هل لا يزال كردستان فردوس اللاجئين السوريين؟
يعيش في إقليم كردستان العراق أكثر من 260 ألف سوري لجأوا إليه بعد عام 2011 (اندبندنت عربية)
قرب نافورة تتوسط ساحة مفتوحة مقابل قلعة أربيل الأثرية، يسير أحمد الحموي (22 سنة) حاملاً حقيبة على ظهره تحوي أنواعاً مختلفة من العطور، وفي يديه قوارير لتجريب الروائح الزكية يعرضها على المارة والزوار الذين يقصدون المكان الأشهر في إقليم كردستان العراق.
ينحدر الحموي من محافظة حماة السورية ويقيم في إقليم كردستان العراق منذ قرابة خمسة أعوام، قاصداً العمل فيه بعد وصوله إليه بإجراءات رسمية آتياً إلى أربيل التي يسميها الكرد "هولير" عبر مطار دمشق.
تنغص حياة هذا الشاب الذي ترك ذويه خلفه في المدينة الواقعة وسط البلاد خدمة التجنيد الإجباري حال عودته لبلده، فقد خرج من سوريا قبل التحاقه بالجيش لكن المطلوب منه الآن إما الالتحاق بالجيش النظامي أو دفع بدل مادي للحكومة يقدر بنحو ثمانية آلاف دولار أميركي، مما أصبح شبه مستحيل بالنسبة إلى هذا الشاب.
عمل الحموي منذ مجيئه إلى كردستان العراق في عدد من الأعمال بقصد تأمين قوت يومه ومساعدة ذويه الذين يعتمدون عليه في جزء كبير من مصاريفهم الشهرية، فيما أثقل كاهله ارتفاع كلف تجديد الإقامة العراقية التي كانت تكلفه سابقاً نحو 600 دولار أميركي سنوياً، فيما يضطر الآن إلى تجديد هذه الإقامة بضعف ذلك المبلغ، في حين أنه سيواجه دفع المبلغ نفسه مع بدء السنة المقبلة مقابل تجديد جواز سفره السوري لمدة عامين فقط.
العمل لإعانة الأهل
على رغم هذه الأعباء التي تؤرق حياة هذا الشاب السوري في كردستان العراق، لكنه يقول إن هذه البلاد تبقى أفضل مما هي الحال في سوريا. يتنهد الحموي عند رواية قصة مجيئه إلى كردستان العراق وتركه ذويه في حماة، خصوصاً والدته التي تحتاج إلى مساعدته المالية بصورة شهرية.
يختلف الوضع بعض الشيء مع حسن البالغ من العمر 20 سنة والمتحدر من حي الميدان الدمشقي، فهو يعمل منذ أعوام في سلسلة محال يعمل فيها سوريون قرب سوق "داون تاون" في العاصمة الكردية، وعمله ثابت منذ مجيئه إلى هذه المدينة قبل ثلاث سنوات، وعلى رغم ارتفاع كلفة تجديد الإقامة إلى الضعف فإنه يستمر في إرسال مساعدات مالية بصورة منتظمة إلى عائلته في دمشق، حيث يرسل شهرياً ما بين 100 إلى 150 دولاراً أميركياً لهم بغية تأمين مستلزمات المعيشة اليومية. ويقول "الحمد لله إنني أستطيع مساعدة الأهل بصورة مستمرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الجهة الجنوبية لسوق قيصري الواقعة بمحاذاة القلعة الأثرية، افتتح محمد أبو يوسف منذ 10 أعوام محلاً لبيع الحلويات السورية، فهذه المدينة أصبحت مستقره في وقت تحول بلده إلى ساحة صراع طحنت أرواح مئات آلاف السوريين، وجذبت قوى عسكرية محلية وإقليمية ودولية مختلفة إلى ساحتها للقتال وتصفية الحسابات في ما بينها.
أبو يوسف يقول إن العراقيين يحبون الحلوى السورية، فهي ذات سمعة طيبة ومعروفة بمذاقها الفريد، وفي هذا المحل يقدم يوسف وعماله أنواعاً معروفة منها كالكنافة والبقلاوة والمبرومة والشعيبيات والهريسة والبللورية وعش البلبل وغيرها من الأصناف التي تجذب الزبائن.
يعمل لدى أبو يوسف عمال سوريون وأكراد عراقيون، فالاستقرار هنا في هذه المدينة كان سبباً لاستثمار أمواله بعدما خرج بها من سوريا، كما أن مستوى المعيشة أفضل مما هو عليه في بلده الأصلي، إضافة إلى فرصة تحسين الوضع المادي، وكل ذلك بعيداً من المنغصات.
كردستان كمأوى
تتنوع أشكال وجود السوريين في إقليم كردستان العراق ما بين لاجئ ومقيم بقصد العمل، ويقدر عددهم بحسب هيئة إحصاء إقليم كردستان التابعة لوزارة التخطيط في الحكومة الكردية بأكثر من 263 ألف شخص حتى أغسطس (آب) عام 2023، غالبيتهم من الأكراد الذين فروا من الحرب التي وقعت في أماكن سكنهم بالداخل السوري أو المناطق الكردية كعفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، في حين أن عدد سكان الإقليم عام 2020 بلغ 6.2 مليون في المحافظات الأربع (أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة).
وخلال الربيع الماضي، ظهرت أزمة تجديد الإقامات للسوريين تمثلت في إيقافها ومغادرة كثير منهم لدوافع وأسباب مختلفة من بينها ضغوط سياسية وأمنية واقتصادية من بغداد، ومنافسة السوريين للعمالة المحلية في سوق العمل، إضافة إلى مشكلات إجرائية وقانونية بين الشركات السياحية التي تعمل على تأمين الـ"فيزا" للسوريين، لكن ما لبثت أن أعادت الحكومة الكردية منح الـ"فيزا" للسوريين وتجديدها بداية يونيو (حزيران) الماضي ولكن مع فرض إجراءات جديدة، مما زاد مبلغ الرسوم عليها.
في مخيم "كولان" القريب من ناحية خبات التابعة لأربيل، وهو واحد من 26 مخيماً يؤوي أكثر من 940 ألف شخص بينهم اللاجئون الأكراد السوريين في الإقليم، يقول حسن محمود وهو كردي من بلدة الدرباسية إن هذه البلاد أصبحت مأوى بديلاً بعد أن ضاقت بهم بلادهم، وفقدوا فيها أسباب الأمان والحياة ولا يبدو في أفقها أي حل قريب.