اخبار العراق الان

عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟

عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟
عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟

2024-11-04 16:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية


رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (صفحته على فيسبوك)

ولدت حكومة المهندس الزراعي محمد شياع السوداني أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022، لتمثل "الإطار التنسيقي الشيعي" الذي يتولى إدارة البلاد وتشكيل حكومة "تحالف إدارة الدولة"، وكانت ولادتها عسيرة ونتيجة مخاض سياسي بعد انسحاب الكتلة الصدرية وتخليها طوعاً عن العمل السياسي، بعد مطالبتها، إذ حصلت على 72 مقعداً نيابياً، بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" تشترك فيها كل المكونات العراقية (شيعة وسنة وأكراد)، لكنها لم تحصل على النصاب الكافي والمرجح من بقية الأطراف الشيعية، التي وفر لها انسحاب الصدرين فرصة إعلان "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران وسياستها في إدارة العراق، عبر تشكيل حكومة.

ليس وريثاً سياسياً

لم يأتِ السوداني من أسرة سياسية معروفة، أو وريث تاريخ طويل في العمل السياسي، بل جاء من عامة الشعب ومن عراقيي الداخل، إذ تخرج من كلية الزراعة في بغداد، وتدرج في وظائف إدارية عدة أهلته ليكون المرشح المقبول وقتها لوراثة حكومة سلفه مصطفى الكاظمي الانتقالية، وواجه واقعاً سياسياً منشطراً بل مشظى بين رحى مجابهات ومناكفات سياسية، وتحديات وعقبات كثيرة بدأت ولم تنته أثناء توليه رئاسة مجلس الوزراء العراقي.
أمامه ملفات آلاف القتلى والجرحى الذين خلفتهم انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2020، التي لم تُحسم بعد ولم تندمل جراحها حتى الآن، وملفات أخرى تمثل حالات فساد متكررة، تابعت تضخمها حتى خلال عامي حكم السوداني، على رغم أن أولوياتها المعلنة ما سماه "سد حاجات الناس وتلبية تطلعاتهم"، ومحاولة الإسراع في إشغال حياة الناس بالعمل، ومحاربة الفساد وتقديم الفاسدين للقضاء، والشروع برفع مستوى حياة الفقراء وتحسين أحوال الطبقات المسحوقة، وبناء وحدات سكنية لائقة، مع العمل السياسي لتحقيق منجز الاستقلال التام، وإخراج كل القوات الأجنبية من البلاد بطريقة سلسة.
وقد قال السوداني في حديث أمام مجلس الوزراء أخيراً، "واجهنا تحديات ومشكلات مضت عليها أعوام، لم نتركها من دون حل بل دخلنا في عمقها، عملنا على تفكيك تلك المشكلات ووضع الحلول لها خصوصاً ما يتعلق بالمشاريع الخدمية".


نجاح في ملفات وتأخر في أخرى

وتحدث عن نجاح حكومته في ملفات وصفها "بالمهمة والبارزة"، مع اعترافه بالتأخير في ملفات أخرى لا تزال ضمن البرنامج الحكومي المعلن أمام مجلس النواب، لافتاً إلى أن "العمل لم يقتصر على قطاع واحد، بل امتد إلى المحافظة والناحية والقضاء، ومراكز المدن".
وحدد السوداني خمس أولويات في عمل حكومته لخصها بالآتي، "مواجهة البطالة ومعالجة الفقر ومكافحة الفساد المالي والإداري وتقديم الخدمات والإصلاح الاقتصادي" موضحاً أن "الأولوية للإسراع بإنجاز المشاريع المتلكئة، التي تعرقلت منذ أعوام، بسبب سوء الإدارة أو قلة الخصخصات أو بسبب الفساد".
ولفت إلى أن "تشغيل مصفى كربلاء بطاقة 140 ألف برميل باليوم، سيوفر للعراق بحدود 3 مليارات دولار كانت تذهب لاستيراد المشتقات النفطية، والمضي بمشروع توسعة مصفاة قضاء الشنافية في محافظة الديوانية".

وحول واقع التيار الكهربائي قال السوداني إنه "تم إمداد 311 كيلومتراً من خطوط التيار الكهربائي، أسهمت في الوصول بالإنتاج الوطني للطاقة الكهربائية إلى 27 ألف ميغاواط، وهو أعلى إنتاج للطاقة الكهربائية في تاريخ البلاد.

ولدى الحكومة مشاريع طموحة في معالجة الاختناقات المرورية والنقل والتوزيع، وهناك مشاريع كبيرة للطاقة الشمسية بمعدل 15 مشروعاً، وهذه الحكومة هي الأولى التي تبدأ بتنفيذ فعلي لمشاريع الطاقة الشمسية في العراق".
وكشف رئيس الحكومة العراقية عن "شمول 7 ملايين فرد، مصنفين دون خط الفقر بالحماية الاجتماعية وخفض الأجور الدراسية، للطلاب المشمولين بالرعاية الاجتماعية في الجامعات الحكومية للدراسة المسائية والجامعات الأهلية".

كما أكد "توزيع 3 ملايين سلة غذائية شهرياً منذ تشكيل الحكومة"، وأضاف "وجهنا كل الوزارات بمراجعة العقود السابقة الكبيرة وإخضاعها للتدقيق المالي والقانوني، وأكدنا على الوزراء وحاشية الوزير، ألا يكون مديرو المكاتب من جهات حزبية وسياسية، وتمت استعادة مبالغ ضخمة من الأموال المنهوبة في قضية سرقة الأمانات الضريبية، ويخضع هذا الملف لمتابعة يومية من الحكومة".

بعض الإخفاقات

إلا أن السوداني أشار إلى بعض الإخفاقات التي تعرضت لها حكومته، ومن بينها "التأخر في حسم مشروع تحلية مياه البصرة، الذي كنا قد وضعناه في البرنامج الحكومي، كذلك في خدمة المطارات التي لا تزال دون المستوى المطلوب، لا سيما في مطار بغداد الدولي غير اللائق بالمواطن العراقي ولا بالعاصمة بغداد، وتأخرنا بتهيئة القطع السكنية وتوزيعها للمواطنين، وتأخرنا في الكهرباء في مجالي النقل والتوزيع، وهناك مشاريع متلكئة في بناء الأبنية المدرسية، وتأهيل المدارس وترميمها في بعض المحافظات".
لكنّ كل هذه المعطيات التي اعتبرها رئيس الحكومة "منجزات"، لم توازِ الإنفاق العام على مشاريع لم تصمد لدى معاينتها نوعياً، على رغم اتفاق حوالى 220 مليار دولار في موازنة ريعية تضخم فيها عدد الموظفين إلى 6 ملايين موظف حكومي، أضيفوا إلى ملايين المتقاعدين، والمعينين الجدد خلال فترة حكم السوداني، ودين عام خارجي يزيد على 20 مليار دولار، وعشرات مليارات الدولارات كديون داخلية.   

وعلق الباحث جمال الأسدي على أداء الحكومة خلال عامين قائلاً إنه "بعد مرور عامين على تشكيل الحكومة التي اعتمدت برنامجاً حكومياً فيه أهداف واسعة، فهي أكملت أو عملت على إكمال بعض ما ورد في برنامجها، وتأخرت أو فشلت في إكمال تعهداتها في القسم الآخر، وحسب متابعتي للمنهاج الحكومي ونسبة إنجازه الحقيقية، فإنها لم تصل إلى أكثر من 40 في المئة من التعهدات التي قدمتها".

الرعاية الاجتماعية

وتابع "ففي مجال الرعاية الاجتماعية تعهدت الحكومة إصلاح وتحسين البطاقـة التموينية والتكفل بوصـولها للفئات الهشـة مـن المجتمع لتستفيد من البرامج المتفق عليها ضمن مشروع إصلاح الحماية الاجتماعيـة مـع المنظمات الدولية، التي تعمل على تأمين نظام تسجيل إلكتروني مرن وشفاف، وعند متابعة هذا الملف نرى أن البطاقة التموينية تم تقليل موادها أو تبديلها أو إنقاص الكميات مقارنةً بما سبق، ولم يتم تحسين النوعية، بل هناك بعض المواد التي أصبحت في مستوى أدنى.

أما بالنسبة إلى تأمين النظام الإلكتروني في مجال البطاقة التموينية مع المنظمات الدولية، فإن الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً على رغم صرف مليارات الدنانير على العمل به وتم إنهاء هذا البرنامج والبدء ببرنامج آخر لم يحقق أية نتيجة لغاية الآن".

فرص العمل

وزاد الأسدي "أما بالنسبة إلى توفير فرص العمل فإن الحكومة لم توفِ بتعهداتها، إلا نسبة قليلة جداً من التعيينات المقررة وفق قانون مجلس الخدمة الاتحادي التي لا تغطي فعلياً سوى خمسة في المئة من الاحتياج الحقيقية لتوفير فرص العمل.

وأهملت الحكومة إيجاد حلول حقيقية لتوفير فرص العمل وتشجيع الاستثمار والأعمال الجديدة التي تؤسس لحركة عمل خارج القطاع الحكومي المترهل، مع ازدياد عدد المطالبين بفرص عمل إلى أكثر من نصف مليون سنوياً، مع عدم قدرة الدولة على توفير أكثر من 25 ألف فرصة عمل سنوياً، وهذا بحد ذاته قنبلة شبابية موقوتة ستنفجر بأي وقت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قطاع الصحة

وأضاف الباحث الأسدي أن "الحكومة تعهدت بالمباشرة بتشغيل المستشفيات الكبيرة المنجزة فـي عـدد من المحافظات، باعتماد إدارة متطورة، والاستعانة بالخبرات العالمية واستكمال المستشفيات البقية قيد التنفيذ، وفي الواقع عملت الحكومة على ذلك، لكنها في النهاية لم تستطع تشغيلها كقطاع حكومي كما وعدت، أو حتى في الطريقة الاستثمارية، وكذلك لم تنجح في تعهداتها في تحسين الواقع الصحي والدوائي في البلد، وحقيقة أن تعهد أية حكومة بالإنجاز في هذا المجال هو ضرب من الخيال لأن أساس النظام الصحي في العراق غير قابل للتطوير، إلا إذا رافقه تغيير بالنظم الصحية والخروج من شرنقة الفك الاشتراكي في إدارة الملف الصحي بالبلد".

 الإعمار والإسكان والبلديات

كما تطرق إلى تعهد الحكومة "البدء فوراً بتوزيع 500 ألف قطعة سكنية لمستحقيها، كمرحلة أولى في المدن المستحدثة في المحافظات كافة، وتوفير القروض الميسرة للمواطنين لبناء هذه القطع السكنية، ووضع آلية شفافة لمشاركة القطاع الخاص في إنشاء تلك المدن التي ستتمتع بكامل الخدمات، وفعلاً بدأت الحكومة بذلك وأعطت استثمارات كبيرة، وافتتحت مشاريع لكنها لم تحقق أي إنجاز في هذا الملف، إلا بمستوى محدود جداً على مستوى المحافظات، أو مشاريع استثمارات لبناء المجمعات السكنية، التي لا تشمل الطبقات الفقيرة أو المتوسطة من المجتمع".


الصناعة والمعادن

في سياق متصل، معروف أن الصناعة العراقية أُخرجت من الخدمة وعُطلت آلاف المصانع والمعامل التي كانت مكرسة للعمل الحربي إبان النظام السابق، وعقّب الباحث الأسدي على الأداء الحكومي في هذا المجال، أن "الحكومة تعهدت بتحسين حالة قطاع الصناعة، لاستثمار الموارد البشرية والمادية وإعادة الثقة بالمنتج العراقي، وتبنت شعار "صُنع في العراق"، وذلك من خلال تأهيل وتنشيط القطاع الصناعي الحكومي والخاص وتشغيل المصانع المتوقفة حالياً بالشراكة مع القطاع الخاص (الجاد) للاستفادة من الطاقات المتاحة واستجلاب الخبرات المتطورة عالمياً، لقيادة هذا النشاط ودعمه، كذلك توسيع دور القطاع الصناعي الخاص وإعطائه الدور الرئيس مالياً وتشريعياً، للدخول في صناعات متطورة ذات قيمة مضافة عالية، وتفعيل قوانين حماية المنتج الوطني، والتعرفة الجمركية، وقانون حماية المستهلك، ومجلس والمنافسة ومنع الاحتكار، وكذلك تفعيل دور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وإطلاق خطة إعادة تأهيل وهيكلة الشركات الصناعية العامة العائدة لوزارة الصناعة، فلدى مراجعة هذه النصوص نكاد نقول إن نسب إنجازها متدنية جداً قياساً إلى السقف العالي للتعهدات، فلا القطاع الصناعي الخاص ومصانعه تم تشغيله بالشكل المطلوب، ولا المصانع الحكومية تم تشغيلها بالطريقة التي تطور وتلبي الحاجات، ما عدا بعض الشراكات الطويلة الأمد، التي في عمقها استهلاكاً واستغلالاً للمال العام، ولعقاراته وأراضيه واستخدامها في غير الشأن الذي تأسست بموجبه".

أزمة نقص الكهرباء

وأكد الأسدي "أما في مجال الكهرباء وعلى رغم كل الأرقام التي تشير إلى تصاعد الإنتاج، لكن الواقع يقول إن أي مشروع لإضافة الطاقة الكهربائية لم يحصل فعلاً وأن قطاع الكهرباء قد فشل فشلاً ذريعاً في توفير الطاقة الصيف الماضي، وهو المؤشر الحقيقي لأي كلام عن تطوير القطاع الكهربائي".

سعر صرف الدولار

وواصل الباحث حديثه "أما سعر الصرف فحدث بلا حرج، فسعر الصرف الموازي أصبح طبيعياً في الشارع العراقي، وجمد حركة السوق واستفاد منه المتنفذون وتم ابتزاز الكثير من العاملين في قطاع التصريف، وعملياً تخسر الدولة سنوياً ما لا يقل عن تسعة إلى 12 مليار دولار، نتيجة هذا الخلل الذي لم يتم إيجاد حل له، بل إن إجراءات الحكومة فاقمته". وأضاف "أما في موضوع معالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة فتعهدت الحكومة في منهاجها بأنها خلال فترة ستة أشهر من تشكيلها ستحسم هذا الملف، ولا يزال لغاية اليوم دون حسم بل تمت زيادة العمل بالوكالة في كثير من المؤسسات".

 مشاريع القوانين المؤجلة

وأخفقت الحكومة في تفعيل تشريعات قوانين مهمة ينتظرها الملايين من قطاعات الشعب، فقد تعهدت تشريع قانون مجلس الاتحاد خلال ستة أشهر، وتشريع قانون المحكمة الاتحادية خلال ستة أشهر، وتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام وتشريع قانون النفط والغاز، لكنها ظلت حبيسة الأدراج أسيرة الخصومات السياسية والتوافقات على التأجيل غير المبرر.

بدورها تؤكد الباحثة إيمان ياسين وهي ناشطة مدنية أن "السوداني سيصعد سلم النجاح وأرى أنه الأقرب لفهم الشارع ومتطلباته، وأيضاً هو لا يمثل الطبقات الاحتكارية ويميل إلى القطاع المشترك".

وتضيف "فقط لو يعطي اهتماماً أكثر لمؤسسات الدولة ويسعى إلى تقوية أساساتها من خلال تعيين الكفاءات وتدريب كوادرها وإعادة المؤسسات لأحضان الدولة بعد أن تعرضت لأعوام لعمليات تلاعب وحتى سرقة".

كذلك اعتبرت أنه من الأجدى إلغاء ما يسمى "’دائرة الصلاحيات‘ باعتبار أنها مركز الفساد ودورها معرقل لعمل المحافظة والمؤسسات". وتتابع أن "أهم الإنجازات من وجهة نظري مشاريع فك الاختناقات لمساسها بالحياة اليومية للمواطنين، ولكنها لم تشمل كل المحافظات ولم تشمل قطاعات أخرى مهمة كالكهرباء أو استثمار الغاز المصاحب، إضافة إلى أهمية توقيع اتفاق طريق التنمية".

لكنها رأت أن فتح الباب على مصراعيه أمام التعيينات المفرطة أثقل كاهل الموازنة ولم يقدم أي إضافة إلى الناتج القومي". وقالت "إذا فعلاً تم تأهيل المصانع والمعامل وشمل المسجلين على وزارة العمل بالتعيينات كما وعد، تكون هذه خطوة إيجابية تسجل له".

أما عمر الصكبان وهو متابع معارض، فيقول "تشكل ظاهرة انتشار المخدرات حالاً تدميرية للمجتمع والحل يكون بتوعية إعلامية أو اجتماعية من خطورتها، إلى جانب فرض أو تغليظ العقوبات وإنشاء مراكز تأهيل، مع تفعيل سلطة القانون للمحاسبة وتفعيل قانون من أين لك هذا، ولا بد من فتح خطوط خاصة أو ساخنة للبلاغات وتفتيش دوائر الدولة بصورة مباغتة ومستمرة مع نصب كاميرات لمراقبة العمل".

عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟
عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟
عامان على حكومة السوداني... أين أصبح العراق؟