هل تؤثر هجمات الفصائل على ترتيبات إنهاء مهمة التحالف في العراق؟
إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تشكل عام 2014 لا علاقة له بالوجود العسكري الأميركي في العراق (أ ف ب)
تعرضت قاعدة "فيكتوريا" العسكرية فجر أمس الثلاثاء لهجوم بصاروخي "كاتيوشا" سقط الأول بالمرآب الخاص بالفوج الثاني لجهاز مكافحة الإرهاب، فيما سقط الآخر بساحة داخل مطار بغداد الدولي من دون حدوث أضرار. هي ليست المرة الأولى التي تكون فيها قاعدة "فيكتوريا" ضمن مرمى أهداف الميليشيات الموالية لإيران، ولعلها لن تكون الأخيرة، فغالباً ما تستهدف الميليشيات ومع كل أزمة سياسية أو أمنية القواعد الأميركية إلا أن جحم الدمار النتائج عن الصواريخ يكاد يكون محدوداً أو من دون أضرار ملموسة، فالهجوم بالصواريخ أو المسيرات هدف تسعى من خلاله الميليشيات الولائية إلى إقناع جمهورها بأنها تشكل أداة ضغط وتهديد على الإدارة الأميركية لكي تسحب قواتها من العراق أو أنها جزء مهم ومشارك في الحرب الدائرة حالياً في غزة ولبنان.
ومع الاستهداف الذي طال القاعدة، وجه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وزير الداخلية لإجراء تحقيق فوري لمعرفة أسباب الخرق الأمني وإعلان نتائج التحقيق وتحديد المقصرين خلال 48 ساعة، وقد أعلنت وزارة الداخلية في بيان البدء بإجراء التحقيق لمعرفة ملابسات الاستهداف. وجاء في البيان "في وقت تسعى فيه وزارة الداخلية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في جميع مناطق البلاد، تحاول عناصر خارجة عن القانون تعكير صفو الأمن، وكان آخرها ما حصل من خرق في اليوم الأول من أكتوبر 2024 على مطار بغداد الدولي". وقد تم وقف آمر القوة الماسكة للمنطقة التي أطلقت منها الصواريخ، كما عثرت القوات الأمنية على منصة الإطلاق في عجلة نوع "كيا حمل" في القرية العصرية بمنطقة العامرية وبداخلها عدد من الصواريخ التي لم تطلق.
قاعدة "فيكتوريا"
تقع قاعدة "فيكتوريا" العسكرية على أراضي المطار على بعد نحو خمسة كيلومترات من مطار بغداد الدولي. والمكان كان يضم في السابق أكثر من قصر رئاسي، ويمكن للقاعدة أن تستوعب ما يصل إلى 14 ألف جندي. القاعدة هي عبارة عن مزيج من المنشآت العسكرية حول مطار بغداد الدولي، وتضم 10 قواعد وهي "فيكتوريا" و"فيول بوينت" و"سلاير" و"سترايكر" و"كروبر" و"ليبرتي" و"قصر الرضوانية" و"دبلن" وقاعدة "سثر" الجوية وقاعدة "سيتز" اللوجيستية وهي تستضيف المقر الرئيس لجميع العمليات الأميركية في العراق ومعسكر "فيكتوري"، كما تضم قصر الفاو. يتمتع معسكر "فيكتوري" المعسكر الرئيس لمجمع قاعدة "فيكتوريا" باتصال وثيق مع إحدى القواعد الأميركية العديدة الموجودة في ألمانيا قاعدة "هايدلبرغ". ويعد موقع القاعدة "من أوائل المناطق التي سيطرت عليها القوات الأميركية في عام 2003 وتعد من أول النجاحات وأهمها في العراق". كما تضم "فيكتوريا" مجموعة واسعة من المطاعم إضافة إلى مكان للبولينغ وملاعب كرة سلة وكرة قدم.
الحكومة محرجة
لعلها المرة الأولى التي يوجه فيها رئيس الوزراء وزير الداخلية للتحقيق في الاستهداف الأخير الذي طال قاعدة "فيكتوريا"، مما يشير إلى أن الفصائل المسلحة بدأت تحرج الحكومة الحالية لا سيما بعد الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة على إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الذي تقوده واشنطن في بغداد بحلول سبتمبر (أيلول) 2025، على أن يتم الانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية. في هذا السياق، يوضح الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي أن "الحكومة العراقية ورئيسها محرجان بعد الاستهداف الذي طاول القواعد الأميركية، فهي تعرف تماماً من هي المجموعات التي تقوم بهذه العمليات، ولكنها عاجزة عن إيقافها، وهذا الأمر تعرفه الولايات المتحدة الأميركية تماماً".
ويتابع، "الجميع يعرف أن الحكومة العراقية ورئيسها لا يملكان القدرة على ملاحقة أو معاقبة الميليشيات، فهذه المجموعات محصنة، والقوات الأمنية العراقية غير قادرة على المساس بها". يكمل الكبيسي قائلاً، "تستطيع هذه الميليشيات التصرف بحرية ونقل الصواريخ وقواعدها، وهي تعلم جيداً ألا أحد يستطيع إيقافها أو منعها. وما يجري من تحقيق بعد عمليات القصف هو محاولة لرفع الحرج عن الحكومة أكثر منه إجراءات حقيقية لمنع هذه العمليات".
التحقيق في الاستهداف
إلى ذلك يرى الكاتب والصحافي فلاح المشعل أن دعوة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى التحقيق في قضية الاستهداف الأخير الذي طاول قاعدة "فيكتوريا" وإلقاء القبض على الفاعلين ومحاسبتهم، وهو إجراء يتناسب مع التعدي الذي يشعر به السوداني على قرارات حكومته مع قوات عسكرية دولية جاءت لحماية العراق من الإرهاب، خصوصاً أن المحيط الإقليمي للعراق يشهد حرباً قد تصل العراق بسبب نشاط الميليشيات التي تشارك بقصف إسرائيل من العراق، والتهديدات التي أطلقتها إسرائيل في الرد على العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاولات طائشة
ويصف المشعل الاستهداف "بالمحاولات الطائشة" لإثبات الذات لا أكثر، ويقول "ضربات الميليشيات ليس لها أثر أو فعل في إحداث أضرار لقوات التحالف، بل إن نتيجتها سلبية ومتقاطعة مع توجهات الحكومة ومداولاتها واتفاقاتها مع قوات ودول التحالف بانسحاب هذه القوات خلال العام المقبل".
يعد المشعل أن "هذه العمليات تعطي انطباعاً بوجود نشاط إرهابي ما يستدعي وجود قوات دولية، وهو السبب ذاته الذي جعل هذه القوات تأتي للعراق بطلب عراقي يوم كان الإرهاب الداعشي يهدد بغداد وبقية مدن العراق".
إنهاء مهمة التحالف لا يعني انسحاب القوات الأميركية
ويوضح الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي أن "هناك اتفاقاً في شأن إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تشكل عام 2014 ضد ’داعش’، لكن هذا لا علاقة له بالوجود العسكري الأميركي في العراق، وثمة من يسعى إلى التعتيم على هذه الحقيقة".
وفي السياق يرى الباحث لقاء مكي أن الاتفاق الأمني لم يتضمن أي إشارة لانسحاب القوات الأميركية من العراق، "الانسحاب من العراق سيكون حينما تريد الولايات المتحدة وحينما تشعر ألا فائدة من البقاء، وتلك الهجمات لن تؤثر في القرار بهذا الخصوص".
وتابع مكي أن الهجمات على القواعد الأميركية ليست جديدة فهي تحدث كلما تصاعدت حدة المواقف بين الولايات المتحدة وأطراف تابعة للمحور الإيراني لتصفية الحسابات السياسية، والاستهداف الأخير لقاعدة "فيكتوريا" هو جزء من سياق الحرب بعد اغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، وقد لا ترد الولايات المتحدة على هذه الضربة إذا صدت الصواريخ، ولم يصب أحد بأذى. وتابع "الهجمات لن يكون لها تأثير في القرار الأميركي بالبقاء أو الرحيل، ولن ترغب الولايات المتحدة أن تظهر بموقع المهزوم أمام مجموعة ميليشيات أو مسلحين محليين خصوصاً أن الحكومة العراقية ترفض هذا القصف وتعده خروجاً عن القانون". ويختم مكي قائلاً، "كل الظروف السياسة تؤكد بقاء القوات الأميركية في العراق لفترة مقبلة غير معروفة".