لماذا يلجأ الشباب المتعلم في باكستان إلى التطرف؟
فئة الشباب تشكل ثروة وتحدياً للدولة في آن واحد بناءً على الأفكار التي تتبناها (أ ف ب)
تعد باكستان واحدة من أكثر الدول نسبة لعدد السكان الأصغر سناً، وتحتل المرتبة الثانية من هذه الناحية في جنوب آسيا حيث تبلغ نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة 64 في المئة، بينما تبلغ نسبة فئة 15-29 سنة 29 في المئة من إجمال السكان.
والعدد الكبير للفئة الأصغر سناً قد يشكل دافعاً أو عائقاً لتقدم الدولة خلال العقود القادمة بناءً على مدى فعالية هذه الفئة في لعب دورها في المجتمع، لذا يمكن القول إن الشباب هم الجزء الأكثر أهمية من الشعب الباكستاني.
وخلال الأعوام الماضية أدى التطرف بين الشباب الباكستاني المتعلم، ولو على مستوى محدود، إلى خلق تحديات جديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف، إذ تشكل فئة الشباب المعرضة للحرمان أو الاكتئاب، بخاصة تلك التي لا تستطيع العثور على إجابات لمشكلاتها، النسبة الأكثر عرضة للدعاية المتطرفة، كما هي الحال في بقية الدول.
السذاجة في فهم العالم وتبسيط المعقدات يوفران بيئة خصبة للتطرف (أ ف ب)
العوامل النفسية
إضافة إلى ذلك، فإن العوامل النفسية لدى الشباب المتعلم مثل الثقة بالنفس والسعي إلى تحقيق هدف سام في الحياة قد تسهم في دفع بعض الشباب نحو التشدد والتطرف. ويمكن إيجاز مشكلة جذب الشباب الباكستاني المتعلم نحو التطرف في أربعة عوامل التي تشكل سمات بارزة لدى الفئة الأكثر عرضة للخطر: عقلية الإقصاء ونقص المعرفة (الانغلاق) والانطوائية الاجتماعية والسذاجة.
ما نعنيه هنا بعقلية الإقصاء هو رفض الابتكار والنهج المتشدد في التعامل مع السياسة والثقافة والدين. وترتبط معظم هذه القضايا بمفاهيم الأخلاق الدينية والنقاء الداخلي.
ويهتم الإسلاميون كثيراً بالنقاء والانضباط، كذلك يستخدم مصطلح التفكير لأولئك الذين لا يتمثلون بمعايير مخصصة للنقاء، وهذا ما حدث على سبيل المثال في يونيو (حزيران) 2014 بعد إعلان "الخلافة" المزعومة في العراق، حيث ارتكب تنظيم "داعش" مذبحة ضد الطائفة اليزيدية، كما أن كراهية الحداثة وتقديم العلمانية على أنها معادية للإسلام مؤشرات أخرى إلى أن الشخص قد يميل إلى إقصاء كل من يخالفه الرأي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هاوية الانغلاق
العالم كيان معقد ومليء بالتنوع الذي يؤدي إلى الخلافات التي تدفع بالمجتمع إلى الأمام، لكن نقص المعرفة لدى بعض الشباب يدفعه إلى هاوية الانغلاق، إذ لا يطيق التعايش بين الفئات المختلفة ولا يأبه لأحد يخالفه في تفسير النصوص المقدسة. ونرى هذا التوجه في المجتمع الباكستاني في التركيز على إلقاء الخطب والتعبير عن الإسلام الصوفي بالهرطقة، كما أن البعض يتحسس مؤامرة ضد الإسلام وضد الوطن في مشاركة المرأة في المجالات العامة، والدعوة إلى إعطاء حقوق مساوية للأقليات، ولعل أكثر الشعارات توظيفاً، في هذا السياق، هو "الإسلام في خطر" لصد الباب أمام كل من يحاول النقاش في هذه الأمور.
وما يزيد الطين بلة بروز ظاهرة "الانطوائية الاجتماعية" لتصب الزيت على نار الانغلاق، وعدم المعرفة، وتدفع الشخص إلى رفض كل ما يأتيه من الخارج من دون النظر إليه. والانطوائية الاجتماعية تخلق شعوراً دائماً بالخوف بأن "الإسلام مهدد"، وتغلق الباب أمام تدفق الأفكار، بل إن المعلومات الجديدة تسهم في وضع نظريات المؤامرة عندما يصاب المرء بهذه الظاهرة. ويرتبط استبعاد المعرفة بإجراءات عدوانية تجاه "الآخر"، كذلك فإن الحاجة الشديدة إلى الإغلاق تجعل الناس ينظرون إلى العلاقات الجماعية بطريقة "نحن مقابل هم" التي تشجع المنافسة. على سبيل المثال يرفض المتطرفون الثقافة الغربية ويدافعون عن مجموعتهم باعتبارها نقية أيديولوجياً أو في الأقل ثقافياً.
خطر السذاجة
ومن العوامل النفسية التي قد تدفع الشاب المتعلم نحو التطرف هو البحث عن الإجابات البسيطة والنظر إلى الأشياء بمفهوم "الأبيض أو الأسود"، ويرتكز هذا النهج على ثنائيات الخير والشر والصواب والخطأ والمسلم وغير المسلم وما إلى ذلك. وإن نظرة خاطفة على أدبيات وأدلة المنظمات المسلحة تكشف عن ميلها إلى تبسيط الأمور المعقدة.
وكما أسلفنا فإن المبالغة في تبسيط معتقدات الفرد يمكن أن تؤدي إلى التطرف الأيديولوجي. وتنتشر هذه السمة، خصوصاً، بين الانتحاريين الذين يتشبعون بالاعتقاد بأنهم "شهداء أبطال" يمجدون الدين من خلال تضحياتهم، وسيحصلون في المقابل على الجنة ونعمها الموعودة.
ويروج المتطرفون فكرة مفرطة في التبسيط مفادها بأن إحياء الشريعة الإسلامية و"الخلافة" من شأنه أن يحل تلقائياً عديداً من المشكلات المعقدة في العالم الإسلامي من دون أن يقدموا التفاصيل العملية لكيفية عمل نظام الشريعة، وكيف سيتم التوصل إلى توافق في الآراء داخل مختلف المذاهب الإسلامية التي تختلف نوعياً عن بعضها بعضاً في تفسيرها للشريعة.
وعلى نحو مماثل، تفشل الجماعات المسلحة المختلفة في تفسير كيف ستشكل الجماعات المسلحة المنتشرة في أنحاء العالم دولة "الخلافة" الموحدة بينما هي تشهد انقساماً داخلياً في صفوفها، واختلافاً أيديولوجياً مع بعضها بعضاً.
أخيراً تلزم الإشارة، في هذا السياق، إلى العوامل السياسية أيضاً، إذ يرتبط تطرف الشباب المتعلم في باكستان ارتباطاً مباشراً بالسياسات المؤيدة للعسكرة التي اتبعتها الدولة في الماضي، والتي عززت بيئة مواتية لنمو التطرف، مما وفر مساحات مادية وأيديولوجية لمختلف الجماعات المسلحة.
إن مجرد التحول الأيديولوجي في سياسات مكافحة الإرهاب والتطرف على المستوى الاستراتيجي قد يوفر فترة راحة موقتة، ولكن الحل الدائم لها يكمن في الإصلاحات البنيوية الضرورية، لتكون الفئة الغالبية للسكان، وهي فئة الشباب مساهمة في بناء الوطن.
نقلا عن "اندبندنت أوردو"