هل تقضي إستراتيجية "قطع الرؤوس" على محور الممانعة؟
مقتل السنوار يهيئ فرصة لقدوم أشخاص آخرين قد يعملون على التفاوض من أجل إطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار (أ ف ب)
منذ بداية الحرب بين محور الممانعة وإسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، استطاع الجيش الإسرائيلي اغتيال عدد كبير من قيادات حركة "حماس" و"حزب الله" اللبناني، وكان آخرهم رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار ليلتحق بسلفه إسماعيل هنية وينضم إلى قادة "حزب الله" وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصرالله وخليفته رئيس المكتب التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين.
وأدى ربط الجبهتين المعمول به منذ أكثر من عام بين غزة ولبنان إلى طرح سؤال مشروع عن تأثير مقتل السنوار برصاص جنود إسرائيليين في غزة، وهو العقل المدبر ومهندس "طوفان الأقصى"، في الجبهة اللبنانية المفتوحة على احتمالات شتى، منها التصعيد العسكري أو ترك المجال لحلول دبلوماسية على قاعدة تطبيق القرارات الدولية الصادرة منذ نحو 20 عاماً.
ومنذ بداية هذه الحرب لعب السنوار دوراً محورياً في توجيه إستراتيجيات "حماس" العسكرية والسياسية، وعلى رغم أنه كان شخصية بارزة ومؤثرة ومقتله يمثل ضربة معنوية للحركة، لكن عدداً من المراقبين أكدوا أن هذا الحدث ليس نهاية "حماس"، وكذلك لن يؤثر بصورة حاسمة في "حزب الله" الذي يستمد دعمه من إيران ويعمل على تنفيذ إستراتيجيات طويلة المدى تهدف إلى إطالة أمد الصراع مع إسرائيل.
تورط إيران
وهنا يقول متابعون عسكريون إنه على رغم الضربة القوية التي تلقاها "حزب الله" بعد مقتل أمينه العام حسن نصرالله وقادة آخرين، إلا أن الصراع مع تل أبيب استمر مع تصعيد ملاحظ في الهجمات الصاروخية بين الجانبين، إضافة إلى إعلان الحزب أنه يمر بمرحلة تصعيدية جديدة.
لكن آخرين يعتبرون أن هذه الاغتيالات وجهت ضربة قاسية لإيران، إذ يرون أن مقتل السنوار ونصرالله أدى إلى تغيير جذري في الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية، فإسرائيل التي كانت تعمل على استهداف قادة الوكلاء الإيرانيين في المنطقة انتقلت إلى مواجهة مباشرة مع إيران، وهذا التحول يشير إلى أن الصراع لم يعد مقتصراً على لبنان أو غزة، بل أصبح جزءاً من صراع أوسع يشمل جميع الأطراف المتحالفة مع إيران، وفي وقت تحاول تل أبيب الاستفادة من نجاحاتها العسكرية لتغيير موازين القوى إلا أن الحرب لم تقترب بعد من نهايتها.
الانتصار والرهائن
وفي السياق اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني سمير سكاف أن اغتيال يحيى السنوار يأتي في سياق تعقيد الوضع في غزة، مشيراً إلى أن إيران تنصلت من مساندة "حماس" منذ السابع من أكتوبر 2023 باستثناء الدعم الذي قدمه "حزب الله"، معتبراً أن السنوار لم يكن يرغب في انتهاء الأحداث بسرعة، وقد يكون لأنه توقع دعماً أكبر من إيران إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى سكاف أنه لا يمكن لأي قيادي في "حماس" أن يملأ مكان السنوار على رغم كل الأسماء المطروحة لخلافته، وهذا الفراغ قد يجعل المعركة في غزة أكثر صعوبة، مما يسمح للجانب الإسرائيلي بإظهار تفوقه على الصعيد الميداني، لافتاً إلى أن اغتياله يمثل فرصة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتحقيق انتصار في غزة، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن التأخير في الإعلان عن هذا الانتصار يعود لوجود نحو 100 أسير إسرائيلي لدى "حماس"، يعتقد أن نصفهم قد يكونون لقوا حتفهم.
وأوضح أن إسرائيل ستواصل تنفيذ سياسة الاغتيالات في محاولة للسيطرة على الأمن في غزة، وأكد أن الأوضاع بعد الحرب ستشهد تغيرات كبيرة، إذ سيكون الحل السياسي خاضعاً للشروط الإسرائيلية مع غياب أي أفق لحل الدولتين في الوقت الراهن، وأن أية محادثات أو تسويات ستأتي بعد انتهاء الأعمال القتالية وليس خلالها، وأن الحرب ستستمر حتى إطلاق الأسرى أو التأكد من تصفيتهم، مما يعني أن الأوضاع في كل من لبنان وغزة ستظل متوترة وقاسية.
ولفت سكاف إلى أن الوضع في لبنان قد تغير مع تحول الجبهة اللبنانية إلى جبهة مستقلة عن غزة بعد اغتيال حسن نصرالله، معتبراً أن الهدوء في غزة لا يعني توقف الحرب في لبنان، فهذه المعادلة لم تعد تصلح.
فصل الجبهتين
من جهته أكد الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد سعيد القزح أن مقتل السنوار لن يكون له أي تأثير مباشر في الأوضاع في لبنان، وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية قد فصلت بالفعل جبهة غزة عن جبهة لبنان التي أصبحت هدفاً رئيساً لإسرائيل في مسعاها إلى تدمير البنية العسكرية لـ "حزب الله".
وأشار إلى أن إسرائيل تسعى إلى تفادي أي أخطار قد تنجم عن حدودها الشمالية، مشدداً على أن حكومة تل أبيب لن تقدم على أي اتفاق مع لبنان قد يؤدي إلى تكرار أحداث الثامن من أكتوبر 2023، وذكر أن القرار الآن لم يعد بيد "حزب الله" أو الدولة اللبنانية، بل أصبح في يد المجلس الحربي المصغر في إسرائيل مما يعكس تغييرات كبيرة في المعادلات الإقليمية الحالية.
وتحدث عن الفارق بين السنوار وحسن نصرالله، معتبراً أن الأخير لم يكن مجرد قائد للحزب بل كان أيضاً قائداً لمحور الممانعة خارج إيران، وأن طهران قد منحت نصرالله قيادة المحور الذي يشمل العراق واليمن و"حماس" مما جعله شخصية محورية في التنسيق الإقليمي، معتبراً أن مقتل السنوار لن يحدث التأثير الإستراتيجي نفسه، نظراً إلى اختلاف الأدوار والمسؤوليات بين الشخصيتين.
ولفت إلى أن اغتيال نصرالله شكل ضربة أكبر لمحور الممانعة، إذ تعين على طهران التدخل بصورة مباشرة لقيادة "حزب الله" وبقية الفصائل بعد غيابه، وتجسد ذلك بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عندما قال "الأمر لي"، مما يدل على أن إيران ستقوم بالتفاوض باسم لبنان لوقف إطلاق النار.
قطع الرؤوس
بدوره تحدث المتخصص العسكري والعميد المتقاعد في الجيش اللبناني فادي داوود عن أهمية مقتل القيادي في حركة "حماس" يحيى السنوار، مشيراً إلى أن هذه اللحظة تمثل مفصلاً حاسماً في الصراع بين إسرائيل و"حماس"، ولافتاً إلى أن السنوار كان "مهندس أحداث السابع من أكتوبر 2023"، مما يجعل مقتله هدفاً إستراتيجياً لإسرائيل، مشيراً إلى أن إسرائيل اعترفت بمقتل 17 ألف مقاتل من "حماس" كجزء من إستراتيجيتها المتمثلة في "قطع الرؤوس" لإنهاء الحركة.
واستند داوود إلى دراسة أجرتها الكاتبة أودري كرونين التي تناولت 475 منظمة على مدى 100 عام، موضحاً أن نجاح سياسة قطع الرؤوس في القضاء على المنظمات كان نادراً جداً، إذ إن غالبية المنظمات التي كانت تعاني هذه السياسة تواصلت لأكثر من 40 عاماً، ولا يوجد أي نموذج يشير إلى أن تلك السياسة ستؤدي إلى النتائج التي تسعى إليها إسرائيل.
وتابع داوود حديثه عن تداعيات مقتل يحيى السنوار مستعرضاً تاريخ الاغتيالات التي طاولت قادة "حماس"، مشيراً إلى أن هذه السياسة لم تؤد إلى النتائج المرجوة، ومستشهداً بيحيى عياش عام 1996 الذي كان مسؤولاً عن تصنيع المتفجرات، وكيف تواصلت الاغتيالات بعده من دون التأثير الفعلي في قوة "حماس"، فبعد عياش جاء دور أحمد ياسين عام 2004، وهو أحد مؤسسي الحركة ، وعلى رغم اغتياله أيضاً لم تتأثر "حماس"، وكذلك الحال بعد الاغتيالات التي طاولت أخيراً على العاروري ومحمد الضيف وإسماعيل هنية.
ورأى داوود أن إسرائيل أمام فرصة حقيقية بعد مقتل السنوار، مشيراً إلى أن الأخير لم يكن يرغب في إنهاء الحرب بل كان يسعى إلى توسيع نطاقها لتشمل دولاً إقليمية، ولذا على نتنياهو الاستفادة من الظروف الحالية والتوجه نحو حل سياسي، محذراً من أن مشكلة "حماس" تعود لعام 1948 ولن تنتهي ببساطة.
ورأى داوود أن حل القضية الفلسطينية سينعكس بصورة إيجابية على الاستقرار الإقليمي مما يقلل من الحاجة إلى حروب الإسناد كما شهدناها منذ "7 أكتوبر"، مؤكداً أن إسناد "حزب الله" لغزة لم يكن له تأثير كبير في الوضع، وفي ما بعد تحولت الحرب إلى مواجهة مباشرة بين "حزب الله" وإسرائيل.