الأبرز؛ الوصول إلى القنبلة النووية، فهي وحدها ستكون قادرة على حماية النظام الإيراني، وعلى ردع القدرات المتقدّمة لأعدائها.
كما أن هناك من يرى أن إيران تعوّل على الصعود الاقتصادي لحليفتها الصين، وأن تتحوّل عمّا قريب ـ وهو أمرٌ متوقّع ـ إلى القوّة الاقتصادية الأولى في العالم، متجاوزة أميركا والاتحاد الأوروبي.
لكن الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، وضعت هذه التصوّرات التي تحكم سلوك النظام الإيراني أمام اختبار قاسٍ، لينتهي الأسبوع الماضي بحدث مزلزل؛ اغتيال أكبر حلفائها في المنطقة السيد حسن نصر الله.
اليوم تجاوزت إسرائيل حدود المواجهة مع حماس في قطاع غزة إلى بوادر اشعال حرب شاملة في المنطقة، بل هي تخوض فعلياً حرباً في لبنان، وركن قطاع حماس المدمّر وأهله المهجّرين والمنكوبين على هامش التغطيات الخبرية في القنوات الفضائية.
من الواضح أن إيران التي تلقت العديد من الضربات الاسرائيلية لا تريد الدخول بنفسها في هذه المواجهة، وتعوّل على استمرار المواجهة من قبل أذرعها وحلفائها.
الذي يهمّ، عراقياً، إزاء اجرام حكومة نتنياهو اليمينية المنفلتة، والتي تحضى بحماية أميركية، أن لا ننجرّ إلى أتون الصراع العسكري، ونقدّم العراق هدفاً سهلاً لعمليات انتقام لا نعرف مداها، قد تقوم بها قوّات التحالف بقيادة أميركا نيابةً عن إسرائيل.
هناك وسائل دعم ومساندة كثيرة للفلسطينيين المنكوبين واللبنانيين، الذين نزح منهم مليون إنسان وقتل العشرات جرّاء عمليات القصف الاسرائيلية، من دون أن نضع منشآت العراق الاقتصادية والعسكرية هدفاً للصواريخ الاسرائيلية.
وما هو أهم وأعمق؛ إن كان قدر العراق المواجهة مع إسرائيل، كما يحبّ للبعض أن يتصوّر، فعليه أن يجهّز نفسه علمياً وتقنياً واقتصادياً لشيء من هذا النوع، وأن يبني دولة قوية ونظاماً سياسياً يحظى بتأييد المواطنين العراقيين، وأن نتخلّص من الاتكاء على بئر النفط الذي إن توقّف تدفق سائله السحري يتوقف اقتصاد العراق، وأن نعلّم الأجيال الجديدة علوم العصر، التي صارت توازي فرضيات الخيال العلمي التي قرأنا عنها أو شاهدناها في السينما في عقود سابقة. فمن دونها لا مكانة محترمة لنا في هذا العصر، ولن نستطيع حماية أنفسنا، ولا مساعدة أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة.
نقلاً عن الجبال