اخبار العراق الان

الحرب تتخطى جهود الوساطة

الحرب تتخطى جهود الوساطة
الحرب تتخطى جهود الوساطة

2024-11-25 03:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


تصاعد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، 24 نوفمبر 2024 (أ ف ب)

لا يثير الاستغراب استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد "حزب الله" في وقت تتواصل فيه جهود الوساطة التي يتولاها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بهدف الوصول إلى اتفاق يوقف الحرب ويسمح بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر عام 2006 .

ومردُّ عدم الاستغراب يكمن في السياق العام للاشتباك الذي تشهده المنطقة منذ عملية "طوفان الأقصى" التي افتتحتها حركة "حماس" في غزة، ثم انضمّ إليها "حزب الله" في عملية" إشغال ومساندة"، ولحقه في ذلك أطراف "محور المقاومة" في اليمن والعراق بقيادة إيران التي تولت تنظيم وتمويل وتسليح هذا المحور واستحضرت له نظرية وحدة الساحات الشهيرة التي وضع اسسها قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة قبل أربع سنوات في بغداد .

هذا السياق العام لتطوير النظرة الإيرانية إلى طبيعة الصراع مع إسرائيل، والإعلان الإيراني المتكرر عن حتمية زوال "الكيان المزيّف"، جعل من عملية "حماس" التي أوقعت في ساعاتها الأولى نحو 1200 قتيل إسرائيلي، واندفاع "المحور" إلى فتح الجبهات الداعمة، تحدياً وجودياً لا سابق له للعقل الإسرائيلي، عزّزه بشكل خاص، دخول "حزب الله" المعركة، هو الذي كان سباّقاً في اعلان تحضيراته لاقتحام الجليل والقضاء على "بيت العنكبوت".

وواكب الخطاب الإيراني التهويلي، على لسان المرشد ومستشاريه وقادته العسكريين الانفجار في غزة وجنوب لبنان. بحيث بدا أن خطة الخميني وخليفته خامنئي لإزالة إسرائيل من الوجود قد وضعت موضع التنفيذ .

وقفت الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن منذ اللحظة الأولى إلى جانب الرد الإسرائيلي على "حماس" وقطاع غزة، في حرب قاتلة ومدمرة. وانضمت الحكومات الغربية بسرعة إلى الموقف الأميركي وصارت إسرائيل محجةّ لقادة العالم يأتون متضامين مع دولة مهددة بـ"الإبادة"، لكن علينا أن نلاحظ أنه منذ اللحظة الأولى لاندلاع القتال، سعت الولايات المتحدة إلى ضبط الإيقاع الإسرائيلي ومنع قيام حرب إقليمية.

لم تسمح أميركا لحكومة بنيامين نتنياهو برد شامل على "حزب الله" في الشمال رغبةً بإبقاء إيران بعيدة عن الصراع .استجابت إسرائيل واكتفت إيران بتشجيع وكلائها على خوض مناوشات الإسناد، واستفادت من الاتصالات المفتوحة مع الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب مالية وسياسية، والتأسيس لإمكانية حوار مباشر، يمكن أن ينشأ لاحقاً مع إدارة ديمقراطية، بما ينهي إشكاليات الملف النووي الإيراني ويرسم حدود الدور الإقليمي لطهران ومصير برامجها الصاروخية.

بكّر آموس  هوكشتاين مبعوث الرئيس جو بايدن الذي نجح قبل عامين في وضع اتفاق الترسيم البحري بين دولتي لبنان وإسرائيل بموافقة إيران ممثلة بـ"حزب الله"، في المجيء إلى بيروت لوضع سياسة رئيسه في حصر الصراع موضع التنفيذ ومنع حرب على الجبهة اللبنانية تقود إلى انفجار اقليمي. حضر للمرة الأولى بعد أقل من شهر على غزوة "حماس" في غزة وأبلغ محاوريه اللبنانيين من أصدقاء الحزب ضرورة وقف المناوشات على الحدود لمنع التصعيد وصولاً الى التنفيذ الكامل للقرار 1701.

 استمع المعنيون في لبنان إلى المبعوث الأميركي لكنهم بدوا عاجزين أو متواطئين، فقرار الحرب اتخذه "حزب الله" وهو ماضٍ فيه بتوجيه من إيران، وأقصى ما قاله رئيس الحكومة يومها أن "لا علاقة لنا" بما يجري قبل أن يلتحق مع رئيس المجلس النيابي في تبني شعار "حزب الله": لا وقف لإطلاق النار في لبنان قبل وقفه في غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان خطر رد الفعل الإسرائيلي الواسع يكبر يوماً بعد يوم مع استمرار مناوشات الشمال التي أدت بسرعة إلى نزوح عشرات الوف السكان على جانبي الحدود، عندما حضر  هوكشتاين مرة أخرى في مارس (آذار) الماضي. في زيارته تلك التي استغرقت ست ساعات حذّر الوسيط الأميركي من التقاهم أن "قرار الحرب خيار إسرائيل وقرار السلم خيار لبنان" إذا تم التقيد بمقترحاته التي حملها منذ بداية الأزمة.

وكرر في إطلالة أخيرة على مضيفيه اللبنانيين، مع تصاعد القتال في النصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضرورة العودة إلى القرار 1701 بهدف "الوصول إلى صيغة تنهي هذا الصراع إلى الأبد". لكن الحرب استعرت، فمحاوريه اللبنانيين كانوا ولا يزالون مجرد صندوق بريد لإيران و"حزب الله"، لا يملكون القدرة على قول لا أو نعم إزاء إصرار الحزب على مواصلة "حرب الإيلام" كما أطلق على مرحلة الحرب الثانية.

كما أن غضب الرسميين اللبنانيين من التدخل الإيراني اقتصر على بيان عتب، لم يزد المسؤولين الإيرانيين الذين تدفقوا على العاصمة اللبنانية الاّ فظاظةً في السلوك والتعبير.

أعلن هوكشتاين مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية وردود "حزب الله" الصاروخية أن القرار 1701 لم يعد كافياً، ثم غاب وعاد حاملاً مشروعاً أميركياً إسرائيلياً يستند إلى القرار نفسه لكن بشروط أخرى يفرضها مسار حرب لا يرى أي من طرفيها نهاية لها من دون تحقيق انتصار ناجز .

لم تدخل إيران، القائد الفعلي لـ"حزب الله"، المعركة دفاعاً عنه. حتى أنها امتنعت عن الرد على الضربة الإسرائيلية التي تعرضت لها في 26 أكتوبر، وكأنها اعتمدت تسعير القتال من لبنان بديلاً من انخراطها المباشر في مواجهة إسرائيل.

وبينما كثفت طهران من رسائلها التصالحية إلى الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب، زادت من منسوب دفعها لـ"حزب الله" كي يواصل القتال. مستشار المرشد علي لاريجاني الذي زار بيروت لقول رأيه في ورقة التسوية الأميركية واشتراط موافقة "المقاومة" عليها، عاد إلى طهران ليقول لموقع الخامنئي: " أنا واثق من انتصار حزب الله" رابطاً تحقيق هذا الانتصار باستخدام الحزب "أسلحته المهمة".

بدت إيران وكأنها ستقاتل بـ"حزب الله" حتى معرفة ما يريده ترمب، إسرائيل تقوم بالأمر عينه، فترمب في المبدأ حليف صريح قدم الكثير في ولايته الأولى لتل أبيب، وعندما يطرح نتنياهو شرط الستين يوماً كمهلة للانسحاب من لبنان فإنه يأخذ بعين الاعتبار موعد تولي ترمب سلطاته الدستورية من جهة، ويرضي الإدارة الراحلة بقبوله وساطتها، فيما يعمل على تحقيق رؤيته ورؤية المجتمع الإسرائيلي في وضع حد نهائي لاحتمالات التهديد من لبنان.

هذه الرؤية لا تستقيم مع اتفاق جديد لوقف النار ولا مع تجربة جديدة لتنفيذ استنسابي للقرار 1701، وهي تقترب أكثر من رؤية يعبر عنها الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي عميت يغور عندما كتب في "معاريف" أنه "لا يجب توقيع وثيقة مكتوبة لا تتضمن تطبيعاً، خصوصاً عندما يعتبرها الطرف الثاني وقفاً لإطلاق النار، ولا تتطرق إلى الواقع الإقليمي الجديد الذي فرضته الإنجازات المذهلة التي حققها الجيش الإسرائيلي".

بين الطموحات الإسرائيلية المدعّمة بحرب مدمرة والتي تطمح إلى تغيير شامل على الحدود اللبنانية، وبين الإصرار الإيراني على مواصلة الحرب بدماء اللبنانيين ينسى المتحاربون لاعباً اساسياً يجري تهميشه بإصرار، أنه الدولة اللبنانية التي كان حزب الله استكمل نسفها عشية اطلاقه حربه "نصرة لغزة ودفاعاً عن إيران". هذه الدولة هي الوحيدة، في حال استعادتها عافيتها، القادرة على ضبط المطامح الإسرائيلية ووضع حد للتدخلات الإيرانية واستعادة وحماية حزب الله كحزب سياسي مثله مثل بقية الاحزاب اللبنانية ومن ثم حماية لبنان ووضعه على طريق السيادة والازدهار.

لقد بات واضحاً أن استمرار الحرب بالوتيرة السياسية والتدميرية القائمة لن يسفر سوى عن تكرار تجارب اجتياحات 1982 و2006 التي أثبتت أن غياب الدولة اللبنانية هو الكارثة الكبرى الذي ينفذ منه المتسببون بالمآسي المتسلسلة.

الحرب تتخطى جهود الوساطة