القصير السورية... رئة "حزب الله" تحت حصار الدخان
آثار الغارات الإسرائيلية على مدينة القصير السورية في ريف حمص الجنوبي (اندبندنت عربية)
ما زالت مدينة القصير في ريف حمص الجنوبي تقوم بدور مهم كهمزة وصل بين سوريا ولبنان، وبعيداً من الدور التجاري للمدينة فإنها كانت على مدى عقد من زمن الحرب السورية بمثابة رئة الفصائل المقاومة المحاربة في البلاد، لكن تلك الأهمية ترسخت أكثر خلال الحرب اللبنانية الأخيرة، مما يفسر إلى اليوم استهداف إسرائيل لأماكن تخزين السلاح وطرق نقل العتاد، أو المعابر غير الشرعية بين البلدين.
قتل خمسة أشخاص على الأقل اليوم الخميس، جراء غارات إسرائيلية على منطقة القصير في وسط سوريا والقريبة من الحدود مع لبنان، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في حين قال الجيش الإسرائيلي، إنه هاجم مستودعات أسلحة لـ"حزب الله".
وسمعت أصوات انفجارات هزت المدينة الحدودية مع لبنان (تقع على بعد 35 كيلومتراً جنوب حمص) مع تصاعد لدخان كثيف من مواقع الأمكنة المستهدفة، وترافق ذلك محاولات الدفاعات الجوية السورية التصدي للصواريخ الإسرائيلية.
وتكررت الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق الحدودية، فدمرت في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري نفقاً بطول 3.5 كيلومتر يستخدمه "حزب" الله لنقل وسائل قتالية من إيران بحسب وصف الجيش الإسرائيلي، وهو على الطريق الدولي بين معبري جديدة يابوس والمصنع على الحدود السورية- اللبنانية بالاتجاهين.
ممرات استراتيجية
يوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن لـ"اندبندنت عربية" عن الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لمواقع الطرقات المستخدمة في نقل السلاح لـ"حزب الله"، أن القصير تبقى بلا منازع "مدينة استراتيجية لـ’حزب الله‘" على رغم انكشافها للجيش الإسرائيلي.
ويقول "شئنا أم أبينا، تحمل المدينة مكانة استراتيجية وكبيرة لـ’حزب الله‘، وفي النهاية هي خطوط إمداد للحزب، اليوم استهدف القصف مستودعاً للسلاح ومستودعاً آخر للوقود في القصير، ولا يهم في حال انكشافها، فكثير من المناطق انكشفت في الحرب اللبنانية، لكن تبقى لها مكانتها الاستراتيجية لا سيما في مجال تدفق السلاح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان عبدالرحمن أعلن في معرض تعليقه على قصف القصير أنها المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل أطراف المدينة منذ بداية الحرب على لبنان، أي إن الاستهداف توسع داخل الأراضي السورية، تحديداً في المنطقة التي تُعدّ الحاضنة لـ"حزب الله" ويتمتع فيها بقاعدة شعبية ومواقع تخزين أسلحة.
وأضاف أن "المنطقة تخضع لسيطرة ’حزب الله‘ بصورة أساسية في ريف حمص الغربي في السابق، وكان الاستهداف يقتصر على المعابر الحدودية لكنه الآن بات داخل مدينة القصير، حيث استهدفت المعابر الحدودية 44 مرة، وشملت هذه الضربات أكثر من نصف المحافظات السورية، فـ’حزب الله‘ يتحرك على نحو متخفٍّ عبر مجموعات مدنية".
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أعلن الهجوم على مستودعات أسلحة ومقار قيادة تابعة لـ"قوة الرضوان" ووحدة التسليح التابعة لـ"حزب الله في سوريا"، وقال عبر منصة "إكس"، "قامت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو، وبالتوجيه من هيئة الاستخبارات العسكرية بمهاجمة مستودعات أسلحة ومقار قيادة استخدمتها قوة الرضوان ووحدة التسلح التابعة للحزب في منطقة القصير".
وتابع أن "ضرب مستودعات الأسلحة يأتي إلى جانب الجهود المبذولة لاستهداف البنية التحتية للوحدة 400 المسؤولة في ’حزب الله‘ عن نقل الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان، واستهداف المعابر على الحدود السورية- اللبنانية خلال الشهر الأخير التي تستخدم من قبل الحزب لنقل الأسلحة".
في المقابل، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن استهداف العدوان لعدد من الأبنية السكنية في منطقة القصير، في حين تروي مصادر أهلية عن حال من الفزع أصابت القاطنين في أحياء المدينة، لا سيما مع وصول نيران القصف إلى سوق شعبية.
همزة وصل
وتحظى القصير بموقع جغرافي واستراتيجي، فهي علاوة عن أنها ممر لعناصر وقادة "حزب الله" اللبناني وقادة فصائل المقاومة طوال عقد من الزمن، تربط العاصمة دمشق بالساحل السوري (طرطوس واللاذقية) عبر حوض العاصي.
واستخدمت خلال الصراع المسلح بين السلطة والمعارضة كأداة لقطع الإمدادات، لا سيما الطريق الواصل بين حمص ودمشق، في وقت كانت المدينة حاضنة منذ عام 2011 للعسكريين المنشقين من صفوف الجيش النظامي قبل أن تصبح مركز قيادة وثقل لقوات المعارضة المسلحة.
وبقيت مدينة القصير الواقعة في ريف محافظة حمص الجنوبي الطريق الآمن لفصائل المقاومة، بخاصة أنها تقع على مسافة 15 كيلومتراً من لبنان، وتُعدّ همزة الوصل بين الريف اللبناني الشمالي وريف حمص الجنوبي، وازدهرت قبل الحرب السورية الأخيرة عام 2011 بالنشاط التجاري بين السكان.
ومنذ الصراع المسلح الأخير في البلاد، تحولت المدينة عن دورها التجاري، خصوصاً أنها تعرضت لمعركة واسعة وحاسمة عام 2013 بين الجيش النظامي و"حزب الله" من جهة وفصائل المعارضة المسلحة و"جبهة النصرة" من جهة أخرى استمرت لمدة 18 يوماً انتهت بسيطرة القوات الحكومية على المدينة.
وبالحديث عن معركة القصير الشهيرة، ظلت منذ انتهاء العمليات العسكرية أشبه بمدينة أشباح بعد أن تفرق أهل البلدة الحدودية في أصقاع الأرض بين مهاجرين إلى دول أوروبية، أو نازحين في لبنان، لا سيما في منطقة عرسال، أو إلى مناطق في إدلب وريف حلب، شمال غربي سوريا وضمن مناطق خارج سيطرة الحكومة.
نوعية الهجمات
يرى مراقبون للمشهد السوري أن وتيرة القصف تطورت، لا سيما الاغتيالات ونوعية الاستهداف، إذ زادت بصورة واسعة في الآونة الأخيرة منذ اندلاع حرب إسرائيل على الجنوب اللبناني في الـ30 من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى اليوم، إذ كثفت هجماتها على دمشق وريفها في الجنوب السوري وريف حمص في وسط البلاد والمناطق الحدودية.
يقول الناشط السياسي والحقوقي أحمد الشيخ إن "إسرائيل تسعى إلى تغيير الأهداف على الأرض، فتحاول قطع كل الشرايين الواصلة بين سوريا ولبنان"، وأضاف أنها "حرب على المعابر، بحيث سبق تدمير معبر جوسيه الذي يربط القصير بلبنان وضرب معبر المصنع، وتلاحق إسرائيل المعابر غير الشرعية والأنفاق التي تتصل عبر الحدود".
وتوقع الشيخ أن يتجه القصف شرقاً صوب ريف دير الزور، وضرب المقار النشطة لفصائل المقاومة العراقية، أو اندلاع معركة إشغال بين القوات الأميركية والفصائل الموالية لإيران في شرق سوريا لملاحقة من بقي من "حزب الله" اللبناني، أو الفصائل الأخرى الموالية لإيران، مرجحاً أن تكون "أبرز الأهداف المهددة بالدمار الطرق الخفية من إيران إلى لبنان مروراً بالأراضي السورية وغالبيتها تمر عبر أنفاق متشعبة".