العراق واختبار النأي بالنفس عن معارك سوريا
جندي عراقي يعتلي آلية عسكرية خلال مراقبته الحدود السورية (أ ف ب)
في رسالة تهدئة إلى بغداد مغلفة بالتهديد حذر زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني من تدخل أي قوة متحالفة مع إيران، مثل الحشد الشعبي في المواجهات الجارية في سوريا، دعياً رئيس الوزراء العراقي محمد الشياع السوداني إلى "النأي ببلاده من التدخل في أتون حرب جديدة".
دعوة الجولاني جاءت سريعة بعد كلمة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمما برلمان بلاده لمناقشة تداعيات ما يجري في الأراضي السورية واستعدادات القوات الأمنية.
وشهدت سوريا هجوماً للفصائل المسلحة على محافظات حلب وإدلب وحماة، إذ شنت "هيئة تحرير الشام" وفصائل حليفة لها الأسبوع الماضي، أكبر عملية عسكرية منذ أعوام ضد مناطق يسيطر عليها الجيش السوري في شمال البلاد وشمال غربها، في هجوم مباغت أتاح لها السيطرة على المحافظات الثلاث وباتت على بعد كيلومترات معدودة من حمص ما يسهل الطريق إلى العاصمة دمشق.
وإزاء هذه التطورات كثفت الأجهزة الأمنية العراقية استعداداتها الأمنية على طول الحدود مع سوريا عبر تدعيم الأسيجة الخرسانية والسواتر الترابية وزيادة الحشود الأمنية على مقربة من الحدود، فيما تفقدت القيادات الأمنية القطع المنتشرة في المنطقة منعاً لحدوث أي خرق للحدود.
سياج أمني على الحدود العراقية- السورية (أ ف ب)
ويتخوف العراق من تكرار سيناريو عام 2014 بعدما سيطر تنظيم "داعش" على ثلث مساحة البلاد قبل طرده عام 2017، لتقوم القوات الأمنية العراقية بعمليات كر وفر ضد فلول التنظيم المتطرف المتحصنين في بعض الوديان والكهوف.
الأحداث في سوريا أبرزت التساؤلات حول موقف بعض الفصائل المسلحة ضمن قوات الحشد الشعبي من هذه الأحداث وإمكانية القتال بجنب القوات الحكومية السورية وسط دعوات نيابية وقيادات في بغداد بإبعاد البلاد عن الأزمة هناك. وقال رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني خلال جلسة استضافة السوداني، "لن نقاتل بالنيابة عن أحد، ولن نسمح لأي تهديدات خارجية بزعزعة أمن العراق واستقراره".
بين الصدر والحشد
فيما دعا الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر أمس الخميس الحكومة والفصائل العراقية المسلحة إلى "عدم التدخل" في ما يحصل بسوريا.
وشدد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعباً وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري، كما كان ديدن بعضهم في ما سبق"، داعياً "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي"، لكن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قال في كلمة له اليوم الجمعة إن "الأزمة السورية حدث داخلي، لكن العراق يتحسب لأي طارئ لمواجهة المسلحين". وأضاف، "العراق وإن لم يكن طرفاً في الأزمة، فإن عليه الوقاية في ظل ما يجري في دولة مجاورة له، وسوريا تمثل مجالنا الأمني الحيوي الذي لا يمكن فصله عن بلادنا وكل من يقول غير ذلك واهم".
اجتماع وزراء الخارجية
ويستبعد مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبدالحميد أن تفتح الفصائل المسلحة السورية جبهة مع العراق، مشيراً إلى أن اجتماع وزراء خارجية العراق وإيران وسوريا سيبحث مستقبل البلد المجاور.
وأضاف عبدالحميد، "الاجتماع الذي سيعقد بين وزراء خارجية الدول الثلاث سيضع الخطوط العريضة للخطوات المستقبلية في سوريا ومشاركة أو عدم مشاركة قوات الحشد أو أي قوات أخرى في هذا البلد"، مشيراً إلى أنه ليس من مصلحة الحشد أن يدخل في النزاع هناك.
ولفت إلى أن مستقبل سوريا بات مجهولاً خصوصاً بعد دعوة صريحة من الجولاني بعدم تدخل العراق عقب استماعه إلى خطاب محمد شياع السوداني أمام البرلمان عبر الجوال، بل إنه أبدى رغبة في التعاون مع بغداد وطلب عدم تدخل الحشد الشعبي في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعاد التذكير بدعوات سياسية وقيادات مهمة في العراق تطالب بعدم المشاركة في ما يجري في سوريا من ضمنها رسالة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي أكد هذا المفهوم ورغبته في عدم إشراك الفصائل العراقية في سوريا بأي شكل من الأشكال.
ورجح أن يناقش الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية جميع هذه الأمور ومن ضمنها إشراك الحشد الشعبي أو قوات إيرانية في سوريا، خصوصاً أن الولايات المتحدة أعطت رأيها للحكومة العراقية بعدم التدخل في المعارك الجارية، وهناك رسالة أميركية واضحة للاجتماع الذي سيعقد بعدم التدخل بالمعارك.
دمشق مهددة
بين هذا وذاك، بات واضحاً أن أطرافاً دولية ساعدت الفصائل المسلحة في الوصول إلى أطراف حمص، مما يهدد دمشق بالسقوط، بحسب مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية، الذي أوضح أن المعارضة السورية بتسمياتها المتعددة لا تستطيع فتح جبهة أخرى مع العراق وأن رسالة الجولاني واضحة بعدم التدخل في شؤون بغداد والحفاظ على علاقات مستقبلية معها.
وخلص عبدالحميد إلى أنه ليس من مصلحة إيران والعراق المشاركة في هذه الحرب كون أن عواقبها ستكون وخيمة على البلدين.
التيار الشيعي المعتدل
من ناحية أخرى رأى المتخصص في مجال العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن التيار الوطني الشيعي المعتدل يرفض التدخل في الشأن السوري. وأضاف "كل قيادات هذا التيار، سواء مقتدى الصدر أو حيدر العبادي ومحمد شياع السوداني يؤكدون أن أمن العراق أولاً وأخيراً. كما أن العشائر العربية في البوكمال قطعوا الطريق على كل الفصائل وعلى بعض قطع الحرس الثوري الإيراني، لا سيما أن قوات (قسد) أعلنت أنها ستواجه الفصائل المدعومة من طهران في غرب الفرات".
وقال الفيلي، "نحن اليوم أمام متغير كامل للمشهد السياسي السوري، بالتالي فإن طبيعة المعارضة للنظام لا تختزل فقط في هيئة تحرير الشام التي كانت تسمى (جبهة النصرة)، وإنما هناك قوى تريد صنع وضع جديد في سوريا مع تأكيدات من قبل الأمم المتحدة بالذهاب باتجاه تطبيق القرار 2254، والذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية ومن ثم كتابة الدستور مع إجراء انتخابات خلال 18 شهراً بمعنى أن ما يجري في سوريا شأن داخلي ولا يستهدف جهة معينة".
وضع حرج
المتخصص في مجال العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية أكد كذلك أن الفصائل العراقية تجد نفسها في وضع حرج، بخاصة أن هناك تراجعاً في الخطاب الإيراني الأخير، فضلاً عن أن تكرر مشاهد انسحاب قوات الجيش السوري وترك أسلحتها، ما يعني أنها في حالة انهيار. وبين أن الفصائل المسلحة العراقية تدرك أن مسؤوليتها هي الحفاظ على أمن العراق أولاً، هذا إذا قرأت الأمر بصورة علمية وابتعدت عما يعرف التعامل العقائدي، لأنها ببساطة إذا ما ذهبت إلى سوريا فإنها تضع نفسها في انتحار بشري.