لماذا يعد سقوط حمص كارثة على النظام السوري؟
يحمل مسلح سوري معارض قاذفة صواريخ أرض - جو في مدينة حماة التي تم الاستيلاء عليها في 6 ديسمبر 2024 (أ ف ب)
بعد سقوط حلب وأرياف إدلب وحماة اجتاحت الشارع الحمصي موجة من الذهول المقرون بسرعة تساقط هذه المدن الكبرى تباعاً، وخشية على مصير مدينتهم المبهم في ظل تسارع تطورات ميدانية جعلت هيئة تحرير الشام على بعد كيلومترات عدة منها، وفي الطريق إلى حمص، هناك مدينتان تصطفان، منذ بدء الحرب، في أقسى جبهة لمقاومة النظام، هما الرستن وتلبيسة اللتان أجريتا تسويتين بضمانة روسية هشة جعلتهما على الدوام مصدر تهديد لحمص منذ ما قبل الأحداث الأخيرة، حتى سقطتا تماماً أخيراً في الساعات الماضية.
بيان عسكري
على وقع سقوط حماة أصدر الجيش السوري بياناً لفت فيه إلى أنه على مدى الأيام الماضية، خاضت قواتنا المسلحة معارك ضارية لصد وإفشال الهجمات العنيفة والمتتالية "التي شنتها التنظيمات الإرهابية على مدينة حماة من مختلف المحاور وبأعداد ضخمة مستخدمة كل الوسائط والعتاد العسكري، ومستعينة بالمجموعات الانغماسية". وتابع أنه مع اشتداد المواجهات "وارتقاء أعداد من الشهداء في صفوف قواتنا، تمكنت تلك المجموعات من اختراق محاور عدة في المدينة ودخولها، على رغم تكبدها خسائر كبيرة، وحفاظاً على أرواح المدنيين من أهالي مدينة حماة وعدم زجهم في المعارك داخل المدن، قامت الوحدات العسكرية المرابطة فيها بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة".
يحتفل مسلحو المعارضة السورية أثناء تدفقهم إلى مدينة حماة التي تم الاستيلاء عليها في 6 ديسمبر 2024 (أ ف ب)
نزوح بعض السكان
وبهذا البيان توجهت وزارة الدفاع التابعة للقيادة العامة لجيش النظام والقوات المسلحة للشارع السوري شارحة، من خلاله، ما حصل في مدينة حماة خلال اليومين الماضيين، وبدلاً من أن يكون البيان مطمئناً جاء بصيغة عكسية نسبياً كان يمكن ترجمتها بالرؤية والعين المجردة لموجة نزوح من حمص باتجاه دمشق والساحل السوري، إذ كان يتطلب أحياناً عبور كيلومتر واحد بضع ساعات لشدة الازدحام المروري.
ماذا لو سقطت حمص؟
وتقع حمص جنوب حماة بنحو 40 كيلومتراً، وباتت المدينة الآن في عين العاصفة على رغم عمليات ارتدادية ليل أمس الخميس نفذها جيش النظام في أرياف حماة، وتمكن على إثرها من استرداد مواقع استراتيجية أبرزها جبل زين العابدين ومطار حماة واللواء 87 وخطاب ومعردس.
ولكن ماذا لو تغيرت المعطيات الميدانية وسقطت حمص؟ فهذه ستكون واحدة من كبرى الكوارث التي ستهدد الأمن القومي على صعيد سوريا بأكملها، وسيكون لها أثر يضاهي تداعيات سقوط حلب وحماة، فحمص تحظى بجملة امتيازات جغرافية وسياسية تجعل من سقوطها بمثابة الكارثة.
وكثيراً ما اعتبرت حمص، خلال سنوات الحرب، عاصمة "الثورة"، وكانت تشكل الأحياء المعارضة داخلها نقطة ارتكاز دولي يحظى بأحاديث زعماء وقادة من الصف الأول في مختلف دول العالم، واستمرت الحال كذلك حتى استعادها النظام فعلياً عام 2014 خلال المرحلة الأولى عبر تسوية حمص القديمة، ونهائياً عبر استعادة آخر الجيوب في حي الوعر عام 2018، وما بينهما من مئات السيارات المفخخة التي ضربت عمق الأحياء الآمنة ومعها آلاف الصواريخ والمدافع التي ضربت المدينة فقتلت عشرات الآلاف وأحالت نحو 70 في المئة منها دماراً.
لماذا سقوطها كارثة؟
لماذا يعد سقوط حمص كارثة فعلية؟ أولاً لأنها تعد واحدة من الخزانات البشرية الأكبر الداعمة للنظام السوري عبر وجود مئات الآلاف من داعميه فيها وفي ريفها، وثانياً، هذا الأمر يعني ضرب عقدة المواصلات المركزية في البلاد وقطع الطريق ومحاصرة دمشق، إذ إن حمص تتحكم بمجمل الطرق الدولية من حلب وحماة والسلمية واللاذقية وطرطوس نحو دمشق. أما ثالثاً فهو أن حمص كمحافظة هي الأكبر في سوريا، وهي نقطة الارتباط مع الحدود العراقية شرقاً والحدود اللبنانية غرباً بمعابر عدة، ما يعني فقدان طرق الإمداد العسكري لحلفاء دمشق، بالتالي سلخ سوريا على صورة دويلات منفصلة، دويلة في الشمال قوامها حلب وإدلب وحماة، ودويلة في الشمال الشرقي قوامها المدن التي يسيطر عليها الأكراد في الحسكة والقامشلي، ودويلة حمص غير معروفة الشكل والامتداد، والجنوب السوري بما فيه من مدن كدمشق والسويداء ودرعا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوة الأمر الواقع
وهذا التمزق وإن لم يقد نحو الفيدرالية أو الاعتراف بالتقسيم على أرض الواقع، لكنه سيصير نافذاً بقوة الأمر الواقع على ما يراه المتخصص السياسي مؤمن مهنا الذي يقول، "لا أحد له مصلحة في تفتيت سوريا لدويلات حالياً، ولكن ما يحصل هو شكل مباشر لهذا التفتيت". ويضيف، "قبل أسبوع كنا نتعامل مع ثلاث مناطق نفوذ رئيسة وثابتة منذ سنوات، منطقة الأكراد في الشمال الشرقي، ومنطقة النصرة في الشمال الغربي، وبقية غالبية سوريا التي هي في قبضة الحكومة، أما الآن فهذا الواقع الآني سريع التبدل يجعلنا غير مدركين نحن أمام أي مناطق نفوذ راهناً، وكيف هو شكل الدولة الحالي، بل وكيف تنطلق قوى مسلحة من حصار لتسيطر على مدن بأسرها، ثم يكتفي الجيش بالقول إنه أعاد الانتشار، إن كان ذلك الانتشار مدروساً فذلك جيد، أما لو كان كيفياً فهو مصيبة".
حمام دم وطوائف تتقاسم الألم
ورابعاً، فإن حمص واحدة من أغنى المدن السورية تنوعاً ديموغرافياً، إذ يتشاطر المسيحيون بطوائفهم مع المسلمين من سنة وعلويين وإسماعيليين وشيعة ومرشدين وقلة قليلة درزية وقوميات كبرى من عرب وشركس وتركمان وأقليات من أكراد وأرمن وسريان وآشوريين، وغيرهم.
وبحسب الأكاديمي في العلوم السياسية مهذب نصوح فإن "اجتماع تلك المذاهب والطوائف والقوميات يجعل أول رصاصة في حمص مقرونة بحمام دماء كما حصل في سنوات 2012 و2013 على وجه الخصوص، وهو ما يعيه أهل المدينة جيداً، وتعيه المعارضة كذلك، المعارضة التي تحتاج بيئة حاضنة بالتمام لتتمكن من إنجاز مهام دخولها وإعلان سيطرتها"، بيد أن ذلك يبقى في إطار التحليل النظري المحض بحسب الأكاديمي نفسه، "إذ إن أي رؤية ستبنى اليوم يجب أن تستند إلى ما حصل يوم أمس بالتحديد، وبالضبط على موجة النزوح التي تقاسمتها الطوائف ولم تكن حكراً على أحد"، مضيفاً، "يحق للجميع في حمص الخوف، فهذه المدينة قدمت مئات آلاف القتلى والجرحى في سنوات الحرب الأولى، ولا أعتقد أن أحداً بعد عقد من الهدوء يريد أن يعيد سيرتها الأولى، الناس تعبوا في وسط البلاد كثيراً".
خرق لاسلكي ورؤية عسكرية
وسط هذه الأجواء أدلى مصدر ميداني مطلع لـ "اندبندنت عربية" بمعلومات عسكرية رافقت سقوط حماة، أبرزها "تمكن المسلحين من اختراق موجات الاتصالات العسكرية لمدة قاربت 10 دقائق، مما سمح لهم بالتلاعب بالجبهات كاملة وإعطاء أوامر انسحاب للقوات العاملة، قبل أن يتدارك قادة العمليات هذه الثغرة ويستعيدوا السيطرة على الأمواج اللاسلكية لأجهزة الاتصالات العسكرية". وتابع المصدر نفسه، "تجاوزنا الخرق، وقمنا بتحصين أمن الاتصالات، ونأمل ألا يتكرر ذلك أبداً، والدليل جهوزيتنا وطبيعة تنسيقنا في المعارك، وهناك خطوط حمراء من غير المسموح المساس بها، وهي مدن بأكملها كاللاذقية وطرطوس وحمص ودمشق وغيرها، وذلك درس ما حصل في حلب وحماة". وأضاف، "الحرب النفسية كانت قوية ضدنا، النزوح مبرر، ولكن بقي شباب، أكثر من كثر، في أحيائهم لمساندتنا"، واعتبر المصدر أن انسحاب الجيش من جبهات عدة "هو تكتيك استراتيجي يمنع سفك الدماء ونقل الحروب المباشرة إلى داخل الأحياء، وهو يندرج في إطار إعادة التموضع والتقاط الأنفاس وامتصاص الصدمة الأولية قبل التحضير لهجمات عكسية قد تطول لاسترجاع ما سقط، ولكنها بالتأكيد ستحمي مناطق أخرى".