الأزمة السورية تفرض نفسها على حوارات الدوحة والمنامة
خيبة أمل عربية من التصعيد في دمشق وتفويت الأسد فرصة أعوام الهدنة (الخارجية السعودية)
حازت التطورات المتسارعة في سوريا على غالبية التداولات في أعمال منتدى الدوحة بنسخته الـ22 الذي افتتح اليوم السبت بحضور عدد من الرؤساء والمسؤولين العرب والدوليين.
وأكدت محادثات المنتدى الذي افتتحه أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني على ضرورة إرساء إطار عملي للتوصل إلى حل مستدام في سوريا التي تشهد في الأثناء معارك عنيفة بين المعارضة وقوات نظام الرئيس بشار الأسد.
وحذر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني من نشوب حرب أهلية في سوريا تهدد وحدة البلاد في حال عدم التوصل إلى حل سياسي، مشيراً إلى أن الأسد "لم ينتهز هذه الفرصة للبدء بالتواصل واستعادة علاقته بشعبه ولم نشهد أي تحرك جدي سواء في ما يتعلق بعودة اللاجئين أو المصالحة مع شعبه".
وأضاف أن "العالم تفاجأ" بالتقدم السريع عقب هجوم مباغت ينفذه تحالف من فصائل معارضة في سوريا، محذراً من أن "هذا الوضع قد يتطور ويصبح أكثر خطورة، مما يهدد بالعودة لدوامات العنف السابقة".
وبحث آل ثاني مع نظرائه من تركيا والأردن وإيران آخر التطورات في سوريا ومستجدات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
خطر على المنطقة
وبالتزامن، انتقل الملف السوري الملتهب الذي تتصاعد أحداثه إلى خفايا اللقاءات الثنائية للمشاركين الفاعلين والضالعين فيه لمناقشة تداعياته، فعقد اجتماع ضم وزراء خارجية العراق وروسيا على هامش أعمال المنتدى الـ20 للأمن الإقليمي حوار المنامة 2024 الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية.
فيما شدّد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في كلمته على أن استمرار الحرب في غزة واتساع نطاقها إقليمياً يُضعفان منظومة الأمن الدولي، ويهددان مصداقية القوانين والأعراف الدولية، في ظل استمرار إسرائيل بالإفلات من العقاب، واستمرارها باستهداف الأمم المتحدة وأجهزتها.
مضيفاً أنه يتحتم على المجتمع الدولي تكثيف جهوده للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع كافةِ القيود على إدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، محذراً من انتشار خطاب الكراهية من جميع الأطراف، ومن ضمنها التصريحات التي تهدد بضم الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان ومحاربة حل الدولتين.
وقالت الخارجية العراقية إن "نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، التقى اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العاصمة القطرية الدوحة".
وأضافت أن "الاجتماع شهد بحث تطورات الأوضاع في سوريا وخطورة انعكاسها على أمن المنطقة"، مبينة أن "الجانبين أكدا أن العراق وروسيا معنيان بالشأن السوري وشددا على أهمية مراقبة التطورات بدقة واهتمام كبيرين".
ولفتت الوزارة إلى أن "المحادثات تناولت مخرجات الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في بغداد والذي جمع وزراء خارجية العراق وسوريا وإيران. وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية الروسي عن ترحيبه بهذا الاجتماع، مؤكداً ضرورة تكثيف الجهود لتجنيب سوريا مزيداً من المآسي".
وأشار فؤاد حسين من جانبه إلى "خطورة تطورات الأوضاع في سوريا، وما قد يترتب عليها من أزمة إنسانية وشيكة، سواء من خلال النزوح الداخلي أو تدفق اللاجئين إلى دول الجوار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "العراق يسعى جاهداً إلى العمل على تجنب تأثير الأحداث السورية في أمنه واستقراره"، مؤكداً أن "موقف العراق يتمثل في تكثيف الجهود لمواجهة أي خروقات أو تجاوزات على الحدود من قبل الجماعات الإرهابية وأن العراق مهتم بحماية حدوده وسلامة أراضيه ومنع دفعه إلى أن يكون جزءاً من هذا الصراع".
العودة لأستانا
وعقد وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران على هامش منتدى الدوحة اجتماعاً في إطار عملية "أستانا للتسوية" بعد اشتعال الأوضاع في الداخل السوري، مع عمليات الفصائل المسلحة التي سيطرت خلال 10 أيام على ما يقدر بربع مساحة سوريا وعلى مدن رئيسة هي حلب وحماة وإدلب ومشارف حمص.
وانطلق مسار "أستانا" حول الأزمة السورية الذي عقد 22 مرة في الـ20 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2016 في العاصمة الكازاخستانية أستانا بمبادرة روسية مدعومة من تركيا وإيران، بعد فشل المحاولات الأممية لمحادثات جنيف بخصوص سوريا.
وشارك في اجتماعاتها الرئيسة ممثلون عن الحكومة السورية والأطراف الفاعلة في المعارضة المسلحة، بحضور وزراء خارجية الدول الثلاث على طاولة واحدة، بهدف التوصل إلى حل سياسي والتركيز على التهدئة الميدانية ودفع الأطراف إلى تسوية شاملة.
كلمات للتنفيذ
وغير بعيد، بدأت مساء اليوم أعمال المنتدى الـ20 للأمن الإقليمي "حوار المنامة" الذي أكد فيه وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني أن محاور الملتقى ركزت على الملفات الثلاثة الأكثر إلحاحاً في المنطقة اليوم أي الحرب على غزة ولبنان وتطورات الأزمة السورية الدامية.
وانطلاقاً من رؤية المنامة، "حث المنتدى جميع الأطراف على التزام وقف إطلاق النار والامتثال لالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 والقانون الدولي"، والتزام جميع "المبادرات داخل الجامعة العربية الرامية إلى تحقيق حل سياسي يحافظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها، ويصون حقوق ومصالح شعبها، ويسهل على سوريا أن تقوم بدور كامل وبناء في المنطقة".
وفي حين غابت الأزمة اليمنية التي لا يفصلها الخبراء عن الأحداث الجارية وارتباطها بحسب طبيعة سباق النفوذ في المنطقة، إلا أن وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني شائع الزنداني استعرض مع الزياني في لقاء منفصل "مستجدات الأوضاع الراهنة في اليمن وتبادلا الآراء إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
لا انتظار طويل
كما لم يخف المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ امتعاضه من طول انتظار التوصل لحل سياسي للأزمة الدامية منذ أكثر من عشر سنوات.
وقال إن الأطراف المتحاربة والشعب المحاصر في اليمن لا يمكنهم انتظار خريطة طريق للسلام إلى ما لا نهاية، قبل أن تنزلق البلاد مرة أخرى في دوامة الحرب.
وألمح غروندبرغ في حوار مع "فرانس برس" إلى أنه "لا يزال ممكناً" حل الصراع في اليمن الغارق بالفقر، حيث يسيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على جزء كبير من البلاد.
مؤكداً أن "أي فرصة لتطبيق خريطة طريق عُلّقت فعليا بسبب تصاعد الأزمات الإقليمية الناجمة عن الحرب الدائرة في غزة".
ورغم استمرار المناقشات التحضيرية مع جميع الأطراف، أوضح غروندبرغ "في مرحلة معينة، هناك تنفيذ متوقع تريد الأطراف رؤيته يحصل وإذا لم يحدث ذلك، فهي مخاطرة بفقدان الزخم الضروري وهذا الخطر واضح"، في إشارة إلى الرفض الحوثي المتكرر الذي تبديه الجماعة المدعومة من إيران مع الدعوات الإقليمية والأممية للشروع في التوقيع على خارطة طريق توصل لنهاية الصراع الدامي منذ أكثر من عشر سنوات.
وتابع "هناك أصوات معادية في المنطقة، ما أقوله هو: لا تسلكوا هذه الطريق - من الممكن تسوية هذا الصراع".
ويشهد اليمن منذ 2014 نزاعا اندلع مع سيطرة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها العاصمة صنعاء.
وأمام الرفض الحوثي أبدى المبعوث الأممي عدم تفاؤله برضوخهم للسلام المنتظر واعتبر أنه "من غير الممكن المضي قدما بخريطة الطريق الآن، لأنني لا أعتقد أن تنفيذ تلك الخريطة سيكون ممكنا".
ولكنه تدارك "ما زلت أعتقد أن الأساس لخريطة الطريق في اليمن موجود لأن النزاع بين اليمنيين قابل للحل، ورغم ذلك فإن العامل المعقد الآن هو زعزعة الاستقرار الإقليمي، بحيث أصبح اليمن جزءا لا يتجزأ من خلال الهجمات في البحر الأحمر".
مؤكداً غروندبرغ على أن خريطة الطريق "ليست عصا سحرية" لليمن، الذي انغمس في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم حيث يعتمد ثلثا السكان على المساعدات.
والمنتدى الـ20 للأمن الإقليمي حوار المنامة 2024 ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية، ويشارك فيه عدد من القادة وكبار المسؤولين بحضور وفود رفيعة المستوى من وزراء ومسؤولين أمنيين وقادة عسكريين وأكاديميين وخبراء متخصصين من مختلف دول العالم.