الجرافات تزيل بسطات الكتب في دمشق والمثقفون يعترضون
إحدى البسطات التي تم جرفها في دمشق (أندبندنت عربية)
بعد أكثر من 25 عاماً على تكريس هذا المكان في ذاكرة أجيال من القراء، ها هو مثل سواه من الأماكن يزال على مرأى من الجميع، مما أثار سخطاً كبيراً وردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال ساعات قامت مجموعة من المثقفين والفنانين السوريين بتوقيع بيان استنكاري على حادثة مقبرة الكتب الدمشقية، وأبرز الموقعين على هذا البيان كان كل من الروائي خليل صويلح والمخرج السينمائي محمد ملص والمسرحي أسامة غنم والناقدة ديانا جبور والمخرج السينمائي جود سعيد والصحافية انتصار صفية.
وجاء في البيان الذي حمل عنوان "رسالة مفتوحة إلى السيدة وزيرة الثقافة ومحافظ دمشق" أنه "بعد أن أغلقت معظم مكتبات العاصمة أبوابها، وأمام ارتفاع أسعار الكتب في بقية المكتبات، لم يبق من فسحة للقراء سوى بسطات الكتب المستعملة، إلا أن المذبحة التي طاولت هذه البسطات الموجودة منذ أعوام تحت جسر الرئيس بقرار من محافظة دمشق الأربعاء الماضي، سدّت آخر رئة لتنفس هواء المعرفة، الهواء الذي يميز كل عواصم العالم، وكان مثل هذا القرار الجائر قدر دمشق كي تُحتضر أكثر فأكثر".
وتابع الموقعون على البيان أن "ذريعة تجميل المكان، وبالطبع لسنا ضد ذلك حتى في زمن الحرب، كان يجب أن تطاول كل أنواع البسطات ما عدا بسطات الكتب بوصفها ملاذاً جمالياً ومعرفياً، وكان الأجدى إعادة رصيف كلية الحقوق لهويته القديمة، الرصيف الذي يعج اليوم بكل أنواع القبح، مما حجب إحدى التحف المعمارية عن نظر العابرين. أعيدوا لنا هذا المكان الأليف فما أقلّ الزاد وما أطول وحشة الطريق".
إتلاف الآف الكتب
وأدت الإغارة على بسطات الكتب التي تشابه بسطات الكتب في سور الأزبكية في القاهرة إلى تلف آلاف الكتب والمجلدات القيمة، إذ كانت حجة محافظة دمشق للقيام بهذا التصرف هو "إنشاء مشروع تفاعلي تحت الجسر ، ولن يكون أصحاب بسطات الكتب جزءاً منه"، ثم خرج محافظ دمشق بعد ردود الأفعال الغاضبة على تصرف المحافظة مصرحاً لوسائل إعلام محلية بأنه "سوف يتم التواصل مع أصحاب هذه البسطات ونقلهم الى أماكن منظمة في إحدى المناطق الشاغرة في دمشق والتي ستكون مخصصة لبيع الكتب المستعملة".
ولم يخبر تصريح محافظ دمشق عن طبيعة المشروع التفاعلي والقائمين عليه، وهو يشبه إلى حد كبير تلك التصاريح التي أدلى بها مسؤولون حكوميون بعد إخلاء محال سوق المهن التراثية في دمشق، والذين أخطروا بإنذار مشابه ليصبحوا بين ليلة وضحاها في العراء.
وقال أحد أصحاب بسطات الكتب لـ "اندبندنت عربية"، والذي فضل عدم ذكر اسمه، إن "خسائرنا فادحة، ومع أن المحافظة هي من أقامت لنا مدرجات لعرض الكتب قبل خمسة أعوام إلا أن هذا لم يشفع لمكتباتنا من ضربها بجرافة وكأننا بناء مخالف منذر بالهدم، فتمزقت آلاف المجلدات وتمت مصادرة البقية بواسطة شاحنة تابعة للمحافظة، ولو أنهم فقط أعطونا الوقت الكافي لنقل الكتب لما وقعت هذه المجزرة، لكن عضواً في المكتب التنفيذي للمحافظة أخبرنا أنه خلال ساعة فقط يجب إخلاء ما يقارب من 200 ألف كتاب، وهذا أمر يستحيل تنفيذه".
وكتب المحامي محمد درويش معلقاً على الحدث أن "محافظة دمشق العتيدة قررت فجأة ومن دون سابق إنذار إزالة البسطات ومصادرة الكتب وترحليها بسيارات القمامة، والحجة أن هذه البسطات تشوه المنظر الحضاري للبلد، وكل بسطات التبغ المهرب والازدحام على مواقف الباصات والمشردون والدمار والانفلات الأمني لم تحرك محافظة دمشق، ولم تر فيه ما يشوه المنظر الحضاري للبلاد، غير أن بسطات للكتب المستعملة يعيش منها بسطاء ويرتادها قراء وطلاب جامعيون في ظل غلاء الكتب الجديدة وندرتها جعلت المحافظة تستنفر لإزالتها".
وتساءل الناشط مصطفى دليلي "ما الفرق بين هولاكو الذي رمى مخطوطات وكتب مكتبة بغداد في نهر دجلة وبين من يرتدي طقماً وربطة عنق وحصل على ثقة القيادة وحمل الكتب بالجرافات؟ إنها أسوأ برمجة لأجيال المستقبل".
ويكمل مشهد إزالة بسطات الكتب انقراض أشهر مكتبات دمشق وإغلاقها الواحدة تلو الأُخرى خلال أعوام الحرب، مثل مكتبة "ميسلون" و"نوبل" و"المكتبة العمومية"، فيما بقيت مكتبة النوري في ساحة الحجاز شاهدة على عصر لن يتكرر، فيما تحولت معظم المكتبات إلى مقاه ومحال بيع حلويات ومكاتب للحوالات المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحال المكتبات السورية هو حال صالات السينما والمسرح التي تحول جزء كبير منها إلى مطاعم وصالات عرض مفروشات، بينما تخيم العتمة على البقية الأخرى في ظل إهمال هذه الأماكن وتحول دمشق إلى شوارع للأكل وأسياخ الشاورما.
وتأتي خطوة إزالة بسطات الكتب من شوارع دمشق في وقت تنعقد الدورة الجديدة من معرض الكتاب السوري في بهو مكتبة الأسد الوطنية، إذ تقيم وزارة الثقافة واتحاد الناشرين هذه التظاهرة تحت عنوان "نقرأ لنرتقي"، في ظل مقاطعة معظم دور النشر السورية وهيمنة اتحاد الكتّاب العرب على معظم برنامج المعرض وندواته، تحت تكريس ذائقة أعضاء الاتحاد، فيما تكافح الهيئة السورية للكتاب وحيدة لتقديم خصم على قيمة إصداراتها التي بلغت نحو 50 في المئة، فيما تشارك في المعرض 40 دار نشر عامة وخاصة بلغت إسهاماتها ما يقارب 10 آلاف عنوان.
ويأتي المعرض السوري كتظاهرة محلية خجولة بعد أن توقفت دورات معرض دمشق الدولي للكتاب العربي، ورفعت رسوم استئجار الأجنحة للدور المحلية المشاركة من 1.5 مليون إلى 2.5 مليون ليرة سورية (100 إلى 170 دولاراً أميركياً)، فيما منعت إدارة المعرض أخذ وكالات لأصحاب دور النشر من دون أي توضيحات، مما جعل هذه التظاهرة التي كانت تحمل اسم "عرس الكتاب السوري" حكراً على دور النشر ذات الطابع الديني وأبرزها دار الفكر، إضافة إلى دور النشر والمكتبات التي تعمل في قرصنة عشرات العناوين تحت أنظار اتحاد الناشرين ووزارة الثقافة، مما يبدد جهد عشرات المحررين والمدققين اللغويين والمخرجين ومصممي الأغلفة، ويجعل من الصعب حضور دور النشر السورية الوازنة مثل "التكوين" و"كنعان" و"الحوار" و"ورد" في ظل ارتفاع أسعار الورق وأجور الطباعة.