اخبار العراق الان

عاجل

جنود "معركة حلب" خلف الستار

جنود
جنود "معركة حلب" خلف الستار

2024-12-05 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


تعدد الولاءات في سوريا تجعل الجنود الأخفياء أكثر من الظاهرين في الصورة (أف ب)

راهنت إيران وأذرعها في المنطقة منذ حين على المناورة، إذ ظلت تتعهد بأشياء عدة ولا تلتزم إلا بالقليل في أحسن الأحوال، وهي التي تفاخر بأنها تحمل "دكتوراه" في الالتفاف على العقوبات وفقاً لوزير خارجيتها الأسبق جواد ظريف، لدرجة جعلت الرئيس الأميركي المنتخب ترمب يقول " تذكروا أن إيران لم تربح الحرب بتاتاً، لكنها لم تخسر مفاوضات قط".

إلا أن التحولات المتلاحقة التي بلغت ذروتها بعد السابع من أكتوبر 2023، فاق حجمها استيعاب المحور الذي كان يعتقد أن أدواته السابقة ستظل فعالة، مما دفعه في تقدير محللين إلى تكبيل النظام في دمشق، ومنعه الوفاء بالتزامات أعادته للجامعة العربية ومهدت للمفاوضات مع تركيا، وذلك على رغم الدعم الروسي المعلن لتلك المبادرات، وصون تلك التفاهمات قدراً كبيراً من مصالح الدولة، باستثناء المرتبط منها بعناصر الحرس الثوري و"حزب الله" من استهداف إسرائيل.

في هذا السياق يمكن فهم التحرك العسكري لاقتحام المدن والبلدات الاستراتيجية شمال البلاد ابتداء من إدلب وحلب وحماة، الذي كان "نتيجة مباشرة لتعنت النظام وانسداد الأفق السياسي في الملف السوري"، وتراجع النفوذ الإيراني في لبنان، وفقاً للمعهد البريطاني "شاتام هاوس" الذي رجح أن "حزب الله وحليفته إيران لن يعترفا بذلك مطلقاً، ولكنهما تعرضا لنكسة استراتيجية. وكان هدفهما هو ربط كل ساحات المعارك الإقليمية التي تتمتع إيران بنفوذ فيها من أجل استنزاف إسرائيل وإغراقها، ولكن إسرائيل نجحت في منع هذا الهدف بنجاح كبير، من خلال استخدام القوة الغاشمة".

سلاح تهم الإرهاب والطائفية

وكان المحلل السوري المقيم في أسطنبول أحمد الحسن نبه في تغريدة له قبل أسابيع من الهجوم إلى أن قراءة النظامين في دمشق وطهران للتودد الخليجي والتركي إليهما كانت خاطئة، "عندما ظنوا أن دول الخليج وتركيا تتملقه"، بحسب قوله.

ومع أن وزيري خارجية إيران وتركيا أظهرا التوافق في مؤتمر صحافي جمعهما أخيراً على أن "سوريا يجب ألا تصبح موطناً للجماعات الإرهابية"، إلا أنهما أكدا أيضاً أهمية وجود "استقرار في سوريا"، مرهون في نظر أنقرة بـ"فتح قناة حوار بين الحكومة والمعارضة"، وهي نقطة التقاء بين كل المهتمين بالملف ظاهرياً في الأقل، بما في ذلك الدول العربية، ولا سيما الخليج الذي يرى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران و"حزب الله" ونظيرتها السنية التابعة للقاعدة وتركيا وجهان لعملة واحدة، على خلاف دمشق التي ترحب بالأولى وتنبذ الثانية لأسباب معروفة.

وفي ظل ترقب الفرقاء قدوم ترمب ورهان بعض الأطراف على موقفه المضاد للنفوذ الإيراني، تمسك الإدارة الحالية في البيت الأبيض بموقف المراقب، على طريقة "لم آمر بها ولم تسؤني"، فأكدت في بيان مشترك لها مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنها تراقب عن كثب التطورات، وحثت "جميع الأطراف على وقف التصعيد وحماية المدنيين والبنية التحتية لمنع مزيد من النزوح وتوقف وصول المساعدات الإنسانية".

وذكرت بأن التصعيد الحالي أكد "الحاجة الملحة إلى حل سياسي للصراع بقيادة سورية، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، وهو ما يتهرب حلفاء دمشق منه. في وقت لا يزال تسيد "هيئة تحرير الشام" المشهد يثير الهواجس على رغم محاولاتها إظهار تسامحها مع المخالفين في بياناتها التي توجهت بزيارة قائدها أبو محمد الجولاني قلعة حلب وطمأنة سكانها المختلفين عرقياً ودينياً، على نحو أعاد للمراقبين الطريقة الطالبانية في الاستحواذ على وقع الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن المسكوت عنه في التصريحات الدولية حتى الآن، هو أن اجتياح منطقة حلب وما جاورها يجد ترحيباً ليس تركياً فقط، وإنما كذلك من جانب بعض الدول، التي قد ترى فيه حلقة في سلسلة تقليم أظافر إيران وأذرعها في المنطقة، بشرط ألا يكون ذلك على طريقة استبدال السيئ بالسيئ أو الأسوأ، ويعنى بذلك تعويض "حزب الله" بـ"القاعدة".

مبرر العودة للديار

ويخشى المراقبون أن يستثمر النظام وحلفاؤه ورقة "داعش" في تشويه الحراك وترهيب المجتمع الدولي من عودة الإرهاب مجدداً، إلا أن مراقبة التحالف الدولي للمشهد عن قرب، تعزز موقف المعارضة حتى الآن، ولا سيما في منع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران بإسناد المقيمة في المناطق المتنازع عليها، وسط تزايد الضغط العسكري على النظام بشكل مكثف مع اقتراب الفصائل المسلحة من السيطرة على مدينة حماة الاستراتيجية بعد حلب وادلب.

ونقلت وسائل إعلام تركية عن مسؤول في الحزب الحاكم تأكيده أن "معظم اللاجئين السوريين في تركيا ينحدرون من مناطق إدلب وحلب، وبالتالي من حقهم العودة لديارهم"، وسط نقاش عريض في البلاد حول العمليات العسكرية، التي صارت أشبه بتنفيذ أمر واقع ظل منشوداً ليس بهدف عودة اللاجئين وحسب، ولكن بالنظر إلى اتهام طهران ودمشق، بـ"تغيير ديموغرافية المنطقة وإحلال سكان جدد من مذاهب أخرى مكان أهلها السابقين، بعضهم من أصول آسيوية"، بحسب تقديرات المعارضة السورية.

ويشير المحلل الحسن إلى أنه بين المؤمنين منذ وقت مبكر أن "النظام لن يجد بديلاً عن التخلي عن حلب عملياً حتى وإن بقي فيها عسكرياً، لأنه فشل في إعادة إحياء النشاط الاقتصادي للمدينة، وما فشلت فيه العسكرة قد ينجح فيه الاقتصاد، ولا سيما مع دعم خليجي وأوربي لتركيا على أن يكون الأساس إضعاف الدور الإيراني"، مشيراً إلى أنه قال ذلك في وقت مضى حين منعت إيران الأسد من التخلي عن حلب عبر اتفاق سياسي، والآن صار واقعاً.

ومن غير المعروف حجم التنسيق بين إسرائيل وتركيا إثر تلاقي مصالح الاثنين في العمليات العسكرية شمال سوريا، إلا أن تل أبيب اكتفت بأنها تراقب الوضع ولن تسمح باستغلال سوريا الأحداث لتسليح "حزب الله"، فيما كان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اعتبر في أول تعليق إسرائيلي على الأحداث السورية أنه "لا يوجد طرف جيد"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة التي سيطرت مع فصائل أخرى على حلب من جهة، والجيش السوري من جهة أخرى.

أولى تداعيات هزيمة "حزب الله"

ولا شك أن إضعاف "حزب الله" من جانب إسرائيل، ستكون له تداعيات كبرى على مناطق نفوذه السابقة، وهذا أمر بدهي، إلا أن المحور الإيراني قد يجد صعوبة في استيعاب ذلك، ليس في الملف السوري، ولكن في جبهات أخرى ربما مثل اليمنية، ولهذا يشير بلال صعب من المهد البريطاني إلى أنه "من خلال الموافقة على شروط وقف إطلاق النار، فإن حزب الله تخلى عن حماس بصورة أساسية، وبالتالي عن فكرة الترابط الاستراتيجي المتبادل برمته"، في إشارة إلى ما يسمى "وحدة الساحات".

في غضون ذلك اعتبرت الخارجية الإيرانية من جانبها إسرائيل المستفيد الأكبر من الأحداث في سوريا، متهمة إياها وأميركا بدعم "الإرهابيين"، وفق وصفها.

بيد أن القيادي في المعارضة السورية يحيى العريضي نفى ذلك في حديث مع "اندبندنت عربية"، وقال إن المعارضة استعدت لهذه المعركة طويلاً، بعد انسداد الأفق السياسي مع دمشق ورفضها اليد الممدودة إليها من تركيا، بحثاً عن حل سياسي ينهي أزمة ملايين اللاجئين الذين هجروا من ديارهم في "إدلب وحلب وحماة ودرعا"، وضاقت بهم دول العالم بما رحبت، وصارت عودتهم لبلادهم أمراً لا مفر منه مهما تأخرت، وحاول النظام السوري والإيراني ترحيلهم إلى غير رجعة وتعويضهم بآخرين من انتماءات مذهبية وطائفية مغايرة من أشتات العالم.

وماذا عن سر في التوقيت والقوات؟ أجاب "جنود معركة حلب لا يزالون خلف الستار، وأما هيئة تحرير الشام التي يراد تشويه الحراك بمزاعم سيطرتها على المشهد، فلا تشكل سوى 18 في المئة، على رغم أنها هي الأخرى لم تعد الجسم الذي كان قبل سنوات".

أما التوقيت "فلا يعيب أن نستفيد من الظرف الإقليمي الراهن، الذي صار مؤمناً بإعادة إيران لوضعها الطبيعي ومواجهة نفوذها في سوريا ولبنان، ولو كان التحرك في أي وقت سيجد الرافضون له مبرراً للتشكيك فيه".

الهدف ليس إسقاط النظام؟

وحول الحدود التي يمكن للتحرك العسكري أن يتوقف عندها؟ رفض العريضي تحديدها، واكتفى بالقول "الوضع الميداني هو الذي يحكم، وعلينا أن نراقب التطورات"، لكنه ألمح إلى أن الهدف ليس إسقاط النظام هذه المرة، وإنما إجباره على المفاوضات، وتنفيذ الحلول التي كانت منذ سنوات موضع اتفاق أممي، وليس فقط السوريين.

وعلى رغم التهديدات الروسية والإيرانية بأنها ماضية في تثبيت دائم النظام السوري، أضاف "أشك أن قدرتهما تسمح لهما بذلك، ولا سيما على النحو الذي شهدناه في السابق، فلكل همومه الخاصة"، مؤكداً أن الدول العربية ولا سيما الخليجية تعلق عليها آمال كبيرة بأن تضغط في سبيل إيجاد تسوية مرضية بالتنسيق مع سوريا.

أما المحلل السوري الحسن فإنه يرى الظرف الدولي الراهن في صالح تحرك المعارضة الجديد نحو استعادة زمام المبادرة، "ما لم تظهر نتائج مغايرة في إدارتها المدن بعد السيطرة عليها، مثل التقاتل في ما بينها والتناحر، أو ظهور جماعات إرهابية في الصورة".

وتشكل خريطة التحالفات الدولية واتجاهات الفصائل الموالية لكل طرف داخل سوريا تحدياً كبيراً أمام الوصول إلى أية تسوية نهائية للصراع وجنوده الكثر خلف الستار، تحظى بتوافق الجميع، بين النظام والإيرانيين والأميركيين والأتراك، وحلفائهم الإقليميين والسوريين.

جنود
جنود