لماذا تمدد إسرائيل حربها في لبنان على رغم انهيار "حزب الله"؟
دبابات إسرائيلية متمركزة على حدود لبنان (أ ف ب)
استخدمت إسرائيل حرب الإسناد التي أعلنها "حزب الله" في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 دعماً لحركة "حماس" في غزة كذريعة للحصول على موافقة أميركية وشرعية دولية لشن معركتها في كل الأراضي اللبنانية. وأخيراً، صرح قائد سلاح الجو الإسرائيلي بما يفيد بأنه الهدف من استكمال الحرب على لبنان بعد تقليص قدرات "حزب الله" إلى حدها الأدنى بالقول "نعمل الآن في لبنان، على منع أي إمكانية لنقل الأسلحة من إيران تعويضاً عما قمنا بتقليصه الآن من مخزون الحزب". وهذا الضغط سيتصاعد كلما اقتضى الأمر ذلك دون حصره في أي مناطق محددة أو مجالات معينة، سواء تحت الأرض أو فوقها في جنوب لبنان وكذلك في بيروت. وما عبر عنه الجنرال الإسرائيلي هو واحد من الأهداف المعلنة للحرب المستمرة في غزة ولبنان.
أهداف الحرب تتناسل من بعضها
الهدف الثاني من الحرب المستمرة على لبنان كما يقول المحلل السياسي الإسرائيلي تامير هايمن هو تفكيك البنى العسكرية الموجودة تحت الأرض التي تم تجهيزها لقوة الرضوان في "حزب الله" على الحدود مع إسرائيل. ولو صح ما يقوله هايمن عن غزو بري للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان فإن التجربة التاريخية تدل على أن تلك العمليات البرية تتوسع أكثر من المخطط له.
وإذا تم توسيع أهداف الغزو لتشمل إحباط القدرة على إطلاق الصواريخ فإن الحديث سيدور على العودة إلى حدود الحزام الأمني السابق. أما إذا تم توسيع الأهداف لإحباط قدرات "حزب الله" العسكرية فسيتوسع الغزو البري العسكري حتى بيروت مثل ما جرت العادة كما يطالب قسم مهم من الإسرائيليين. ويعتمد العسكريون الإسرائيليون فكرة أن الدبلوماسية ليست بديلاً من الضغط العسكري، بل تسير بالموازاة.
آثار قصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية للبنان (أ ف ب)
وكتبت الباحثة في الشؤون الإسرائيلية رندة حيدر في مجلة دراسات فلسطينية تحت عنوان "أبعاد العدوان الإسرائيلي على لبنان" أن الحرب التي أدت حتى الآن إلى وقوع آلاف القتلى والجرحى من اللبنانيين وتدمير عديد من القرى والبلدات وأحياء بأكملها في المدن اللبنانية ونزوح أكثر من مليون لبناني في فترة زمنية قصيرة خطط له الإسرائيليون منذ وقت طويل، وكان الجيش يستعد لهذا السيناريو منذ أكثر من 18 عاماً منتظراً الفرصة السانحة والتوقيت الملائم لتنفيذه.
وبعدما استكمل الجيش الإسرائيلي كل الاستعدادات والخطط العسكرية وافق مجلس الحرب في الـ17 من سبتمبر (أيلول) الماضي على وضع هدف إعادة سكان المستوطنات في الشمال إلى منازلهم ضمن أهداف الحرب. ورافق ذلك تسارع وتيرة الاغتيالات لكبار قادة "حزب الله"، وعمليات القصف التي طاولت الجنوب والضاحية الجنوبية وصولاً إلى البقاع، وكانت الذروة عملية اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله في الـ25 من سبتمبر الماضي، وفق حيدر.
كانت الرواية الرسمية لهدف الحرب على لبنان هي إبعاد مقاتلي "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني لضمان العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم وتطبيق القرار رقم 1701، لكن بعد اغتيال نصرالله قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن هذا الاغتيال خطوة حاسمة لتحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية.
ما الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل؟
من خلال محاولة إثبات قدرات إسرائيل الاستخباراتية والعسكرية والتكنولوجية وتفوقها على خصومها في العمليات القاصمة التي نفذتها ضد "حزب الله" و"حماس" انطلق الجيش الإسرائيلي للقيام بمهمة كسر حلقة النار التي طوقت بها إيران إسرائيل جنوباً عبر "حماس"، وشمالاً بـ"حزب الله"، وشرقاً عبر الميليشيات الموالية لطهران في العراق والصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من اليمن، ولكن من الواضح أن ثمة هدفاً استراتيجياً لا يقل أهمية عما سبق، أي تشكيل "شرق أوسط جديد". وهناك أصوات في إسرائيل تتحدث عن توسيع العملية البرية وإقامة منطقة أمنية فاصلة تمتد من الحدود حتى نهر الليطاني، وهناك من يتوقع وصول القوات الإسرائيلية إلى بيروت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعنوان "الاعتبارات الإسرائيلية قبل الرد" كتب رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن على إسرائيل رفع درجة الإيذاء في ردها على الهجوم الإيراني بصواريخ باليستية بعيدة المدى لضرب قواعد سلاح الجو وإعلاء دولة إسرائيل بصورة غير مسبوقة. وعلى رغم المصلحة الإسرائيلية في تعزيز الردع الذي حققته في لبنان وفي المواجهة السابقة مع إيران، فإنها قد تحقق نتائج تتعارض مع مصالحها ومع المصلحة الأميركية في حالة الهجوم على المنشآت النووية، إذ قد تؤدي إلى تسريع عمليات تطوير السلاح النووي في إيران وأن يؤدي أيضاً هذا إلى حرب شاملة تتورط طهران فيها، وهو ما يسميها الجميع بالحرب الإقليمية.
كيف تحقق إسرائيل أهدافها؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً يتناول طريقة دخول إسرائيل في المنظومة الداخلية لـ"حزب الله"، وجاء فيه أن إسرائيل عملت منذ انتهاء حرب لبنان الثانية سنة 2006 على بناء جهاز استخبارات هائل تمكن من اختراق الجماعة اللبنانية بصورة عميقة. وبحسب التقرير الذي استند إلى مسؤولين أميركيين وإسرائيليين سابقين وحاليين، فإنه في الأيام التي سبقت الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، كان مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية يخشون التعرض لضربة استباقية وشيكة من "حزب الله"، وكانوا يستعدون لوقفه باغتيال الأمين العام للحزب.
بعد نجاح عملية اغتيال نصرالله اعتبرها المعلقون الإسرائيليون لحظة فارقة بعد الفشل في تأمين انتصار حاسم في حرب 2006 التي انتهت باتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة وصدور القرار 1701، وهو ما سمح لـ"حزب الله" بالاستعداد للحرب المقبلة مع إسرائيل، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.
وخلال السنوات الماضية أمضت إسرائيل في جمع معلومات حيوية عن قيادة "حزب الله" واستراتيجيته وأنشأت فرقاً داخل الجيش لضمان التمرير السريع للمعلومات المتوافرة إلى الجنود والقوات الجوية.
يمكن القول إن "حزب الله" فقد كثيراً من قوته بعد الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي طالته وتخريب اتصالاته بتفجيرات أجهزة الاستدعاء واللاسلكي، واغتيال كبار قادته، وتدمير عديد من أسلحته في غارات جوية.
ضرب قوة "حزب الله" على الحدود، وفي الداخل كان أحد أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة على لبنان، التي ما زلت تدور رحاها بصورة تدميرية واسعة منذ ما يقارب الأسبوعين على رغم نجاح إسرائيل في تقويض الجماعة اللبنانية عسكرياً وتنظيمياً، فهل هذا يعني أن لدى إسرائيل أهداف أخرى تريد تحقيقها في لبنان قبل إنهاء الحرب على رغم مطالبة الحكومة اللبنانية بتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ليقف إلى جانب جنود "يونيفيل" لتأمين منع الاعتداء على طرفي الحدود؟
هل هناك أهداف أخرى للحرب؟
يمكن البدء في البحث عن إجابة لهذه التساؤلات من قول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن الهجمات العنيفة التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد "حزب الله" كانت غير كافية لردعه، مما جعله يتخذ القرار باغتيال نصرالله كشرط أساس لتأمين عودة سكان الشمال بأمان إلى بيوتهم وتغيير ميزان القوى في المنطقة على المدى البعيد.
يبدو أن هدف تغيير موازين القوى ليس واضحاً ومفهوماً كما هدف إعادة المواطنين إلى الشمال، الذين نزحوا منه خوفاً من هجمات "حزب الله". ويبدو أن تغيير الموازين لا طريق إليه إلا عبر تقويض بنية الجماعة اللبنانية والقضاء على قياداته العسكرية والسياسية وتحطيم معنويات أفراده وبيئته الحاضنة بناءً على منطق مفاده "اضرب بقوة شديدة حتى يستسلم العدو".
تنقل نشرة "مختارات من الصحافة العبرية"، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عن الجنرال احتياط عاموس يدلين تقديره أن إسرائيل تنشئ "شرق أوسط جديداً" بهدف إعادة سكان الشمال بأمان، والمضي نحو هدف إسقاط "حزب الله" وتهشيم الحلقة النارية التي تحاصر إيران إسرائيل بها، وبعد ذلك البدء بالعمل ضد الخلية التي تدير هذا كله في دمشق. أما الهدف النهائي فهو تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لمصلحة المعسكر المعتدل الذي تقف الولايات المتحدة على رأسه، كما كتب الجنرال يدلين.
تساءل محلل الشؤون الاستراتيجية والعسكرية عاموس يادلين في مقالته بعنوان "ما بعد نصرالله: إسرائيل تنشئ شرق أوسط جديداً" إلى أين ستكون وجهتنا من هذه النقطة؟ هل نحن ذاهبون إلى حرب إقليمية، أم إلى احتواء الحدث، بل أيضاً ربما إلى استثمار هذا النجاح في إنهاء الحرب؟ في رأيه تعد التطورات الأخيرة نقطة تحول حربية على سبع جبهات، وأنه على إسرائيل أن تقرر إما أن الهدف هو إعادة سكان الشمال بأمان، أو المضي نحو هدف أكثر طموحاً، يتمثل في إسقاط "حزب الله" و"تهشيم الحلقة النارية" التي حاصرتنا إيران بها. ويبدأ ذلك بتطبيق مختلف لقراري مجلس الأمن رقم 1559 و1701، إذ يستند التطبيق هذه المرة إلى منظومات رقابية أقوى وأوسع، ويجب إغلاق الحدود السورية - اللبنانية ومنع عمليات تهريب السلاح، ويضمن أيضاً نزعاً تاماً للسلاح في المنطقة الواقعة جنوب خط الليطاني، والتعامل مع هذه المطالب بصفتها مطالب لا تقبل التفاوض أو المهادنة، وتوفر لإسرائيل شرعية العمل ضد تنامي العمل العسكري في لبنان. وبرأي يادلين يجب على القرى التي تمثل البيئة الداعمة للحزب على الحدود أن تدفع الثمن الأقصى، سواء بالعمليات البرية أو الهجمات الجوية ولاحقاً بواسطة قوة دولية تملك صلاحيات كبرى ويتم نشرها على الحدود، ومن الملائم التوصل إلى حالة من التنسيق مع الأميركيين في شأن سيناريوهات إنهاء المعركة، ومنظومات هذا الإنهاء، التي سيكون الأميركيون هم من يقودونها.
وفي إطار فك حلقة النار الإيرانية المحيطة بإسرائيل يمكن التفكير في ضرب نظام بشار الأسد، الذي مثل الجسر الأساس للإمدادات العسكرية وتنامي "حزب الله"، كما أن إسرائيل لديها أيضاً "فاتورة مفتوحة" مع الحوثيين في اليمن، والميليشيات في العراق، كما يتمنى الجنرال يادلين.