هل تقلص إيران وجودها في سوريا مع توسع رقعة الحرب؟
دفعت قوات النظام السوري بمؤازرة القوات الروسية تعزيزات عسكرية إلى شرق الفرات (اندبندنت عربية)
لم يعُد القصف الإسرائيلي الذي يطاول دمشق ومحيطها أو أرجاء البلاد أمراً مفاجئاً، بل يتكرر ويزداد حدة وبات يطارد أفراد وقادة "حزب الله" اللبناني، على رغم ترجيح عودتهم إلى الجنوب اللبناني للمشاركة في صد الهجوم البري الذي تشنه إسرائيل أخيراً.
نزيف الشرق
وتتجه الأنظار إلى شرق الفرات حيث تتمركز قوات عسكرية مقاتلة مدعومة من إيران ويشرف عليها الحرس الثوري، مع معلومات واردة عن تحجيم دورها وتقليص حركتها، بينما يرجح متابعون للمشهد الميداني السوري في شرق البلاد حدوث تغييرات في الميدان للحفاظ على المواقع العسكرية وعدم خسارتها مع اشتداد حدة المعارك من قبل التحالف الدولي والفصائل المحلية الحليفة.
في الأثناء، دفعت قوات النظام السوري بمؤازرة القوات الروسية تعزيزات عسكرية تضم سيارات محملة بالجنود والأسلحة إلى بلدة خشام وأطراف بلدة الطابية شرق الفرات، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، الهدف منها تخفيف وتقليص أعداد الفصائل الإيرانية الموجودة في تلك المناطق للحد من قصف قوات التحالف الدولي.
وأضاف المرصد أن "الأهالي طلبوا من قوات النظام السوري التدخل وإرسال مقاتلين إلى هذه القرى لتجنب القصف، من خلال سحب الفصائل الإيرانية، بالتالي عدم إعطاء أي جهة ذريعة إطلاق النار".
العنف المتصاعد
في المقابل، واصلت القوات المدعومة إيرانياً في العراق وسوريا هجماتها المتصاعدة على قواعد التحالف الدولي داخل الأراضي السورية، في إطار حملة الانتقام لغزة حيث وثّق المرصد 14 هجوماً نفذتها تلك الجماعات وعلى رأسها "المقاومة الإسلامية في العراق" من بينها 11 هدفاً لقاعدة حقل كونيكو وعمليات على كل من قواعد التنف وخراب الجير الشدادي.
وتتأرجح سوريا على حافة عاصفة عسكرية وإنسانية واقتصادية، وحذر المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون من العنف المتصاعد داخل البلاد وفي غزة ولبنان، وقال في كلمة له أمام مجلس الأمن "نيران النزاعات تستعر في الأراضي الفلسطينية ولبنان، ويمكن تحسس هذه الحرارة في سوريا أيضاً، مما يثير القلق وقد يزداد سوءاً".
الانسحاب أم البقاء؟
ويشاع عن قرارات أصدرها جيش النظام بتقييد حركة فصائل "حزب الله" وتلك الموالية لإيران وتحجيم دورها، ويفسر مصدر ميداني ما يحدث من تقييد لتحركات العناصر وتغيير وسائل الاتصال والتواصل، بأنه يندرج ضمن الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وتجنباً لاغتيال قادتهم وتجنباً للكشف عن المعلومات السرية، لا سيما وسط البلاد وشرق سوريا حيث نطاق وجود معظم هذه التشكيلات.
ويرى رئيس برنامج الدراسات الإقليمية في مركز الشرق الأوسط للدراسات، والمتخصص في الشأن الإيراني نبيل العتوم في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه من غير المرجح أن تنسحب إيران بالكامل من سوريا في الوقت الراهن أو تخفف بصورة كبيرة من وجودها.
ويشرح ذلك بسبب مصالحها الاستراتيجية الحيوية في المنطقة، مضيفاً أن "إيران استثمرت على نحو كبير في دعم السلطات السورية سواء عبر قواتها المباشرة أو من خلال فصائل تدعمها مثل ’حزب الله‘ وفصائل شيعية أخرى للحفاظ على نفوذها وتأمين طرق إمدادها إلى لبنان وفلسطين".
وتنتشر الفصائل الموالية لإيران منذ عام 2012 منذ تحول الحراك الشعبي في سوريا قبل عام إلى نزاع مسلح عبر إرسال مستشارين عسكريين، إضافة إلى توافد عشرات آلاف المقاتلين الذين ينحدرون من جنسيات عدة من بينها عربية ولبنانية وعراقية، وغيرها من جنسيات إيرانية وأفغانية وباكستانية، ومن أشهر تلك الفصائل لواء "فاطميون" ولواء "زينبيون" ولواء "أبو الفضل العباس" و"حركة النجباء العراقية" و"عصائب أهل الحق" و"فيلق الوعد الصادق" و"سرايا طلائع الخرساني" وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهداف إيرانية
ويستعرض العتوم ما يخدم الوجود الإيراني من أهداف، من بينها حماية الحكومة في دمشق للحفاظ على "محور المقاومة" وهو بالتالي حليف يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق.
ويضيف أن "من الأهداف أيضاً الوصول إلى البحر المتوسط، والوجود الإيراني في سوريا يسمح لطهران بتوسيع نفوذها الجغرافي والسياسي تجاه البحر المتوسط شمال غربي سوريا، إضافة إلى دعم حلفاء إيران الإقليميين، إذ إن طهران استخدمت سوريا كقاعدة دعم لوجستي لـ’حزب الله‘ اللبناني ومجموعات مسلحة أخرى".
ومع ذلك، يرجح الباحث الأكاديمي حدوث "تغيير تكتيكي" إذا شعرت إيران بضغط كبير من روسيا أو المجتمع الدولي، أو إذا تعرضت لضربات متزايدة من قبل إسرائيل، أو نتيجة لتطورات داخلية لديها، لكن التراجع الكامل يبدو مستبعداً في المستقبل القريب، بخاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية.
حرب الاغتيالات
يأتي ذلك وسط تزايد وتيرة الاغتيالات التي تطاول شخصيات من "حزب الله" اللبناني وسط العاصمة دمشق، كان آخرها المسؤول عن وحدة التحويلات المالية مع مرافق له في سيارة كانا يستقلانها.
وظلت العلاقات السورية - الإيرانية وثيقة منذ الثورة في طهران عام 1979، ويُعدّ تحالف دمشق ـ طهران استراتيجياً، لا سيما مع تشكيل ما يسمى "محور المقاومة" في وجه الصراع الإسرائيلي، وصولاً إلى دعم دمشق خلال الحرب الداخلية الدائرة، إذ وصل عدد الفصائل المدعومة من إيران إلى 65 ألفاً من بينهم 11 ألف مقاتل من الجنسية السورية و18 ألف مقاتل من الجنسيات العربية والآسيوية.
وتشير المعلومات الواردة إلى انخفاض تحركات من بقي من أعضاء الحزب الناشطين على مستوى الصف الثاني والثالث، أو قيادات من فصائل إيرانية، لا سيما مع الاختراق الأمني الواسع، وخشية من استهداف يطاولهم في أحياء محددة بالعاصمة أو في مناطق مثل وسط البلاد في حمص، بينما هزّ قصف إسرائيلي حي كفر سوسة الدمشقي الذي يُعدّ من أشهر الأحياء الراقية والذي تتخذه هيئات أمنية ودبلوماسية وحكومية مقراً لها.
وعلى نحو متزايد، أخذت هذه الفصائل تتمركز في شرق الفرات بعد عام 2019 إثر إعادة انتشار للقوات النظامية بدعم روسي، وسعياً إلى إيجاد ممر بري آمن يربط العراق بلبنان عبر شرق سوريا، لا سيما في منطقتي البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي، وهما منطقتان حدوديتان تتاخمان العراق. وتمتلك تلك الفصائل أسلحة ثقيلة ومتوسطة من بينها منصات صواريخ متطورة قصيرة المدى وصواريخ "غراد" وصواريخ أرض ـ أرض وأرض ـ جو محمولة على الكتف ومدرعات، علاوة على الطائرات المسيّرة التي أربكت قواعد التحالف الدولي العسكري.
محور المقاومة
في هذه الأثناء، لم تؤكد مصادر رسمية أو تنفي انسحاب عناصر إيران من الحرس الثوري الإيراني أو "حزب الله" اللبناني من الأراضي السورية وسط غموض في ما يتعلق بالإعلان عن تحركات هذه الفصائل، وهي سياسة انتهجتها دمشق منذ تأسيس هذه الفصائل قبل عقد من زمن نشوب الصراع السوري المسلح، إذ يكتنف أخبارها التكتم، ويطلق عليها في حال الإعلان عن المعارك الميدانية خلال الأعوام الماضية، "القوى الرديفة".
ويرجح المتخصص السوري في شؤون العلاقات الدولية والاستراتيجية غسان اليوسف في حديث إلى "اندبندنت عربية"، بقاء سوريا الداعم الأقرب لـ"حزب الله" اللبناني، "ولن تتخلى عنه لأن دمشق تعتبر الحزب فصيلاً مقاوماً، فهو بالنهاية حركة مقاومة في وجه إسرائيل المحتلة للأراضي اللبنانية والفلسطينية وللجولان السوري".
ومع كل ما يدور من حرب إقليمية واسعة النطاق في لبنان وغزة، تصل شظاياها إلى سوريا، على رغم ابتعاد العاصمة دمشق وتجنب الدخول في معركة "وحدة الساحات" منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومع ذلك حاولت فصائل المقاومة في الجنوب السوري إرسال مسيّرات وشنت قصفاً بالصواريخ على مناطق مطلة على الجولان من دون أن تستمر لأسباب تتعلق بسياسة سوريا والواقع الميداني الخطر، خصوصاً أنها على وشك مواجهة التنظيمات المتطرفة شمالاً.