ما شكل وحدود الرد الأميركي على هجوم إيران ضد إسرائيل؟
إسرائيليون يحتمون من الصواريخ الإيرانية تحت أحد الجسور في تل أبيب، الثلاثاء 1 أكتوبر الحالي (أ ف ب)
على عكس الهجوم الذي شنته في أبريل (نيسان) الماضي على إسرائيل، لم تبلغ طهران الأميركيين بعزمها توجيه ضربة ثانية يوم الثلاثاء (الأول من أكتوبر / تشرين الأول) إلى إسرائيل، لكن الضربات الصاروخية الإيرانية التي وصفتها واشنطن بأنها "مهزومة وغير فعالة"، اعتبرتها أيضاً تصعيداً كبيراً ستترتب عليه عواقب وخيمة بالنسبة إلى إيران، فما الذي تعنيه هذه العواقب في ظل توقعات برد إسرائيلي قوي على طهران؟ وما شكل وحدود الدور الأميركي المنتظر؟ وهل يمكن أن تشارك الولايات المتحدة إسرائيل في توجيه ضربة قاصمة لإيران؟ أم إن هدفها المتمثل في منع حرب شاملة سيحول دون ذلك؟
دعم كامل
على رغم الدور الأميركي المحدود في صد هجمات نحو 180 صاروخاً باليستياً إيرانياً على إسرائيل أمس الثلاثاء، استخدم المسؤولون الأميركيون تعبيرات متباينة في وصفهم للدعم الأميركي لإسرائيل والعواقب المحتملة، إذ حذر الرئيس جو بايدن من التشكيك في مستوى الدعم الأميركي، مؤكداً أنه "دعم كامل وتام"، مشيراً إلى أن نتيجة الضربة الإيرانية كانت شهادة على التخطيط المكثف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في توقع الهجوم والدفاع ضده.
في الوقت نفسه تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن عواقب وخيمة ضد إيران من دون أن يكشف عن طبيعتها، مكتفياً بالحديث عن خطوات تالية مناسبة لتأمين المصالح الأميركية أولاً، ثم تعزيز الاستقرار إلى أقصى حد ممكن، إذ يهدد العنف المتصاعد بتقويض أحد أهداف السياسة الخارجية الرئيسة للولايات المتحدة، وهو منع حرب شاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ضغوط جمهورية
وبينما تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تدفع إيران ثمناً باهظاً، وأكد مسؤولون آخرون في الجيش الإسرائيلي الرد المتوقع في الزمان والمكان المناسبين لإسرائيل، لم يكن واضحاً ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في مثل هذا الرد المحتمل، لكن إدارة بايدن تعرضت لضغوط من كبار أعضاء الكونغرس الجمهوريين، وكان أحد ردود الفعل الأولى من من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي وصف الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل بأنه "نقطة تحول"، ودعا إدارة بايدن إلى تنسيق "رد ساحق" مع إسرائيل، بما في ذلك ضرب مصافي النفط الإيرانية بقوة.
ودفع زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الإدارة الأميركية إلى فعل متناسب، مشيراً إلى ضرورة أن تواجه إيران عواقب وخيمة، وأنه لا يكفي اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة قبل لحظات من وصولها إلى المدنيين في إسرائيل أو إلى أفراد أميركيين في البحر الأحمر، بل "حان الوقت لأميركا أن تتصرف مثل صديق لإسرائيل".
دور حاسم
غير أن المسؤولين الأميركيين يعتبرون أن لهم الفضل في اكتشاف علامات الهجوم الإيراني الوشيك في الساعات التي سبقت إطلاقه، مما كان له أهمية كبيرة في درء الخطر عن الإسرائيليين في غياب تحذير مباشر أو غير مباشر من الحكومة الإيرانية قبل شن الهجوم، مثلما فعلت في الـ13 من أبريل (نيسان) الماضي للرد على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل عدد من القادة الإيرانيين والسوريين، وبهذا أثبتت الولايات المتحدة أن دورها في تقديم المعلومات الاستخبارية، وليس القوة العسكرية، شكل أهمية أكبر اعترف بها الجيش الإسرائيلي.
وعلى رغم الدور الأميركي الحاسم في صد الهجمات الإيرانية في أبريل الماضي حين أسقطت مدمرتان أميركيتان متمركزتان في البحر المتوسط حفنة من الصواريخ الباليستية، وأسقطت بطارية دفاع صاروخي باتريوت صاروخاً فوق العراق، بينما أسقطت طائرات أميركية من سربين مقاتلين عشرات القذائف المتجهة إلى إسرائيل، بدا الدور الأميركي هذه المرة محدوداً، إذ أطلقت سفينتان حربيتان أميركيتان نحو 12 صاروخاً اعتراضياً فقط على صواريخ باليستية قادمة، فيما تمكنت إسرائيل، بشبكتها الدفاعية الجوية الواسعة، من إسقاط معظم القذائف والصواريخ القادمة بمفردها.
نذر حرب إقليمية
وفي حين سعت الولايات المتحدة إلى إبعاد شبح توسيع الحرب منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلا أن نذر اندلاع حرب إقليمية توشك أن تشتعل بعد الضربات الصاروخية الإيرانية، إذ يعتبر مهند حاج علي نائب مدير مركز "مالكولم كير كارنيغي" للشرق الأوسط، أن الهجوم الإيراني يعطي إسرائيل سبباً للرد مباشرة على الأراضي الإيرانية، لكنه أيضاً ربما يجعل نتنياهو يحد من رده مرة أخرى للتركيز على هجوم إسرائيلي ضد "حزب الله".
ويرى الخبير في الشؤون العسكرية الإيرانية في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري بولاية كاليفورنيا أفشون أوستوفار، أن هجوم إيران لم يكن له غرض استراتيجي يتجاوز الأمل في أن تفكر إسرائيل مرتين عندما تريد مهاجمة إيران، ومع ذلك من المرجح أن يؤدي الهجوم الإيراني إلى تأجيج الصراع أكثر ودفعه إلى مسار أكثر خطورة لا يمكن التنبؤ به، وهذا بدوره قد يمثل انحرافاً عن عقود تمكنت فيها إيران إلى حد كبير من إبعاد الصراع المسلح عن حدودها، من خلال تسليح وتدريب وتمويل الميليشيات في جميع أنحاء المنطقة لتوسيع بصمتها العسكرية، من دون أن تتورط القوات الإيرانية مباشرة في اشتباكات مع إسرائيل أو الجنود الأميركيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أخطار أكبر
وما يجعل الأخطار أكبر، هو السياق العالمي للقضية المشتركة بين إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية، إذ تسعى هذه الدول مجتمعة إلى تقويض النظام العالمي الذي بنته الولايات المتحدة وشركاؤها بشق الأنفس بعد الحرب العالمية الثانية، كما تؤكد عمليات التسليم الجديدة للصواريخ الباليستية قصيرة المدى من إيران، وكذلك إمداداتها المستمرة للطائرات المسيرة المسلحة لروسيا، الأخطار العالمية التي تنطوي عليها هذه العملية.
ويوضح الخبير بالمجلس الأطلسي في واشنطن جوناثان بانيكوف أن "الأخطار تتزايد حالياً لأن الحرس الثوري الإيراني هو الذي دفع إلى توجيه ضربة صاروخية باليستية إلى إسرائيل لاستعادة الردع وتعزيز قوات ’حزب الله‘ بعدما وضعت إسرائيل إيران في موقف لا يمكن الفوز فيه، لأن التيار المتشدد في طهران كان يخاطر إذا فشل في التصعيد وضرب إسرائيل، فإن إيران ستفقد صدقيتها لدى وكلائها، الذين يعتقدون أنها لم تفعل ما يكفي لمساعدتهم، لكن التصعيد قد يؤدي إلى ضربات انتقامية من جانب إسرائيل على إيران نفسها، بما في ذلك منشآتها النووية".
ومع ذلك يرى رئيس المجلس الأطلسي ومديره التنفيذي فريدريك كيمب أن "الضربة الصاروخية الإيرانية التي لم تسفر عن أضرار مهمة في المنشآت الإسرائيلية المستهدفة، كانت أشبه بحل وسط بين المتشددين والإصلاحيين في إيران، إذ كان الهجوم كاف لتهدئة المتشددين وكسب الوقت لقيادة إيران من دون الذهاب إلى حد إشعال حرب أوسع نطاقاً مع إسرائيل أو، الأسوأ من ذلك، مع الولايات المتحدة".
استعداد أميركي
ومع إمكان ازدياد الأوضاع سوءاً بين إسرائيل وإيران، عززت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في الشرق الأوسط، إذ أمرت إدارة بايدن بإرسال قوات عسكرية إضافية للمساعدة في ردع أي هجوم إيراني والدفاع عن إسرائيل. وأرسل البنتاغون في الأيام القليلة الماضية قدرات دفاع جوي إضافية، بما في ذلك زيادة عدد الطائرات المقاتلة للمساعدة في إسقاط الصواريخ الإيرانية، وأصدر توجيهات لحاملة الطائرات أبراهام لينكولن بالبقاء في المنطقة، بينما من المتوقع وصول مجموعة حاملة الطائرات هاري ترومان إلى البحر المتوسط في الأيام المقبلة.
وتتضمن الزيادة في الطائرات إرسال ثلاثة أسراب من طائرات "أف-16" و"أف-15إي" و"إيه-10"، التي ستضاف إلى طائرات "إف-16"، و"إف-15" و"إيه-10" المنتشرة بالفعل في المنطقة، ويعد قرار إرسال طائرات "إف-16" و"إف-15إي" أميركية إضافة مهمة لأنها لعبت دوراً في إسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية في أبريل (نيسان) الماضي، كما أن سرباً من طراز "إف 22" وصل في أغسطس (آب) الماضي، كجزء من زيادة القدرات الجوية الأميركية.
ووضعت الولايات المتحدة سفناً حربية قادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية في المنطقة وفقاً لمسؤول في البنتاغون، وهناك ثلاث مدمرات قادرة على الدفاع ضد الصواريخ الباليستية في شرق البحر المتوسط، وأربع في البحر الأحمر وواحدة في خليج عمان إلى جانب حاملة الطائرات.
تحذيرات إيرانية
لكن يبدو أن إيران لا تكتفي فقط بتحذير الإسرائيليين، بل امتد التحذير إلى الأميركيين، ففي أعقاب الضربات، قالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة إنه "تم تنفيذ الرد القانوني والعقلاني والمشروع من جانب إيران على الأعمال الإرهابية التي ارتكبها النظام الصهيوني التي شملت استهداف المواطنين والمصالح الإيرانية وانتهاك السيادة الوطنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على النحو اللائق"، وأنه "إذا تجرأ النظام الصهيوني على الرد أو ارتكاب مزيد من الأعمال الخبيثة، فسيتبع ذلك رد لاحق ساحق وننصح الدول الإقليمية وأنصار الصهاينة بالانفصال عن النظام".
وبينما نفت "المقاومة الإسلامية في العراق" تقارير عن استهداف مواقع عسكرية أميركية بالقرب من قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، أصدرت "لجنة تنسيق المقاومة العراقية" تحذيراً مباشراً للقوات الأميركية في المنطقة تماشياً مع التصعيدات الأخيرة، قالت فيه إنه "إذا تدخل الأميركيون في أي عمل عدائي ضد الجمهورية الإسلامية، أو إذا استخدم العدو الصهيوني المجال الجوي العراقي لتنفيذ أية عمليات قصف على أراضيه، فإن كل القواعد والمصالح الأميركية في العراق والمنطقة ستكون هدفاً لنا".
موقف واشنطن
حتى بعد هجوم يوم الثلاثاء، لا يزال المسؤولون الأميركيون، يعتقدون أن إيران لا تريد حرباً أوسع نطاقاً مع إسرائيل، لأنهم يعتقدون أنها حرب ربما لا تستطيع إيران الفوز بها.
وعلى مدار العام الماضي، حذرت إدارة بايدن مراراً حكومة بنيامين نتنياهو في أعقاب الهجمات التي شنها الخصوم، بما في ذلك إيران، من انتزاع الفوز وتجنب تأجيج مزيد من التصعيد من خلال تنفيذ ضربة مضادة كبرى، وهو من المرجح أن تفعل ذلك مرة أخرى في هذه الحالة.
ويشير المسؤولون الأميركيون إلى أنهم ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل عندما تواجه البلاد هجمات خارجية، لكنهم لا ينوون القيام بعمليات هجومية في لبنان أو دول أخرى، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، حين أوضح أن إدارة بايدن ستواصل العمل على درء مثل هذا الصراع، وقال للصحافيين: "كانت هناك مرات عدة خلال الأشهر الـ12 الماضية، إذ بدا الأمر وكأننا قد نصل إلى مثل هذا الحريق الهائل"، في إشارة إلى الحرب التي اندلعت بالهجوم الذي قادته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.