سوريا والعراق... سقوط مختلف ومصير واحد
صورة لبشار الأسد محترقة جزئياً بعد دخول المعارضة السورية دمشق (أ ف ب)
سقط نظام بشار الأسد إذاً وباتت العاصمة دمشق في قبضة المعارضة المسلحة، وبدا لافتاً قطع بث التلفزيون الرسمي قبل أن يعود بصورة ثابتة حاملة كلمات "الثورة العظيمة انتصرت ونظام الأسد سقط". مشاهد متلاحقة ومثيرة لكنها تجد صدى في الداخل العراقي الذي يتحدث عن حدود مؤمنة مع الجارة السورية على رغم إخلاء سفارته لدى دمشق ونقل موظفيه إلى لبنان.
إعلان سقوط الأسد رسمياً فتح أبواباً متعددة لمصائر مجهولة ترتبط بالموالين لنظام الرئيس السابق من أجهزة أمنية واستخباراتية وبعض القيادات العليا، وما قد يواجهه بعضهم من عمليات انتقامية، أو كما يشير البعض إلى سيناريو عراقي جديد في سوريا.
"تفاوضوا وأحرقوا الوثائق"
في منشور على منصة "إكس"، دعا سالم الجميلي الذي شغل منصباً رفيعاً في جهاز الاستخبارات العراقي في زمن نظام صدام حسين، ضباط الاستخبارات السورية إلى التواصل مع المعارضة لعقد صفقات تحفظ حقوقهم، وإتلاف أرشيف كل أجهزة الأمن والاستخبارات والوثائق تحسباً لاستخدامها سلاحاً للانتقام.
وعلى رغم اختلاف الطريقة التي أسقط بها نظام صدام عبر غزو أميركي خارجي للعراق، توقع المتابعون للشأن السياسي السوري نهاية نظام الأسد بل قد تكون آليات تغير النظام واحدة.
تركيا ستتدخل
يرى الكاتب والصحافي باسم الشرع أن القوى المعارضة التي تتحكم بها تركيا ستحتوي العناصر الأمنية ولن تسمح بعمليات انتقامية ضدهم، مضيفاً "أن فصائل المعارضة السورية تعمل بالأساس وفق رؤية أنقرة التي بدت متحكمة في ما يحصل مع نظام الأسد وتتركز على احتواء عناصر الأجهزة الأمنية". وأضاف، "حتى الآن لم نجد عمليات انتقامية واسعة سواء في حلب أو حماة، فالرؤية التركية تتركز على احتواء العناصر الأمنية السابقة وإعادة الدولة".
وأوضح الشرع أن طرد هؤلاء سيخلق مجاميع معارضة أخرى للحكام الجدد في دمشق وستتكون مجموعات مسلحة جديدة لا سيما أن هؤلاء لديهم إلمام بإدارة الدولة، مؤكداً أن تصفيتهم أو طردهم سيولدان خطراً كبيراً وفلولهم مؤذية للنظام الجديد، لا سيما هناك عدم رضا دولي مما يحصل لكن ضعف نظام الأسد هو الذي فرض الوضع الحالي.
وخلص الشرع إلى أن الرؤية التركية التي تتحكم بهيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المعارضة ستكون حاضرة ومؤثرة في احتواء هذه العناصر ولدفعها إلى التعاون بالكشف عن المسؤولين عن عمليات القتل الجماعي.
مفاوضات برعاية أممية
المتخصص في مجال العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي لا يزال يرى إمكانية في أن تجري مفاوضات بين حكومة الأسد والفصائل المسلحة برعاية أممية، مما سيمنع أي عمليات انتقامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الفيلي "أن ملامح انهيار النظام السوري أكثر وضوحاً عن ملامح الوضع العراقي إبان إسقاط نظام صدام عام 2003"، مشيراً إلى أن "التماسك بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية في بلاد الرافدين بعد دخول القوات الأميركية وما قبلها أسهم في خلخلة الأوضاع الأمنية في البلاد ولكن سوريا وبعد تقهقر الجيش النظامي وانسحاباته وسقوط المدن واحدة تلو الأخرى والظرف الاقتصادي السيئ الكل يفكر بالنجاة وهو ما فعله الأسد نفسه".
وأعاد التذكير بأن العراق عانى خلايا قادها حزب البعث ورجال المؤسسة العسكرية خلال فترة ما بعد الغزو، التي بقيت لأعوام طويلة و"لكن بالنسبة إلى ما يخص سوريا فإن الأوضاع الاقتصادية السيئة والنقمة على النظام أسهمتا في انتهائه وسقوطه".
ويمضي في شرح الفروق بين دمشق وبغداد بقوله إن نظام صدام استطاع أن يجذر كثيراً من العلاقة بين المؤسستين الأمنية والعسكرية، بحيث إن الجغرافية التي واجهت الأميركان في العراق كانت واسعة الانتشار، بعكس نظام الأسد الذي توقع قبل سقوطه عدم وجود مقاومة.
وتابع، "أجهزة الاستخبارات التي اعتمد عليها نظام حافظ الأسد في سبعينيات القرن الـ20 لم تكن موجودة اليوم مع ابنه بشار، إضافة إلى أن المعارضة الحقيقية هي داخلية وليست خارجية مثل العراق الذي أسقطت نظامه بقوة السلاح الأميركي".
ويرى الفيلي أنه بعد مغادرة عائلة الأسد يمكن أن تكون هناك مفاوضات وقد تكون برعاية دولية وأممية من دون عمليات انتقامية بين الفصائل والموالين للنظام.
العراق لا يشبه سوريا
في المقابل، يرى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن ما حصل في العراق يختلف عن سوريا إلا أن نتيجته ستكون واحدة. وأضاف "المشهد السياسي في سوريا مختلف عن نظيره في بغداد قبل 2003 وبعد الاحتلال الأميركي للعراق"، مشيراً إلى أن الوضع في دمشق يعكس أزمة وصراعات داخلية بدأت منذ عام 2011 وظهور الأحزاب المختلفة منها ما هو ليبرالي وإسلامي وتقدمي وغيرها من القوى التي تؤمن بالحرية وحقوق الإنسان وبدولة مدنية وكانت مطالبتهم عبر الاحتجاجات بتعديل الدستور والانتقال من الحزب الواحد إلى نظام متعدد الأحزاب ومن نظام اقتصاد الدولة إلى نظام تعددي.
ونبه إلى أن المشكلة في سوريا أن الأسد لم يستجب لمطالب شعبه وأصوات المحتجين بل مارس عملية قمع باتهام هذه التيارات بارتباطات خارجية، وتطورت الأمور إلى ما هو عليه من ظهور متطرفين في مناطق مختلفة ودخول روسيا لحماية النظام وقوات فيلق القدس لإنقاذ النظام، ودخلت القوات التركية والجيش الأميركي وتنظيمات مسلحة كثيرة كردية وعربية واتجاهات سياسية مختلفة.
أخيراً فإن الوضع في سوريا مختلف عن العراق ولو كان الأسد التزم خريطة طريق القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة عام 2015 أي الذهاب إلى دستور جديد ودولة مدنية تؤمن بالديمقراطية الليبرالية والتعددية السياسية والاقتصادية والثقافية لما آلت الأمور إلى وضعها الحالي، فاعتماد نظام فيدرالي كان سيضمن للأكراد حقوقهم القومية في إطار دولة اتحادية تضمن التنوع العرقي القومي والمذهبي للسوريين.